مع بدء الضربات الجوية الروسية في سوريا في 30 سبتمبر عام 2015، أعلنت روسيا للعالم عودتها من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط، بعد ربع قرن على انهيار الاتحاد السوفييتي، لتتوسع بأقدام جنودها خلال 4 سنوات وتصبح اللاعب الأول في الملعب السوري.

ومشاركة روسيا في الحرب السورية كانت بناء على طلب من الرئيس بشار الأسد الذي من أجل كبح القوات المعارضة له، لتنقلب دفة الصراع لصالحه بعد دخول القوات الجوية الروسية بحملة مكثفة أتبعتها موسكو بإنشاء عدد من القواعد العسكرية على الأرض.

ويدخل الوجود الروسي في سوريا عامه الخامس، وقد ساهم في استعادة 95 بالمئة من الأراضي السورية التي سيطرت عليها قوات المعارضة وتنظيمات مسلحة، بحسب تقارير روسية وسورية.

لكن على الأرض، ربما لا تزيد  النسبة عن 60 بالمئة، مع الوضع في الاعتبار المناطق التي لا تزال تحت سيطرة قوات كردية في الشمال ومحافظة إدلب التي تسيطر الجماعات المعارضة على جانب كبير منها وبعض المناطق الحدودية.

وكان لروسيا نصيب أيضا في الدم السوري، فوفق تقارير غير رسمية، فقد قتلت القوات الروسية بشكل مباشر ما يزيد عن 6 آلاف مدني في سوريا، بالإضافة إلى نتائج العمليات العسكرية التي قتل فيها ما لا يقل عن 85 ألف مسلحا.

ولا يمكن التثبت بشكل مستقل من هذه الأرقام، بسبب تعقيد الأوضاع الميدانية على الأرض.

تغير موازين القوى

وفي كل الأحوال، فقد تحولت موازين القوى لصالح نظام الرئيس بشار الأسد الذي اعتمد على الروس وميليشيات موالية في تغيير مسار الحرب كليا.

وبعيدا عن التأثير الروسي على الأوضاع في سوريا، فقد حققت موسكو العديد من الأهداف الاستراتيجية من خلال تدخلها العسكري، بحسب الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط ألكسندر فافيلوف.

ويقول فافيلوف لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "على عكس الأميركيين، فقد أخذ الرئيس فلاديمير بوتن زمام المبادرة عبر الأفعال وليس الخطابات، وحصل على تفويض بالتدخل العسكري".

ويوضح فافيلوف إنه إلى جانب مساعدة الحليف الأسد ومحاربة الإرهاب، فإن الهدف الأكبر لروسيا جاء في خطاب بوتن إلى البرلمان لطلب الحصول على تفويض عسكري عندما قال إن "هذه الخطوة قبل كل شيء في سبيل مصالحنا الأمنية في حدودنا الجنوبية".

أخبار ذات صلة

1000 طائرة و3700 دبابة للجيش الروسي في 6 سنوات
ماذا أراد بوتن فعلا من التدخل في سوريا؟

وبات لروسيا الآن عدد من القواعد العسكرية المهمة في الشرق الأوسط، بعدما كان تواجدها يقتصر على قاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري.

ووقعت موسكو ودمشق في الآونة الأخيرة اتفاقية لتوسيع قاعدة حميميم الجوية التي شكلت مركز العمليات العسكرية في هذا البلد بعد اتفاقية مماثلة عام 2017 تقضي باستغلال ميناء طرطوس لمدة 49 سنة.

عودة إلى المسرح العالمي

ويعتبر فافيلوف أن روسيا "عادت إلى المسرح الاستراتيجي العالمي عبر سوريا، وهو أمر واقع حظى باعتراف الجميع، فالتحركات الروسية في سوريا عززت من صعود روسيا دوليا ودعم مكانتها".

ولم يكن لأحد أن يتخيل في يوم ما أن تسعى واشنطن إلى التواصل مع روسيا من أجل التنسيق في سوريا، كما حدث في اتفاق "سلامة التحليق" عام 2015، وهو ما يشير إلى سيطرة روسية كبيرة على الأجواء السورية.

وفي موازاة سيطرتها العسكرية، أطلقت روسيا عدد من المبادرات السياسية كعملية أستانة التي نتج عنها اتفاقات خفض التصعيد في بعض مناطق القتال، وهو ما مكن روسيا من ضبط إيقاع الصراع وفق رؤيتها بعيدا عن الولايات المتحدة.

وتقف روسيا حاليا وراء اتفاق تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد لسوريا.

تجريب الأسلحة

ومثلت الساحة السورية مختبرا عمليا لتجريب الأسلحة الروسية الحديثة وتطوير عدد كبير منها.

فقد نقلت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية عن وزير الدفاع سيرغي شويغو، قوله إنه "اعتمادا على نتائج العملية العسكرية في سوريا، تم تحديث نحو 300 نموذج من الأسلحة، وهناك 12 نموذجا كانت تعتبر واعدة لكن ثبت فشلها، فأوقفنا إنتاجها".

واستخدمت روسيا كافة أنواع الأسلحة تقريبا، بدءا من صواريخ كاليبر التي أطلقتها من غواصاتها في بحر قزوين ومرورا بالطرازات الأحدث من مقاتلات ميغ وسوخوي والطائرات المسيرة وانتهاء بالآليات الجديدة ودبابات تي 90 الخفيفة، وذلك إلى جانب نشر أكثر من 65 ألف جندي في سوريا على مدار السنوات الأربع الماضية.

ويقول فافيلوف إن تجربة الأسلحة الروسية الحديثة فتح أسواقا كبيرة لهذه الأسلحة عالميا وهو ما أسهم في إضافة مليارات الدولارات إلى الخزينة الروسية.

وأعلن الكرملين في يونيو 2019 أن إيرادات صادرات الإنتاج العسكري التقني واصلت التحسن خلال الأربع سنوات الماضية، ولامست 16 مليار دولار.

إعادة الإعمار

وامتدادا للمكاسب الاقتصادية فإن الكعكة الأكبر تتمثل في عملية إعادة الإعمار، والتي تعتبر "فرصة كبيرة للشركات الروسية"، بحسب فافيلوف.

ومن يملك السيطرة على إيقاع الصراع على الأرض يفرض نفسه بقوة على طاولة إعادة الإعمار.

ووفق هذه الحقيقة، فإن السلطات في سوريا ستتيح عقودا ضخمة للشركات الروسية لمباشرة عمليات إعادة بناء ما دمرته الحرب، لكن الأمر يتطلب أيضا تدفقا ماليا دوليا لن يقل عن 500 مليار دولار وفق أكثر التقديرات تفاؤلا.

وعلى الرغم من التحدي الذي يمثله صعوبة جمع هذا الرقم، فإن المبلغ في حد ذاته كفيل لتخيل مدى المكاسب التي يمكن للشركات الروسية أن تجنيها جراء الانخراط في عمليات إعادة الإعمار.