من التقاليد الديمقراطية الغربية نبتت الفكرة، ومن تشيلي على وجه التحديد، كان النموذج الملهم للقائمين على أول مناظرة رئاسية في تونس التي تتشبث بديمقراطية ناشئة نجحت في تخطي صعاب كثيرة حتى وصلت إلى محطة اختيار رئيس جديد في الخامس عشر من سبتمبر الجاري، ليخلف الراحل الباجي قائد السبسي.

فعلى مدار ثلاثة أيام تابع ملايين التونسيين مرشحو الرئاسة التونسية وهم يقدمون رؤيتهم في الملفات التي تهم الناخبين، أملا في حصد أكبر عدد من الأصوات في "الطريق إلى قرطاج".

وتبارى في المناظرات 24 مرشحا من أصل 26 (بسبب تواجد أحدهم في السجن هو نبيل القروي) بينما يواجه آخر تهما تمنعه من العودة للبلاد (سليم الرياحي).

ولأول مرة في تونس، يجتذب حدثا تليفزيونيا عدد مشاهدين أكبر من مشاهدي مباريات كرة القدم، بحسب هشام السنونسي عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

ويقول السنوسي لموقع سكاي نيوز عربية إن "رأينا في المقاهي مشهدا لم نشاهده في كرة القدم، والهدف هو توعية الناس بالعملية الانتخابية وأيضا فرصة للمرشحين لتقديم أنفسهم للشعب بعيدا عن الإثارة".

وبحسب السنوسي، تشير تقديرات الهيئة إلى أن كل مناظرة اجتذبت 3.5 مليون تونسي، "وهو رقم ضخم بالنسبة إلى عدد الناخبين المسجلين وأيضا بالنسبة إلى عدد السكان".

وبحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يبلغ العدد النهائي للناخبين المسجلين7 ملايين و155 ألفا، من أصل 11.5 مليون تونسي.

وتشرف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) والهيئة العليا المستقلة للانتخابات على المناظرات بشكل مباشر، وهما الجهتان المخولتان بتسيير المناظرات وفق قرار قانوني مشترك.

ويعتبر السنوسي أن المناظرات حققت نجاحا كبيرا على مستوى التنظيم والإمكانيات الكبيرة، معتمدة على عوامل عدة، من بينها اللجوء إلى القرعة قبل كل مناظرة لتحديد أولوية المترشحين في الحديث وأيضا في مكان الجلوس، بالإضافة إلى إشراك الإعلام الخاص في عملية التنظيم.

وتعد "مبادرة مناظرة" هي الشريك غير الحكومي في تنظيم المناظرات الرئاسية، والتي اضطلعت وضعت على عاتقها بناء المشروع الأول من نوعه في تونس.

أخبار ذات صلة

القصرين التونسية.. أوضاع قاسية وآمال معلقة على الانتخابات
قبيل مناظرات تونس.. دعوة للمرشحين إلى تجنب "التشنج"

من تجربة تشيلي

ويقول مؤسس مبادرة مناظرة، بلعباس بن كريدة وهو جزائري يحمل الجنسية الألمانية لموقع سكاي نيوز عربية، إن تونس شهدت بداية ثقافة جديدة، مشيرا إلى أنه استقى الفكرة من الدول الغربية، لكنه بنى النموذج الخاص بهذه المناظرات على تجربة تشيلي في المناظرات الرئاسية وأيضا المكسيك وعدد من الدول.

وبحسب بن كريدة، قامت المبادرة بالتعاون مع هيئتي الانتخابات والاتصال السمعي البصري في دراسة المناظرات بطريقة معمقة "حتى وصلنا إلى النموذج الذي يلائم القاعدة القانونية للقرار المشترك الصادر عن الهيئتين بشأن تشكيل وتنظيم المناظرات".

ويضيف: "هذه هي التجربة الأولى، ونحن فخورون بها".

أزمة ثقة

ورغم الزخم الكبير والمتابعة الشعبية الواسعة للمناظرات، لكن لا يزال هناك تحفظا في نظرة الشارع إلى السياسيين.

ويقول نبيل. ك وهو سائق تاكسي إنه تابع جانبا من المناظرات، واعتبر أن كلام المرشحين لم يأت بجديد وأنه اعتاد على الوعود المختلفة.

ويضيف لموقع سكاي نيوز عربية: "هي شيء جديد وباهي (جيد) لكن أنا لا أثق في كلام السياسيين عموما".

وتعتبر هاجر الاندلسي (52 سنة) أن ظروف المناظرات تمت في هدوء، بينما كان أسلوب الحوار راقيا بين المترشحين، وهذا ما يجعل تونس تسير في طريق الديمقراطية مقارنة بدول أخرى.

وأضافت: "لكن لا يزال هناك انعدام في الثقة، لأن الخطابات السياسية كلها متشابهة وتتبنى الوعود التي قد تكون كاذبة".

وانتقدت وسائل إعلام محلية هدوء المناظرات كونها لم تظهر شخصية المترشحين بشكل كاف، بالإضافة إلى ضيق الوقت الممنوح لكل مترشح والذي لم يزد في مجمله عن 15 دقيقة.

وإذا ما أسفرت الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في 15 سبتمبر عن جولة ثانية، فإن شكل المناظرات ستيغير، بحسب السنوسي، الذي أكد أن التونسيون سيشاهدون مناظرة ساخنة تتيح مجالا واسعا للجدال بين المترشحين.

أخبار ذات صلة

انطلاق المناظرات التلفزيونية لمرشحي الرئاسة في تونس
صورة وكلمة ولافتة.. الدعاية تثير الجدل في رئاسيات تونس

من ربح ومن خسر؟

ويقول نجم الدين العكاري، رئيس تحرير صحيفة الأنوار، لموقع سكاي نيوز عربية، إنه رغم الهدوء والوقت القصير للمترشحين، فإن أداء المرشحين أعطى المشاهدين فكرة ما قد توجه قرارهم أمام صناديق الاقتراع.

واعتبر أن المناظرات أظهرت أداء متفاوتا للمرشحين، من حيث القدرة على التواصل وعرض أفكارهم، وهو ما أدى إلى تغير كبير في الانطباعات عن بعض هؤلاء.

وبحسب العكاري، فإن مرشحا مثل لطفي المرايحي الذي قدم صورة جيدة له خلال الفترة الماضية، لم ينجح في إيصال أفكاره بشكل جيد خلال المناظرة، وهو نفس الحال بالنسبة إلى سلمى اللومي التي كانت تشغل وزيرة للسياحة ثم مديرة لمكتب الرئيس الراحل الباجي السبسي، حيث جاء حديثها ضعيفا.

وفي المقابل، عززت عبير موسى من صورتها كمرشحة قوية عبر أداء جيد في المناظرة أظهر قدرتها الكبيرة على التواصل.

كما أشاد كثيرون بأداء مهدي جمعة في المناظرة بسبب "البرنامج الواقعي الذي طرحه وقد نال استحسانا وسط الشرائح المتوسطة التي تعد خزانا انتاخبيا مهما".

واعتبر العكاري الظهور المتربك للمرشح حمة الهمامي مفاجأة، قائلا إن المرشح أثبت أن اليسار ليس لديه قدرة على تقديم اقتراحات أو برامج و"أن هذا التيار لا يجيد سوى الانتقاد والمعارضة فقط".

وأوضح العكاري أن "بعض المترشحين تجاوزا صلاحيات رئيس الجمهورية وتناولوا ملفات لها علاقة بالبطالة والتربية والتعليم والتشغيل، أو تطرقوا لملفات هي من صميم عمل الحكومة أو البلديات".

واعتبر أن التطرق لهذه الملفات يأتي من قبيل "إثارة الناخبين المهمشين ومحدودي الدخل".