مع تمتع مصر بموقع جغرافي إستراتيجي يجعلها مركزا إقليميا مهما في المنطقتين العربية والأفريقية، تثقل التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط مؤخرا دور السلطات المصرية لتأمين حدودها الشاسعة، في مهمة صعبة يتعين على قوات الأمن تنفيذها.
والأسبوع الماضي، انطلقت في ليبيا التي تتشارك معها مصر حدودا تمتد لأكثر من 1300 كيلومترا، معركة "طوفان الكرامة" في العاصمة طرابلس، من أجل "فرض سيطرة الشرعية على العاصمة وطرد الميليشيات".
وجنوبا، تتشارك مصر نحو 1280 كم مع السودان الذي يشهد منذ ديسمبر الماضي احتجاجات واسعة أفضت إلى عزل الرئيس عمر البشير، وتشهد أعمال عنف متقطعة.
أما شرقا، فتتشارك مصر جزءا من حدودها مع قطاع غزة المضطرب أمنيا، منذ سيطرة حركة حماس على الحكم هناك في 2007.
بينما تحتم ثروة الغاز التي وقعت عليها مؤخرا في شرق البحر المتوسط حماية بحرية خاصة، وسط أطماع واضحة من دول إقليمية.
وفي ظل هذا الوضع الأمني المتوتر الذي يحد مصر من جميع حدودها، تجد القوات الأمنية نفسها أمام تحد ليس سهلا، لكنها تسخر إمكانياتها العسكرية من أجل ضبط "محكم" للحدود.. فكيف تقوم بهذه المهمة؟
"معاناة أمنية" بالغرب
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء فؤاد علام لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن القوات المسلحة المصرية تعتمد أساليبها الخاصة التي تراقب بها حدودها، وتمنع أي محاولة غير مرغوب بها لاجتياز الحدود، مضيفا: "توجد لدى مصر أجهزة فنية للتصدي لهذه المحاولات".
وتابع: "أجهزة الأمن المصرية تعتمد أيضا على أشخاص ووسائل اتصال داخل الدول التي تحدها، كما تتعامل مع المسؤولين في كل دولة حدودية لها".
وعول علام، وهو عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي يترأسه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أهمية التنسيق الأمني بين المسؤولين في الدول الحدودية وقت الأزمات.
وأوضح: "هذا ما نفعله فيما يتعلق بحدودنا الشاسعة مع ليبيا، وبالتالي تزيد المعاناة الأمنية، فهناك تعامل وتفهم بين الجانبين".
ليبيا.. الأخطر
ويرى مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية العميد خالد عكاشة، أن تأمين الحدود المصرية أصبح "عبئا كبيرا وضخما جدا" أمام القوات الأمنية منذ عام 2011.
وبحسب عكاشة، فإن الحدود الشرقية التي تمتد لأكثر من 1250 كم، كانت الأخطر، حيث لا توجد قوة حدود مساعدة في الجانب الليبي.
وأشار عكاشة إلى تصريح سابق للسيسي، قال فيه إن القوات الأمنية أجهضت ألفي محاولة تسلل عبر الحدود الغربية، معلقا: "هذا رقم يعكس قدر التحدي والتهديد".
وفيما يتعلق بالطرق والأساليب التي يتبعها الجيش لتأمين الحدود مع ليبيا، قال عكاشة: " تتعدد أشكال مراقبة وتعزيز وتأمين الحدود في هذا الشريط على وجه التحديد"، موضحا أن الجيش المصري يولي أهمية كبيرة للمنطقة الغربية العسكرية.
وأضاف: "لأول مرة، منذ 2011، رأينا وحدات جديدة تشارك في تأمين هذا الشريط الحدودي، فشاهدنا المكافحة الجوية، وطلعات الرصد الجوي على مدار الساعة، والوحدات البحرية التي تستهدف أولئك الذين يهدفون للتسلل إلى مصر بحرا".
وعدد مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية، 10 اختراقات كانت "الأخطر التي قامت بها تنظيمات إرهابية تسللت عبر الحدود مع ليبيا"، ومن بينها عملية الفرافرة، واستهداف كنائس وحافلات للمسيحيين".
وأكد عكاشة أن الوضع الأمني عبر الحدود مع ليبيا يتجاوز إمكانيات وزارة الداخلية، متابعا: "لذلك رأينا تدخل طيران الجيش، وعمليات القصف الجوي التي أفشلت محاولات اختراق عدة".
وأرجع عكاشة إحكام تأمين الحدود الغربية لمصر إلى إطلاق العملية الأمنية الكبرى في فبراير 2018، بهدف القضاء على المتشددين المنتمين إلى تنظيم "داعش" وجماعات متطرفة أخرى، قائلا إنها لم تنحسر على سيناء فقط، بل شملت تعزيز المنطقة العسكرية الغربية أيضا، وتأمين الحدود الشمالية.
عمليات رصد وتصوير
وفيما يتعلق بشبه جزيرة سيناء، حيث الجانب الشرقي من الحدود المصرية، قال عكاشة: "عملية فبراير كانت سببا محوريا ومهما في انحسار التهديد من الحدود الشرقية"، معولا على "الدور البري الكبير جدا" للشرطة والجيش.
وتتقاسم مصر حدودها الشرقية مع إسرائيل، بالإضافة إلى قطاع غزة الفلسطيني، التي تمدد لـ15 كيلومترا، وتشكل أحد أشهر الاختراقات الأمنية بسبب الأنفاق بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، بحسب الخبير الأمني خالد عكاشة.
وعن كيفية تأمين الحدود الشرقية، قال: "تستخدم مصر نفس الآليات التي تعتمد عليها غربا، مضافا إليها هدم الأنفاق، ونقل المواطنين المصريين إلى مدينة رفح الجديدة، وتأمين شريط حدودي".
وبالقرب من هذا الشريط الحدودي، اعتمدت القوات المصرية على العمليات البرية إلى جانب الجوية.
حقول الغاز شمالا
وشمالا، حيث تملتك مصر مخزونا إستراتيجيا من الغاز في شرق المتوسط، تولي قوات الصاعقة البحرية أهمية خاصة لتأمين حقول الغاز في المياه الإقليمية المصرية، مضيفا: "لن تقبل مصر بأي شكل من أشكال التهديد في البحر المتوسط".
"لكن الأكثر لفتا للانتباه هو نجاح مصر في القضاء على الهجرة غير الشرعية، والفضل لعملية سيناء التي عززت التأمين البحري (..) لأول مرة كنا نشاهد قوات بحرية تشارك في عمليات مكافحة الإرهاب"، بحسب عكاشة.
وأضاف: "بعض المنظمات المتطرفة كانت تحاول التسلل بحرا للدخول إلى مصر، لكن قوات الصاعقة البحرية استطاعت أن تحدث فرقا كبيرا في تعزيز الأمن بالشمال منذ اليوم الأول لعملية مكافحة الإرهاب".
لا قلق جنوبا
ويتفق كل من الخبيرين الأمنيين فؤاد علام وخالد عكاشة على تأثير التطورات الأخيرة التي يشهدها السودان على الحدود مع مصر، وذلك مقارنة بالحدود الشرقية والغربية، حيث استبعد عكاشة أن تؤثر التطورات الأمنية هناك على الوضع الحدودي.
وقال: "الأجهزة المصرية والسودانية مصر والسودان وقعت بروتوكولات تعاون مؤخرا، وكان هذا التوقيع أحد ملامح عودة أوجه التعاون بين الجانبين".