من فصول مدرسة خالد بن الوليد للبنين بضاحية الحاج يوسف، شرقي الخرطوم، إلى قاعة الصداقة موقعا على وثائق الفترة الانتقالية نيابة عن قوى إعلان الحرية والتغيير، مشوار محفوف بالمخاطر والنضالات والاعتقالات قطعه أحمد ربيع سيد أحمد، مدرس الفيزياء والرياضيات السوداني.
تقديم ربيع، خريج كلية التربية بجامعة الجزيرة الحاصل على ماجستير علوم الرياضيات، بدا مفاجئا للكثيرين، حيث إن كثيرا من الترشيحات ذهبت باتجاه تقديم أحد كبار الساسة من قوى الحرية والتغيير للتوقيع، غير أن إسماعيل التاج المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين قال إن اختيار المعلم جاء بعد إجماع تنسيقية قوى الحرية والتغيير، عرفانا بالدور النقابي النضالي في مواجهة دكتاتورية النظام السابق.
وكان ربيع تعرض للاعتقال مرات عدة، آخرها في يناير الماضي، حيث قبع في الحبس حتى لحظة سقوط الرئيس السابق البشير في 11 أبريل.
وقال التاج في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الاختيار رسالة تشير إلى أن التعليم قضية أولوية بالنسبة للحكومة الانتقالية المقبلة، وأن المعلم يجب أن يكون رأس الرمح في التغيير.
وأوضح التاج أن الربيع هو "أحد قادة تجمع المعلمين المنضوي تحت لواء تجمع المهنيين السودانيين، الذي تكون في عام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت السودان في سبتمبر من ذلك العام، وسقط فيها أكثر من 200 شهيد، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية".
وكان الظهور العلني الأول لتجمع المهنيين في الدعوة لموكب 25 ديسمبر للقصر الجمهوري، لتسليم رئاسة الجمهورية مذكرة تطالب بالتنحي الفوري عن السلطة.
مبارك علي الأستاذ بمدارس أم درمان ينظر إلى توقيع زميله ربيع من زاوية أخرى، فهو يرى في ذلك ردا على ما قامت به سلطات جهاز أمن البشير من اغتيال للأستاذ أحمد الخير، بولاية كسلا شرقي السوداني، وهو قيد الاعتقال.
وقال علي لموقع "سكاي نيوز عربية": "إضافة إلى ذلك، اختيار معلم للتوقيع على وثائق الفترة الانتقالية نفض لغبار البؤس الذي لازم المعلمين لثلاثة عقود، حتى أضحوا في أدنى مراتب المجتمع".
عند توقيع ربيع على الوثيقة الدستورية بالأحرف الأولى في السابع عشر من أغسطس، كتبت البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه، الأستاذة بجامعة الخرطوم، أن توقيع المعلم جعل عينيها تمتلئان بالدمع، وأنها في تلك اللحظات تذكرت "المعلم عبد الرحمن علي طه، وبخت الرضا، وكل معلمي بلادي والتعليم في عهده الزاهر".
في سنوات سابقة احتل المعلم في السودان المرتبة الأولى في المجتمع، حيث شكل الأساتذة منارات للوعي والعلم والمعرفة وخرجت أغنيات البنات صادحة تقول: "يا ماشي لباريس جيب لي معاك عريس.. شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس".
إلا أن الخبراء يرون أن التعليم تعرض لتدمير ممنهج على يد النظام، فتدنت البيئة المدرسية وبهتت المناهج وأضحى المعلم يعاني الأمرين في سبيل كفاف عيشه، وهي مشكلات يقول التاج إن "الثورة أتت لحلها جذريا".
ويضيف: "اختيار ربيع للتوقيع على الوثائق الانتقالية رسالة من رسائل الثورة السودانية للداخل والخارج، ورد اعتبار لقيمة المعلم التربوية والتعليمية والاجتماعية، حيث يجب أن يعود المعلم قائدا كما كان على رأس المجتمع".
الجدير بالذكر أن ربيع يعمل ليلا سائقا لسيارة نقل، لمجابهة تكاليف المعيشة المرهقة.