في مثل هذا اليوم، التاسع من يوليو، كان الجزائريون على موعد مع رئيس جديد تكون انتخابات نزيهة قد جاءت به قبلها بأيام، إلا أن الظروف فرضت واقعا آخر، بعد أن تم تأجيل انتخابات الرئاسة، ومد حكم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح.
ففي التاسع من أبريل الماضي، أعلن البرلمان الجزائري عبد القادر بن صالح رئيسا للبلاد لمدة 90 يوما، وفقا للمادة 102 من الدستور، وذلك بعد الإعلان الرسمي لشغور منصب رئيس الجمهورية، إثر استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
واستقال بوتفليقة بعد احتجاجات شعبية عارمة اجتاحت مختلف أنحاء الجزائر، أشعلها ترشحه لفترة رئاسية خامسة، بالرغم من تدهور حالته الصحية.
وفي مطلع يونيو الماضي، أصدر المجلس الدستوري الجزائري "فتوى" يسمح فيها لبن صالح بالبقاء في منصبه بعد التاسع من يوليو، لحين تنظيم انتخابات رئاسة.
ومع انتهاء مدة الـ90 يوما، لا يزال بن صالح في منصب الرئيس، ولا تزال الانتخابات المنتظرة، منتظرة، دون أي تقدم يذكر بشأن تشكيل الهيئة المستقلة التي تطالب بها مختلف الأطراف الجزائرية، لتنظم وتعلن نتائج الانتخابات.
وأثار قرار الإبقاء على بن صالح في منصب الرئيس المؤقت، ردود فعل متباينة، إذ يرى معارضون أن التمديد له يعد خرقا للدستور الجزائري، فيما يرى آخرون أنه ضرورة تحتمها الظروف.
وتعليقا على ذلك، شدد عضو هيئة التسيير بحزب جبهة التحرير الوطني، السعيد لخضاري، في حديث هاتفي مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أنها عبارة عن "إجراء دستوري تماما".
وأضاف: "هناك مادة في الدستور الجزائري تقول، إن الرئيس يبقى رئيسا لحين تسليم المهام للرئيس الجديد، وهذا ما ركزت عليه الفتوى الأخيرة للمجلس الدستوري".
وعن السبب الذي عطل الذهاب إلى انتخابات رئاسية، أوضح لخضاري: "لا يمكننا أن نتكلم عن الانتخابات المقبلة، ما لم يتم إنشاء هيئة مكلفة بالإشراف والتنظيم والإعلان عن نتائج الانتخابات. مستقبل الانتخابات يعتمد على هذه اللجنة".
أما بشأن العناصر التي يراها لخضيري مناسبة لتكون ضمن هذه اللجنة المهمة، فقال: "لا بد من أن يكون جميع الأعضاء ممن لا ينتمون لرموز النظام السابق (التابع لبوتفليقة)، لأن الحراك الشعبي رافض تماما لذلك".
"خروج عن المسار الدستوري"
من جانبه، رأى القيادي في حزب جيل جديد، حبيب براهمية، أنه "تم الخروج عن المسار الدستوري في البلاد، منذ أن ألغى بوتفليقة الانتخابات التي كانت مقررة في الـ18 من أبريل".
وكان بوتفليقة قد أعلن إلغاء تلك الانتخابات، نتيجة المظاهرات الواسعة والضغط الشعبي الرافض لترشحه لولاية خامسة.
واستطرد براهمية قائلا لموقع "سكاي نيوز عربية": "الجزائر خرجت عن المسار الدستوري بالفعل، بعد إلغاء انتخابات 18 أبريل، وتم تأكيد ذلك بعد إلغاء الانتخابات في 4 يوليو، وبالتالي حتى إذا استمر بن صالح بعد المهلة، فالإجراءات منذ البداية لم تكن دستورية".
"رؤية الخروج"
وعن رؤيته لملامح المرحلة المقبلة، وسبل الخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، قال القيادي في حزب "جيل جديد": "قدمنا مبادرة واقعية منذ العاشر من مارس الماضي، تسمح بالخروج من الأزمة في مدة معقولة، تتلخص في أن يتم الذهاب إلى انتخابات حقيقية نزيهة، تنظمها هيئة مستقلة، وذلك بعد مفاوضات مع السلطة الفعلية".
وأشار إلى أن الحزب طرح عددا من الشروط لخوض تلك المفاوضات، أبرزها "إطلاق سراح كل معتقلي الرأي، ورحيل حكومة (نور الدين) بدوي".
واعتبر براهمية أن الخروج من المأزق يعتمد على "الإرادة السياسية للسلطة"، قائلا: "إذا أرادت السلطة فعلا الذهاب لانتخابات حقيقية فكان يجب أن يتم تشكيل هيئة مستقلة، وأن تعطي السلطة مؤشرات حسن نية، بالإفراج عن معتقلي الرأي وتشكيل حكومة جديدة".
أما أستاذ العلوم السياسية، حسام حمزة، فاعتبر أن التمديد لبن صالح "لم يكن خرقا دستوريا، وإنما مراعاة للظرف السياسي الحساس"، مضيفا: "إذا أسرعنا في إجراء الانتخابات كما كان مقررا في يوليو، كنا سنكون في خضم انتخابات غير شرعية تعقد الوضع أكثر".
واسترسل قائلا: "الدستور يقول إن المهلة 90 يوما، لكن المادتين السابعة والثامنة تقولان إن الشعب هو مصدر كل السلطات، وإذا كان الشعب نفسه رافضا للانتخابات في 4 يوليو، فكيف نجريها؟".
واعتبر حمزة أن تمديد المهلة وتأجيل الانتخابات "أعطى ضمانات لمن يريدون الترشح، وللناس لينتخبوا، وذلك بضمان نزاهة الانتخابات من خلال الهيئة المستقلة، وليس كما كان معتادا في السابق، بأن تشرف عليها الحكومة ووزارة الداخلية".
"برلمان الجزائر.. والمسؤولية الأكبر"
وشدد حمزة على أن المسؤولية الأكبر لإنهاء الأزمة في البلاد خلال هذه المرحلة "تقع على عاتق البرلمان"، مشيرا إلى أن "المرحلة المقبلة سيتم التركيز فيها على البرلمان، لأنه المسؤول عن إقرار التعديلات على القانون الأساسي في الانتخابات، بالإضافة إلى القانون المنشئ للهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات".
وأكد حمزة أن هذه الإجراءات تعد أساسية لتحقيق انتخابات حرة ونزيهة، منوها إلى أنها ستستغرق بعض الوقت، موضحا: "مهلة بن صالح الممتدة، لن تقل عن 3 أشهر أخرى، لأن العملية في البرلمان ستأخذ وقتا، كونه سيعمل على تعديل القانون وإنشاء الهيئة بصلاحيات جديدة، والتي ستكون مسؤولة بدورها عن مراجعة القوائم الانتخابية من جديد".
وبهذا، فإن الوقت يبقى كفيلا لإزالة الضبابية عن المشهد السياسي الجزائري، مع التركيز على "الهيئة المستقلة المنتظرة"، التي تتعلق بها آمال الشعب والمعارضة، وحتى الحكومة، للخروج بالبلاد من أزمتها، من خلال انتخابات حرة ونزيهة.