يعيش الشارع السوداني أزمات خانقة في النقل والكهرباء والخدمات اليومية، مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، وتمتلئ وسائط التواصل الاجتماعي برسائل سلبية وأخرى مشككة في الوزراء الذين تم اختيارهم لقيادة المرحلة الانتقالية، في مشهد يعيد للذاكرة الممارسات غير الأخلاقية التي كان يقوم بها الإخوان قبل انقلاب عمر البشير عام 1989.

واستطلعت "سكاي نيوز عربية" آراء عدد من الخبراء والمراقبين، حول طبيعة هذه الميول التخريبية والجهة التي تقودها، والأسباب التي أدت لتوفير مساحة التحرك الواسعة التي يتمتع بها من يقودون "الثورة المضادة".

وأجمع المستطلعون على أن سياسة التمكين التي انتهجها نظام الإخوان المخلوع وفرت الإمكانيات المادية واللوجستية والوظيفية، التي ساعدت العناصر الإخوانية على التحكم في أسواق السلع ومنافذ الخدمات ووسائل النقل، مما سبب الصعوبات اليومية التي يواجهها المواطن السوداني في هذه الأيام.

بداية مبكرة

يذكر الناشط السياسي والمحلل الصحفي محمد عبد الرحيم أن ملامح الثورة المضادة بدأت تتشكل عقب عزل نظام الرئيس السابق مباشرة، ومنذ البيان الأول الذي لم يتضمن إشارات واضحة لمرحلة ما بعد الثورة.

ورعى بعض عناصر النظام السابق في المؤسسة العسكرية، الكثير من الخطوات التي دعمت خط الثورة المضادة، وتجلى الأمر أكثر من خلال استمالة بعض عناصر الإدارة الأهلية الذين فقدوا الكثير من المميزات التي كانوا يتمتعون بها في ظل حكم الإخوان، لكن هذه المحاولة انتهت مبكرا بفضل وعي الشارع ومقاومته لها.

أما المرحلة الثانية التي نعيشها حاليا، فهي مرحلة بث الشائعات والأكاذيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مرحلة تحتاج لعمل كبير من قوى الثورة، يتضمن حملات توعية مكثفة لدحض تلك الإشاعات.

ويحدد عبدالرحيم الملمح الاقتصادي للثورة المضادة في السيطرة شبه المطلقة لعناصر الإخوان على معظم مفاصل الدولة والمؤسسات والشركات التجارية والاقتصادية.

أخبار ذات صلة

إنفوغرافيك.. "كنداكات السودان" في المستطيل الأخضر
من قلب السودان.. زخم استثنائي لجولة حمدوك الخارجية

بعبع العدالة

وفقا لمستور أحمد مستور، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، فإن الثورة المضادة يقودها عناصر من النظام البائد بسبب شعورهم بأن مصالحهم باتت مهددة، لذلك فهم يسعون بكل السبل لإفشال الحكومة الانتقالية وتغويض الثورة وجرفها عن مسارها.

ويشير مستور إلى أن عناصر النظام البائد يستخدمون عددا من الأدوات، مثل التخريب الاقتصادي وزعزعة الأمن والاستقرار وتعطيل الخدمات، مستغلين وجودهم في كل مفاصل الدولة.

ويقول مستور إن عدم التعامل الحاسم مع عناصر النظام البائد، جعلهم يفيقوا من حالة التخبط التي انتابتهم خلال الأيام الأولى التي أعقبت نجاح الثورة، حيث بدأوا استعادة قواهم وميليشياتهم الأمنية.

ويلقي مستور بالمسؤولية على عاتق الحكومة، حيث كان من واجبها الإسراع في إصلاح مؤسسات الدولة واعادة هيكلتها، وتقديم كل المتورطين للعدالة.

وحول التأخير الذي حدث في مسالة تعيين رئيس القضاء والنائب العام، أشار مستور إلى "أياد خفية عملت على تعطيل تلك التعيينات لإدراكهم بأن يد العدالة ستطالهم، كما أن قوى الحرية والتغيير تساهلت في الأمر، وكان يجب أن يتم تعيينهما قبل توقيع الوثيقة، أو على الاقل تعيينهما مؤقتا حتى يتم تكوين مجلسي القضاء الأعلى والنيابة".

وشدد مستور على أن كافة الاتحادات والنقابات والتنظيمات التابعة للنظام، تشكل أكبر التحديات أمام التغيير، وبالتالي "هناك ضرورة ملحة لحلها وإعادة إصلاح بعضها حتى تستطيع الحكومة تنفيذ برامج الانتقال".

ويؤكد مستور على أن قوى الحرية والتغيير هي السند السياسي للحكومة، وتقع على عاتقها مهمة إنجاح الفترة الانتقالية، وذلك بالدعم المباشر للحكومة وحمايتها ومراقبتها، وهذه المهمة هي مهمة كل الشعب السوداني الذي أظهر استعدادا كاملا لحماية ثورته من الانحراف حتى تحقق أهدافها.

مستفيدون كثر

يرى المحلل السياسي محمد عبد العزيز، أن المستفيد الأول من إفشال الثورة هم الإخوان، الذين يريدون استعادة ما فقدوا بعد سقوط البشير.

ويشير عبد العزيز إلى أن عدم اعتقال أو مساءلة الكثير من العناصر الإخوانية ورؤساء الاتحادات والتنظيمات التابعة للمؤتمر الوطني، ساهم كثيرا في تأجيج الثورة المضادة.

وخلال الأيام الأولى التي أعقبت نجاح الثورة، صدر قرار بحل تلك النقابات، إلا أن التوتر بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في مرحلة ما قبل الاتفاق، أطال أمدها.

وعبر عبد العزيز عن اعتقاده بأن تماسك قوى الحرية والتغيير وقدرتها على مواجهة بقايا نظام البشير، فضلا عن قدرة الحكومة على الاستجابة للتحديات الاقتصادية والأمنية العاجلة، سيفوت الفرصة على بقايا النظام لمحاولة هز ثقة الرأي العام في الوضع القائم.

ويشير عبد العزيز إلى أن وصول رئيس قضاء ونائب عام نزيهين مؤهلين يعني إعادة الثقة في النظام القضائي والعدلي، وهو ما يسمح بدوران عجلة القضاء ومحاسبة النظام السابق على كل الجرائم والانتهاكات.

أزمات مفتعلة

ويلخص الناشط الحقوقي معتز الجعلي ملامح الثورة المضادة في الأزمات المفتعلة التي يشهدها الشارع السوداني، في الخدمات والنقل وبعض الاحتياجات الغذائية الأخرى، إضافة إلى السيل الجارف من الشائعات التي تهدف لإضعاف الثورة وتقودها المجموعات التي أطاحتها الثورة.

ويحدد الجعلي تلك المجموعات في كافة المؤسسات التجارية المملوكة للنظام السابق وأصحاب المصالح المستفيدين من الفساد في الفترة السابقة، والتنظيمات والاتحادات التابعة لحزب المؤتمر الوطني، التي تسعى بكل قوة لإجهاض المستقبل، أو على أقل تقدير الحفاظ على السلوكيات المدمرة التي ظهرت ونمت في فترة العهد البائد، التي وإن كانت مدمرة للسودان كدولة، فهي الأنسب لعيشهم واستمرارهم.

ويطالب الجعلي بمساءلة العناصر الإخوانية ورؤساء الاتحادات والتنظيمات من المفسدين ومرتكبي الجرائم الذين يغذون الثورة المضادة ويدعمونها بمواردهم المالية، التي هي في الأصل ملكا للشعب.

ويشير إلى أن التأخر في استلام وفك سيطرة المؤتمر الوطني على الأجسام الاتحادية، والتنظيمات الوطنية، له نصيب كبير في تأجيج الثورة المضادة.

ويتطرق الجعلي إلى نقطة محورية هي الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في عملية البناء والتصحيح والتطوير خلال الفترة الانتقالية، إلا أن استمرار هيمنة النظام السابق على هذه الأجسام حتى هذه اللحظة يشكل مصدر قوة للثورة المضادة، وفقدان لأحد أهم أدوات البناء للحكومة الانتقالية، عليه فإن استقلالية هذه الأجسام ضرورة ومطلب ثوري سيكون له أثر إيجابي بالغ في عملية البناء.

ويطالب الجعلي قوى الحرية والتغيير بالتوصل إلى صيغة تنظيمية سليمة تمكنهم من إدارة التباينات والاختلافات حتى يتمكنوا من العمل سويا في تحقيق أهداف الثورة والتصدي للثورة المضادة، ورفد الحكومة الانتقالية بمقترحات عملية تساهم في تحقيق أهداف الفترة الانتقالية وبالتالي هزيمة الثورة المضادة وأعوانها.

التاريخ يعيد نفسه

ويربط المحامي والناشط الحقوفي عادل الطاهر بين ما حدث قبل انقلاب الحركة الإسلامية على الديمقراطية في 1989 وما يحدث حاليا، عندما ارتكبت عناصر الحركة أفعالا مشينة ولا أخلاقية تمثلت في الحرب الاقتصادية وحملة الشائعات الني شنتها ضد الشعب السوداني ومؤسسات الدولة آنذاك، مما أدى إلى خلق أزمات مفتعلة في الخبز والوقود والخدمات الأساسية.

وها هي تجرب ذات السلاح اليوم بعد أن قال الشعب كلمته وأطاحهم، إثر الدمار الكبير الذي ألحقوه بالوطن، حسب الطاهر، الذي يؤكد أن "التلكؤ الواضح في اعتقال الكثير من رموز النظام المعزول ساهم بشكل كبير في تأجيج الثورة المضادة".

ويرى الناشط أن النقابات والاتحادات "عماد الثورة المضادة في هذا الوقت الحرج من الثورة، لذلك لا بد لمجلس الوزراء من العمل فورا على مراجعتها وحلها بالتعاون مع نقابات الظل الشرعية".

ويحمل الطاهر اللجنة القانونية في قوى الحرية والتغيير الوزر الأكبر في التأخير الذب حدث في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، وبالتالي تعطيل العدالة الانتقالية، إذ ان صياغة الوثيقة الدستورية لم تكن محكمة بقدر أهميتها.