تمد تركيا الميليشيات المتطرفة في ليبيا بكافة أنواع الأسلحة بشكل علني أفصح عنه رئيسها رجب طيب أردوغان، مما أثار تساؤلات بشأن دوافعه والثمن الذي سيحصل عليه من تأجيج الصراع في هذا البلد.
ويمكن فهم الدعم التركي لميليشيات ينتمي أفرادها إلى تنظيم القاعدة وعدد من التنظيمات المتطرفة التي لها صلات بتنظيم داعش على أنه امتداد لسياسة أنقرة التي سبق وطبقتها ولا تزال في سوريا، حيث تحظى ميليشيات مثل جبهة النصرة الموالية للقاعدة وتنظيمات أخرى بدعم عسكري واضح وهو ما يتعارض السياسات الدولية لمكافحة الإرهاب.
وعكفت السياسة الخارجية في عهد أردوغان على مد النفوذ التركي إلى بلدان شرق البحر المتوسط عبر جماعات الإسلام السياسي حيث تمثل الخلفية الإيديولوجية مساحة مشتركة تسهل لأنقرة تنفيذ سياساتها والحصول على مكاسب استراتيجية.
لكن مع انهيار تنظيم الإخوان في مصر وانحسار تأثيره في سوريا وحاليا في السودان، تحاول أنقرة إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ليبيا بعد استعادة الجيش الوطني الليبي السيطرة على معظم أراضي البلاد، فيما لم يتبق سوى العاصمة طرابلس.
إنقاذ الإخوان.. معبر النفوذ الأردوغاني
ويقول الخبير في الشأن التركي محمد عبد القادر لموقع سكاي نيوز عربية إن تركيا تستخدم أدوات عديدة لدعم سلطة "الحكم الأردوغاني"، ومنها دعم جماعة الإخوان، التي تستضيف أنقرة الكثير من عناصرها وقياداتها، وترتبط معها بروابط أيديولوجية وعلاقات تاريخية.
"وتنظر تركيا إلى هذه العلاقة بحسبانها أحد أدوات مراكمة النفوذ وتعظم دورها الإقليمي. لذلك فإن التحرك على الساحة الليبية يأتي في وقت تعاني فيه جماعة الإخوان بسبب عمليات الجيش الوطني الليبي العسكرية في مدينة طرابلس".
وبحسب عبد القادر، تدرك القيادة التركية أن "تحقيق نصر للجيش الوطني الليبي في طرابلس، التي تمثل آخر معاقل الإخوان في ليبيا، يعني نهاية الهيمنة على القرار السياسي والمالي في ليبيا، ومن ثم عدم القدرة على استخدام الملف الليبي كورقة مساومة في مواجهة جوار ليبيا الجغرافي".
وقد يعني ذلك أيضا عدم قدرة الرئيس التركي على الجلوس على مائدة مفاوضات تحديد مستقبل ليبيا، أو حتى الاستفادة من عقود إعادة الإعمار المحتملة.
ويقول عبد القادر: "لذلك، تصر الحكومة التركية على ممارسة دورها من خلال الاستمرار في تسليح ميليشيات حكومة السراج، ضاربة بعرض الحائط جميع الدعوات لوقف التسليح التنظيمات الراديكالية، سيما بعد تعرض تيارات الإسلام السياسي لهزائم متتالية في المنطقة، خاصة في السودان ومن قبلها في مصر".
ولا ينحصر الدعم التركي لميليشيات طرابلس على إنقاذ تيار الإسلام السياسي، إذ يعد هذا التيار أحد أدوات السياسة التركية لتنفيذ أهداف استراتيجية.
وبحسب الكاتب التركي بورك تويجان، "يحتاج الإسلاميون إلى دعم أنقرة لمواجهة الجيش الليبي، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين إذا كانت لديها أي آمال في الحصول على نفوذ مستقبلي في البلاد".
ويقول تويجان في مقال له بصحيفة أحوال التركية إن أردوغان يفترض أن "البنية القبلية في ليبيا وافتقارها إلى المؤسسات الديمقراطية سيجعل من الهيمنة التركية أمرا سهلا نسبيا، بالإضافة إلى حصة كبيرة من الغنائم إذا ساعدت الميليشيات في السيطرة على البلاد".
مبيعات السلاح
وتلعب المصالح الاقتصادية الدور الأكبر في هذه المغامرة التركية، وهنا وضع أردوغان رهاناته على مبيعات السلاح ودعم مخططاته للحصول على حصة كبيرة في موارد الغاز بالبحر الأبيض المتوسط.
وكان إسقاط الجيش الليبي لطائرة مسيرة تركية أثر سلبيا على سمعة الأسلحة التركية التي تحاول شق طريقها إلى مناطق النزاعات المختلفة أملا في جلب العملة الأجنبية.
ويقول عبد القادر إن ذلك دفع أنقرة إلى تدخل سريع لإنقاذ سمعة السلاح التركي، عبر إرسال شحنات ضخمة من الآليات والأسلحة المختلفة، مع تغطية إعلامية واسعة.
وبحسب عبد القادر، "تحظى مشاريع الصناعات الدفاعية التركية، باهتمام منذ منتصف ثمانينات القرن الحالي، وقد خصصت الحكومات التركية ما متوسطه 1.3 مليار دولار من الموازنة السنوية العامة للصناعات العسكرية".
وفي هذا الإطار، تعد ليبيا الغنية بالموارد النفطية بلدا مثاليا لاستيراد الأسلحة من تركيا، طالما استمر فيها الصراع العسكري.
غاز المتوسط
وبينما وضعت أنقرة نصب أعينها الهيمنة على الثروة النفطية الليبية، فإن السباق من أجل الظفر بحصة كبيرة من الاحتياطي الهائل من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط يحتاج من أنقرة الحصول على دعم حلفائها في طرابلس.
وتجد أنقرة نفسها معزولة إلى حد ما بعدما دخلت دول الجوار في البحر المتوسط في اتفاقات لتقسيم مناطق البحث واستخراج الغاز، فيما تعارض أوروبا والدول المتوسطية الخطط التركية للتنقيب بشكل أحادي.
وتخشى أنقرة اتفاقا محتملا بين القبارصة اليونانيين واليونان على تقاسم مناطق السيادة البحرية، مما قد يحرمها من السيادة البحرية بالمنطقة، والتي يُعتقد أنها غنية من حيث الموارد الهيدروكربونية.
لذا تحاول تركيا التوصل إلى اتفاق مع حكومة السراج حول المشاركة الساحلية للحد من مطالبات اليونان بالسيادة البحرية على المنطقة.
وقد يسمح ذلك لأنقرة بزيادة نفوذها في المنطقة لمواجهة الضغط الناشئ عن الكتلة المصرية- القبرصية اليونانية - اليونانية.
ويرى متابعون أن أحد الأسباب التي تدفع أردوغان للبحث عن نفوذ في تركيا، هو القدرة على الضغط على أوروبا بورقة المهاجرين كون ليبيا تشكل بوابة رئيسية للوصول إلى أوروبا، وهي ورقة لطالما لعبتها أنقرة في سوريا.