مع إحكام القوات الحكومية السورية سيطرتها شبه الكاملة أخيرا على مدينة خان شيخون الاستراتيجية في محافظة إدلب شمال شرقي البلاد، بدت "شهية" دمشق مدعومة بموسكو، مفتوحة للزحف على المزيد من الأراضي التي تسيطر عليها فصائل معارضة ومتشددة.
وأكد محللون سياسيون وخبراء عسكريون لموقع "سكاي نيوز عربية" أن معركة السيطرة على خان شيخون المستمرة منذ نحو 4 شهور، لن تتوقف إلا بإحكام السيطرة على طريقي دمشق-حلب واللاذقية-حلب الدوليين، وهي خطة سورية روسية مشتركة تقوم على قضم المزيد من الأراضي، لا سيما في مناطق خفض التصعيد التي تحتضن فصائل معارضة.
وتعد خان شيخون مدينة استراتيجية، إذ تقع على تلة مرتفعة تشرف على الطريق الدولي الرابط بين دمشق وحلب، ويعتبر طرد الفصائل المعارضة منها، وهي جبهة تحرير الشام التي يشكل أفراد جبهة النصرة سابقا قوامها الأساسي، وجيش العزة، والجبهة الوطني للتحرير، مكسبا مهما بالنسبة للقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وميليشيات حزب الله اللبناني.
معركة الطريق الدولي
وقال الخبير العسكري السوري أحمد رحال، إن "الزحف الروسي لن يتوقف، والطائرات الروسية بدأت تمهد الطريق باتجاه معرة النعمان، مما يعني أن النظام (السوري) يفكر في إحكام السيطرة على طريق دمشق-حلب الدولي"، مؤكدا أن المعركة في الأساس تتركز على السيطرة على هذا الطريق.
ورجح أن يكون انحسار المعارك في مدينة خان شيخون وإدلب عموما في الأيام الأخيرة مؤقتا، في ضوء ما رشح من اللقاء الذي جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتن قرب موسكو، الثلاثاء، حيث بحث الرجلان تداعيات المعارك في إدلب على مدار الأشهر الأربعة الماضية.
وتساءل رحال عن جدوى نقاط المراقبة التركية المنتشرة في شمال وشرقي سوريا "طالما أنها محاصرة"، مؤكدا أنها في الأساس نقاط "لمنع الخروقات" في منطقة خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها بين موسكو وأنقرة، "لكن الخروقات لم تتوقف"، حسب قوله، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "مهمة هذه النقاط لا تزال مبهمة".
التأرجح التركي
وانتقد الخبير العسكري السوري ما سماه "التأرجح التركي بين الروس والأميركيين"، مؤكدا أن "تركيا تقبل بالحدود الدنيا وأقل الشروط، لأنها غير مدعومة لا من الولايات المتحدة ولا روسيا"، قائلا إن ذلك "يضعف موقف أنقرة".
وبينما انطلقت القوات السورية الحكومية البرية في معركتها للسيطرة على خان شيخون من منطقة محردة في حماة، تكفل الطيران الروسي بتغطية الهجوم جويا من قاعدة حميميم العسكرية، والقوات الجوية السورية من مطار التيفور في حمص، بالإضافة إلى قوات روسية على الأرض تصاحبها ميليشيات من حزب الله اللبناني.
وقال الكاتب والباحث السياسي سامر خليوي، إن "قوات النمر"، التي يقودها الضابط في الجيش السوري سهيل الحسن، المدعومة من روسيا، هي من قادت عملية السيطرة على خان شيخون، مشيرا إلى أن روسيا تعتمد خلال المعركة اتباع سياسية "الأرض المحروقة" وكسب المزيد من المساحات في مناطق خفض التصعيد.
وأكد أن هدف روسيا منذ مايو الماضي كان السيطرة على المدن كافة في مناطق خفض التصعيد من أجل فتح طريقي دمشق-حلب واللاذقية-حلب، متوقعا عدم توقف المعركة حتى يصل الروس إلى مناطق جسر الشغور وسراقب ومعرة النعمان في ريف إدلب حيث تتمركز فصائل معارضة ومتشددة.
حسابات تركيا
وقال خليوي إن "تركيا فضلت عدم الزج بالفصائل السورية المدعمة من أنقرة في معركة خان شيخون تحضيرا لمعركة شرق الفرات التي هدد بإطلاقها الرئيس التركي" مؤخرا، من أجل إبعاد القوات الكردية عن الحدود الجنوبية من بلاده، وذلك على خلاف تصريحات الناطق باسم "الجيش الوطني" المدعوم من أنقرة وأشارت فيها إلى أن "جبهة النصرة" هي من رفضت مشاركتهم في المعارك.
وشارك "الجيش الوطني"، الذي يعد أفراد الجيش الحر سابقا قوامه الأساسي وتشير تقديرات إلى أن عدد أفراده 70 ألف شخص، في معارك حملت اسم "درع الفرات" في أغسطس 2016 و"غصن الزيتون" في يناير 2018، التي أطلقتها أنقرة تحت ذريعة محاربة "داعش، لكنها كانت في حقيقتها تهدف إلى طرد القوات الكردية من مناطق حدودها الجنوبية.
وعلى ما يبدو، فإن معركة خان شيخون كانت مجرد بداية للقضاء على ما تبقى من فصائل معارضة موجودة في بعض مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها في مايو 2017، إلا أنها لم تشهد خفضا حقيقيا للمعارك طيلة هذه الفترة، ويتوقع مراقبون أن تبقى مضطربة ومفتوحة على جميع الاحتمالات.