بتحركها العسكري الخطير، الذي قامت من خلاله إيران بإسقاط طائرة أميركية مسيرة فوق مضيق هرمز، اختارت طهران طريق التصعيد، بالرغم من تصريحاتها النافية لرغبتها في الدخول بحرب، لتسلط بذلك الضوء على أذرعها في المنطقة، وتثير تساؤلات عن الدور الذي قد تلعبه في هذه المرحلة الحرجة.
ولطالما سعت إيران إلى بث الفتن والفوضى في منطقة الشرق الأوسط، متبعة سياسة "فرّق تسد"، وذلك من خلال ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وغيرهم من الجماعات المسلحة الإرهابية التي تخضع لأوامرها.
وفي ضوء المستجدات الأخيرة، يصبح السؤال: ما هي طبيعة الخطط الإيرانية المتعلقة بأذرعها في المنطقة خلال هذه المرحلة الحاسمة، وما مدى نجاح هذه الأذرع في إحداث أي تأثير؟.
وللإجابة على هذه التساؤلات، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، خليل الحلو، أن إيران بدأت بالفعل في الآونة الأخيرة بـ"زيادة جرعة" التحركات التخريبية في المنطقة.
وقال الحلو في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية": "بعض الأذرع الإيرانية بدأت بالتحرك فعلا، مثل الحوثيين في اليمن، الذي شنوا مؤخرا هجمات استهدفت مواقع سعودية، بالإضافة إلى الأذرع الإيرانية في العراق، التي استهدفت شركة بمحافظة البصرة ومجمعا يضم أميركيين بالموصل".
أما بالنسبة لسوريا، فأشار الحلو إلى أن تأثير الأذرع الإيرانية هناك محدود، قائلا: "القوى الأميركية في سوريا تتمركز في مناطق قوات سوريا الديمقراطية (ذات الغالبية الكردية)، ولا تتجاوز الـ1600 عسكري أميركي، موزعين على 11 قاعدة".
وأوضح أنه سيكون من الصعب استهداف هذه القوات الأميركية، كونها تتركز في مناطق سيطرة الأكراد والعشائر السنية.
وفيما يتعلق بحزب الله في لبنان، أكبر الأذرع الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، استبعد الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، أن يصدر أي تحرك منه في الوقت الراهن.
واستطرد قائلا: "حزب الله لن يتحرك الآن لسببين، أولهما المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية، وحل المشكلات العالقة بشأن الحدود البرية".
وأضاف الحلو: "حزب الله هو أحد أهم مقومات إيران في المنطقة، وهي تعي تماما أنها ستخسره إذا قامت بأي تحركات من خلاله ضد إسرائيل في هذه المرحلة، فالرد الإسرائيلي سيكون أكثر أعنف مما حدث عام 2006".
وتابع: "التفريط في حزب الله سيكون صعبا بالنسبة لإيران، خاصة وأن الوضع الآن مختلف تماما عما كان عليه عام 2006، لأن الإمدادات الإيرانية لن تصله بسهولة، بالإضافة إلى أن سوريا لم تعد قادرة على مساعدته كما حدث في السابق".
العراق.. و"رسائل الكاتيوشا"
من جانبه، رأى مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، يحيى الكبيسي، أن العراق هو من ستلجأ إيران إلى تأجيجه، والعبث بأمن المنطقة من بوابته.
وأشار الكبيسي في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية": "أعتقد أن قدرة إيران على تحريك الحوثيين أو حزب الله ليست موضع سؤال، لكني لا أظن أن ثمة أهداف أميركية أو أخرى حاسمة هناك تكون الأذرع قادرة على استهدافها، فعلى سبيل المثال، ليس بمقدور ميليشيات الحوثي أن تعطل الملاحة في باب المندب أو البحر الأحمر".
واسترسل قائلا: "لكن في العراق، فإن الأمر أكثر تعقيدا في ضوء (رسائل الكاتيوشا) التي أرسلتها أذرع إيران هناك خلال الأسابيع الأخيرة"، معتبرا أن العراق سيكون "ساحة المواجهة الأولى" في حال حدوث تصعيد بين أميركا وإيران.
وكان الأربعاء الماضي قد شهد هجوما على موقع البرجسية، غربي مدينة البصرة (جنوبي العراق)، حيث سقط صاروخ قصير المدى قرب مقرات شركات نفط عالمية، وهي رويال داتش شل وإيني الإيطالية وإكسون موبيل الأميركية العملاقة.
وانطلق الصاروخ بينما كان موظفو إكسون يبدأون العودة إلى البصرة، بعد أن تم إجلاؤهم عقب مغادرة دبلوماسيين أميركيين، في شهر مايو الماضي، بسبب ما قالت عنه واشنطن إنه تهديدات من إيران، التي لها علاقات وثيقة مع ميليشيات الحشد الشعبي العراقية.
ويتشابه هجوم صباح الأربعاء مع غيره من الضربات الصاروخية التي تنوعت بين صواريخ كاتيوشا وقذائف الهاون، واستهدفت قواعد لأفراد في الجيش الأميركي بالعراق ومحيط السفارة الأميركية.
وعن المواقع التي قد تستهدفها أذرع إيران في العراق (التي من أبرزها ميليشيات الحشد الشعبي)، قال الكبيسي: "هناك أهداف عديدة في العراق يمكن استهدافها، مثل تعطيل تصدير النفط العراقي، والذي سيؤثر بدوره على وضع الأسواق العالمية، لأنه ليس هناك إمكانية لتعويض مثل هذا النقص، خاصة في ظل العقوبات المفروضة أيضا على النفط الإيراني".
إيران.. وميزان القوى المنهار أمام أميركا
أما في حال حدوث صدام عسكري قوي بين إيران والولايات المتحدة، فأكد الحلو أن "ميزان القوى بين الاثنين في الخليج هو لصالح أميركا".
وبيّن أن إيران "تقوم الآن بتجارب تهدف من خلالها لمعرفة السقف الذي سيمكنها الوصول إليه بتحركاتها"، مضيفا "تشن إيران ضربات خفيفة لتحاول معرفة المدى الذي تستطيع الوصول إليه دون التعرض لرد أميركي قوي"، معتبرا أن النظام في طهران يتعامل بمنطق معيب.
ووصف سياسة النظام الإيراني بالقول: "النظام الإيراني يؤمن أنه يتعامل بمبدأ (الربح أو الربح)، لاعتقاده أنه في حال تعرض لضربة أميركية فإن هذا سيعمل على توحيد الأطياف المختلفة داخل البلاد وإعادتها إلى صفه، بعد أن فقد جزءا كبيرا من شعبيته خلال السنوات الأخيرة".
وفي حال لم يتعرض لضربة أميركية، "ففي اعتقاده أنه ربح أيضا، كونه شن ما أراد من هجمات دون أن يتعرض لأي رد رادع".