تواصل أنقرة، مساعيها إلى إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، فيما تبدي واشنطن معارضة لهذه الخطوة العسكرية التي تستهدف حلفاءها الأكراد في المنطقة.
وتحشد تركيا آلاف الجنود، على الحدود مع سوريا، استعدادا لشن عملية عسكرية محتملة ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة.
وتريد تركيا أن تقيم منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا في الشمال السوري، لأجل إبعاد المقاتلين الأكراد عن خاصرتها الجنوبية، لكن الولايات المتحدة ترفض هذا الأمر، وتصر على عدم تجاوز عمق خمسة كيلومترات.
وبحسب صحيفة "ديلي صباح" التركية، فإن عددا من المسؤولين الأتراك التقوا نظراءهم الأميركيين، صباح الاثنين، لأجل بحث المنطقة الآمنة التي تعتبرها تركيا ضمانة لأمنها القومي.
وتنظر تركيا وحدات إلى حماية الشعب الكردية بمثابة امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تدرجه أنقرة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وتحمله المسؤولية عن مقتل عشرات الآلاف.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، إن أنقرة ستضطر إلى إقامة المنطقة الآمنة حتى وإن لم توافق أنقرة، لأن للصبر حدودا، بحسب قوله.
واشنطن وحلفاؤها الأكراد
ويرى الكاتب والباحث السوري، غسان إبراهيم، أن واشنطن لن تسمح لتركيا بأن تقيم المنطقة الآمنة، على النحو الذي تريد، لأن الولايات المتحدة تدرك جيدا قيمة الحلفاء الأكراد الذي ساعدوا كثيرا في الحرب ضد تنظيم داعش، فيما كانت أنقرة تغض الطرف عنهم أو أنها كانت تعمل على تسهيل مرورهم إلى سوريا.
وأضاف إبراهيم في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن الولايات المتحدة ليست معنية بالمنطقة الآمنة، لأنها "شكل من أشكال الاحتلال" في الشمال السوري، "تركيا تريد أن تسيطر على المنطقة حتى تفرض ما تريد، وذاك تحديدا ما قامت به في عفرين، إذ سارعت إلى التتريك، وجعلت عددا من المدارس والخدمات تعتمد اللغة التركية".
ويؤكد الباحث أن هذه المطامع هي التي تحرك تركيا؛ أي فرض سيطرتها على هذه المناطق الاستراتيجية والغنية بالموارد، في أفق ضمها، في وقت لاحق، "أما تحقيق الاستقرار ومساعدة السوريين فمجرد شعارات يجري رفعها للاستهلاك فقط.
وأوضح أن تركيا لجأت إلى التدرج في مطامعها، ففي مباحثات أستانة السابقة، حرصت على ضمان موطئ قدم في الشطر الشمالي الغربي من سوريا، أما اليوم فتحوم مجددا حول الشطر الشمالي الشرقي من خلال محاولة إقناع واشنطن بضرورة إقامة المنطقة الأمنية.
وحين سئل حول إمكانية حدوث تغير في الموقف الأميركي، قال إبراهيم إن الولايات المتحدة لم تمنح تركيا إذنا لإقامة المنطقة الآمنة، لأن أنقرة ابتعدت كثيرا عن تحالفها مع الغرب، وباتت تتودد إلى روسيا وإيران، وهذا الأمر بدا جليا في الآونة الأخيرة بعدما شرعت تركيا في استلام الأجزاء الأولى من منظومة الدفاع الصاروخية "إس 400" رغم تحذيرات البنتاغون.
وإذا كانت واشنطن قد اكتفت حتى الآن بحرمان تركيا من مقاتلات "إف 35"، دون أن تلجأ إلى قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة "كاتسا"، فلأن الولايات المتحدة تنظر إلى مرحلة ما بعد الرئيس رجب طيب أردوغان، وفق إبراهيم.
المنطقة الآمنة.. المهمة الصعبة
وفيما تلوح أنقرة بإمكانية إقامة المنطقة رغم المعارضة الأميركية، يرى إبراهيم أن تركيا لن تتجرأ على مواجهة الجانب الأميركي في سوريا، لكنها قد تبحث عن نقاط محدودة لا يوجد فيها الأميركيون، حتى تتقدم وتسوق الأمر كإنجاز مهم.
وأورد إبراهيم أن أردوغان الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية، وسط بوادر انقسام في حزبه، يحتاج إلى هذه الخطوة حتى يحقق بعض الشعبية، لاسيما أنه نجح في استمالة القوميين بعد معارك عفرين.
في غضون ذلك، يرى إبراهيم أن أنقرة ستواصل المناورة على أكثر من صعيد، وذلك من خلال محاولة المساومة على إدلب، أي من خلال تسليم أجزاء مهمة من إدلب للجيش السوري مقابل الحظوة بالمنطقة الآمنة في الشمال السوري، لكن الأمر المرجح بقوة هو أن أنقرة لن تستطيع فرض منطقة آمنة بشكل واسع ما لم تتلق الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.