يعيش حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يقود ائتلافا حكوميا في البلاد، على وقع خلافات داخلية "عميقة"، خلال الآونة الأخيرة، بسبب مشروع قانون يهم تدريس المواد العلمية ويثير انقساما بين أنصار العربية ودعاة الفرنسية.

وفي وقت سابق من يوليو الجاري، وافقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب المغربي، على مشروع قانون تقضي مادته الثانية بتدريس المواد العلمية بلغة أجنبية هي الفرنسية على الأرجح، فيما يدافع خطاب حزب العدالة والتنمية (المحافظ) على اللغة العربية.

وتقوم المادة الثانية من المشروع  على اعتماد "مبدأ التناوب اللغوي"، لأجل تنويع لغات التدريس، إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة، (العربية والأمازيغية)، وذلك من خلال تدريس بعض المواد العلمية والتقنية بلغة أو لغات أجنبية.

وظل هذا التشريع معطلا لعدة أشهر داخل أروقة البرلمان، بسبب عدم التوافق حول بنوده، لكن نواب الحزب المحسوب على الإسلام السياسي، امتنعوا على التصويت، ولم يعارضه بشكل صريح، سوى عضوين اثنين من "حزب المصباح".

وأثار هذا النص الذي يعرف في المغرب بـ"القانون الإطار"، جدلا وانقساما واسعين، إذ ثمة من يرى أن تدريس العلوم باللغة الأجنبية (الفرنسية) سيكون مفيدا، لأن الطالب يعاني وضعا صعبا في الوقت الحالي، فهو يدرس المواد العلمية باللغة العربية إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا، وحين يقصد الجامعة، يجد نفسه مطالبا بأن يدرس باللغة الفرنسية، وهذا الأمر يسبب تعثرا في مسارات الكثيرين.

وتبعا لذلك، فإن توحيد لغة تدريس المواد العلمية، في كافة مراحل التعليم، أي من الابتدائي إلى الجامعة، سيحد من الحيرة التي تصيب الطالب، حسب قولهم.

وبما أن المغرب تجمعه علاقات تاريخية وثقافية مهمة، فإن الفرنسية هي الأنسب وفق المدافعين عن "لغة موليير"، لأن الرعيل الأول من الكوادر المغربية، تلقى تعليما في النظام الفرنسي، واستطاع أن يحقق مستوى جيدا.

لكن معارضي القانون، يقول إنه من البعث بهوية البلاد أن يجري تدريس المواد العلمية بلغة غير وطنية، لأن اللغتين الرسميتين في البلاد هما العربية والأمازيغية، ويضيف هؤلاء أنه ما من دولة استطاعت أن تنهض بتعليمها إلا من خلال لغتها الأم.

أخبار ذات صلة

المغرب.. طموح متزايد لتعزيز الحضور في أفريقيا

ويرى رافضو القانون، أنه في حال كان إقرار لغة أجنبية لتدريس العلوم، فإنه من الحري بالتشريع أن يعتمد الإنجليزية، لأنه أكثر انتشارا في العالم، وهذا الرأي يلاقي الرفض بدوره، لأنه يتطلب "مرحلة انتقالية" طويلة في قطاع التعليم، لأن التدريس بالفرنسية جار منذ عقود من الزمن.

وسارع رئيس الحكومة السابق عن حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، إلى إبداء غضبه من الموافقة على القانون في الأغلبية، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وانتقد عدم تصدي نواب حزب المصباح لما بات يعرف بـ"فرنسة المواد العلمية".

وقال بنكيران، في بث مباشر على موقع "فيسبوك"، إنه فكر في مغادرة الحزب بسبب الموافقة على مشروع القانون، وأضاف أن العدالة والتنمية بات في وضع سيء جدا.

وأضاف بنكيران، الذي تولى رئاسة أول حكومة في ضوء الدستور الجديد المغرب، أن إقرار هذا التشريع من الأخطاء الجسيمة، وصرح في وقت سابق بأن سقوط الحكومة أهون من "فرنسة التعليم".

وفي رد غير مباشر على بنكيران، قال رئيس الحكومة المغربية، وهو الأمين العام الحالي للحزب، سعد الدين العثماني، (قال) إن العدالة والتنمية حزب مؤسسات وليس أشخاص، ونفى أن يكون "المصباح" قد تراجع عن مبادئه.

إدريسي: حزب العدالة والتنمية هو الخاسر

ويرى المحلل السياسي المغربي، مهدي الإدريسي، أن موقف بنكيران الأخير سيؤثر على الحزب، لكنه لن ينجح في عرقلة القانون الذي سيجري التصويت عليه، يوم الاثنين، داخل مجلس النواب.

وأضاف الباحث، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن بنكيران يصدر موقفه، بناءً على "هواجس انتقامية"، لأنه فشل في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية لـ2016، ثم جرى تعيين سعد الدين العثماني، الذي يقود الحكومة منذ ذلك الحين.

وأضاف الإدريسي، أن بنكيران لا يريد أن يتقاعد سياسيا، فمنذ خروجه من الحكومة، على نحو وُصف بالمفاجئ، ظل حريصا على تعقب الأحداث لأجل التعليق عليها، علما أنه لم يعد على رأس الحزب الذي رفض منحه ولاية ثالثة.

ويشير إلى أن حزب العدالة والتنمية يحرص على إثارة هذا النقاش بشأن الهوية واللغة العربية، لأنه يدرك حساسية الأمر ووقعه بين الأعضاء والناخبين، رغم أن الهوية في لحظتنا الحالية لم تعد "أحادية" كما كانت عليه من ذي قبل، بل أضحت على قدر كبير من التعقيد والتداخل.

وحين سئل مهدي حول تبعات هذه "الأزمة"، رجح أن يكون حزب العدالة والتنمية هو الطرف المتأثر، لأنه سيظهر أمام ناخبيه مثل الأحزاب الأخرى التي كان ينتقدها باستمرار ويصور نفسه بمثابة بديل يملك برنامجه الواضح ويتمسك بمبادئه.

وقال مهدي إن هذا الوهن الذي يصيب حزب العدالة والتنمية يجري بصورة سريعة، لأن ضعف التجارب السياسية السابقة في المغرب، كان يستغرق وقتا أطول.

 وضرب مهدي مثلا بحزب الاتحاد الاشتراكي (يسار) الذي دخل إلى الحكومة لأول مرة في سنة 1998، لكن انحداره وانفضاض الناخبين من حوله، استغرقا فترة لا بأس بها، بخلاف ما يجري في حالة "المصباح"، في يومنا هذا.