أظهرت المظاهرات الشعبية التي اندلعت في بغداد ومدن عراقية عدة، الثلاثاء، مدى الغضب الشعبي من الأداء الحكومي خاصة فيما يتعلق بملفات الفساد، وهو ملف طالما تصدر الاحتجاجات العراقية لسنوات، لكن هناك ما يميز هذه المظاهرات على غيرها وربما يعطيها أهمية أكبر.
فقد خرجت جموع غاضبة من الشعب العراقي عبر تنسيق شبابي على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن احتجاجاتها ضد الفساد الحكومي، ووصل سقف مطالبها منذ اليوم الاول إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، منددة بارتهان القرار العراقي بأوامر النظام الإيراني في طهران.
وبعد عام كامل له في السلطة، لم يحقق عبد المهدي تطلعات العراقيين في ملفات مكافحة الفساد وتحسين الخدمات المعيشية، بحسب المحتجين.
ويقول مدير مركز التفكير السياسي إحسان الشمري لسكاي نيوز عربية:" نلاحظ أن المتظاهرين لا يملكون الإمكانيات الكبيرة التي توفرها الأحزاب والقوى السياسية عندما تدفع أنصارها للتظاهر".
ويعتبر الشمري إن ما يميز هذه المظاهرات كونها "غير مسيسة ولا حزبية"، فيما تشير الشعارات المرفوعة من اليوم الاول إلى الإصرار على استمرارية الحراك.
ورفع المتظاهرون لافتات تشير إلى "تحقيق المطالب أو الموت"، كما دعوا إلى إسقاط النظام السياسي.
ويقول الشمري إن الحركة الاحتجاجية تستهدف حاليا تغيير أسس النظام السياسي الذي بنته القوى السياسية بناء على مصالحها، وهو ما يشير إلى أهمية هذا الحراك واختلافه عن تحركات سابقة كانت مدفوعة من أحزاب بعينها.
عنف أمني
واستخدمت قوات الأمن الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين مع تجدد الاحتجاجات في بغداد، الأربعاء، في اليوم التالي لمقتل ما لايقل عن شخصين وإصابة 200 في اشتباكات بسبب البطالة والفساد وضعف الخدمات العامة.
وذكرت مصادر في الشرطة أن 8 محتجين على الأقل أصيبوا في حي الزعفرانية بجنوب شرق بغداد عندما فتح أفراد من قوات الشرطة والجيش النار وأطلقوا عبوات الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات المحتجين.
وفي شمال بغداد خرج نحو 200 محتج إلى الشوارع في حي الشعب، وأغلقوا طريقا سريعا رئيسيا يربط بين العاصمة والمدن الشمالية. وقالت الشرطة وشهود إن الجنود دخلوا إلى المنطقة لتفرقتهم.
ويقول مراسلنا إن المشهد الاحتجاجي امتد إلى بقية المحافظات العراقية، حيث صدرت دعوات للتحرك في الديوانية وكربلاء والنجف.
ورفض المتظاهرون إخلاء ساحة الطيران في العاصمة، بينما شوهدت عمليات كر وفر بين القوى الأمنية والمتظاهرين.
وبدأ الاحتجاج الرئيسي أمس الثلاثاء في بغداد حيث سقط قتيل بينما خرجت بعض المظاهرات في مناطق أخرى منها مدينة الناصرية بجنوب البلاد، حيث قالت الشرطة إن محتجا قتل بالرصاص.
وقال بيان للحكومة أمس الثلاثاء إن من بين المصابين 40 من قوات الأمن وألقى باللوم في العنف على "مجموعة من مثيري الشغب".
وأعلن رئيس الوزراء العراقي في بيان، البدء في إجراء تحقيق بشأن حوادث العنف، لكن ذلك لم يحدث تغييرا على ما يبدو في سلوك قوات الأمن في ثاني أيام الاحتجاجات.
زخم كبير
ويعتبر المحلل السياسي العراقي نجم القصاب إن المظاهرات الحالية هي أول مظاهرات شعبية "غير مسيسة" يشهدها العراق، وهو ما يعطها "زخما كبيرا".
ويقول القصاب لسكاي نيوز عربية:"لا أحد يستطيع أن يتهم هذه المظاهرات بالإقليمية أو السياسية أو الطائفية.. وهذا مكمن قوتها".
فالمواطنون على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية ينتقدون الطبقة السياسية بسبب الفساد المستشري فيها.
ويتساءل الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية رعد هاشم عن سبب استخدام قوات الأمن العنف ضد المتظاهرين، بينما لا نرى هذا السلوك مع المظاهرات التي ترعاها الأحزاب والقوى السياسية.
ويقول هاشم إن رئيس الوزراء قال في برنامجه الحكومي إنه ضد قمع المظاهرات بالقوة، والآن هو يستخدم القوة ضد المتظاهرين".
ويقول المتظاهرون إن الحكومة "لم تنجز أي شي مهم في الملفات الكبيرة كتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات. كما فشلت، في تقديرهم، في تكليف وزير للتربية خلال عام كامل، ناهيك عن تدهور قطاع الصحة وضعف أداء الأجهزة الأمنية.
وتأتي هذه التظاهرات بعد أيام من دعوات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض إقالة القادة الميدانيين الذين حاربوا تنظيم داعش، ومن بينهم رئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي.
واعتبرت جهات عراقية أن قرار إقالة الساعدي بأمر من رئيس الحكومة يأتي في إطار تنفيذ أجندات خارجية، ترمي إلى القضاء على هيبة المؤسسة العسكرية المتمثلة بالجيش العراقي، وتعمل على أن يكون للحشد الشعبي قوة أكبر من قوة الجيش.
ويقول هاشم إنه في ظل ارتهان القرار العراقي للخارج والفساد المنتشر في النخبة السياسية، فإن "تغيير بنية النظام السياسي" أصبحت مطلبا جماهيريا.