استعاد حراك السودان زخمه على نحو ملحوظ، خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما بدأ المحتجون على الرئيس عمر البشير اعتصاما أمام مقر الجيش، في محاولة على ما يبدو لاستمالة المؤسسة العسكرية إلى صف الشعب.

و يشهد السودان احتجاجات مستمرة مناهضة للحكومة منذ 19 ديسمبر الماضي، وتأججت في البداية على إثر ارتفاع الأسعار ونقص السيولة النقدية لكنها تطورت إلى احتجاجات مناهضة لحكم االبشير المستمر منذ 30 عاما.

وحاول البشير أن يحتوي غضب الشارع بعدة قرارات، ففي فبراير الماضي، أعلن حالة طوارئ في البلاد وقام بحل الحكومة ثم عين أخرى جديدة مكانها، لكن هذه الإجراءات لم تكن كفيلة بإخماد الغضب في الشارع.

وإذا كان متظاهرو السودان قد عادوا بقوة إلى الميادين فلأن تجربة أخرى "ملهمة" في شمال إفريقيا قد حفزتهم، والأمر يتعلق بالجزائر التي استطاع فيها المحتجون أن يدفعوا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى التراجع والاستقالة بعدما قدم ترشيحه لولاية خامسة.

أخبار ذات صلة

تفاصيل "ليلة النار والغاز" في اعتصام وزارة الدفاع السودانية

ويرى متابعون أن التنازلات التي قامت بها السلطة في الجزائر أنعشت حظوظ السودانيين بعدما تظاهروا طيلة أشهر دون أن ينتزعوا تنازلات مهمة من السلطة التي ردت بإجراءات  "مهدئة" وصفت بغير المجدية.

وعلى الرغم من اختلاف طبيعتي النظام في السودان والجزائر، إلا أن البلدين يلتقيان في الحاجة إلى ضخ دماء سياسية جديدة، ففي الخرطوم، يحكم البشير البلاد منذ ثلاثة عقود، وسط ترد متواصل للظروف الاجتماعية والاقتصادية، أما في الجزائر، فمكث بوتفليقة عقدين في السلطة، وأوشك أن يضيف ولاية أخرى لولا خروج الشعب.

ولعب الجيش الجزائري دورا مهما في الحراك الأخير، فبعد أسابيع قليلة من مواظبة المحتجين على الخروج، دعا رئيس الأركان في الجيش، أحمد قايد صالح، إلى تفعيل المادة 102 من دستور البلاد والتي تقضي بإعلان شغور منصب الرئاسة في حال عجز الرئيس عن تولي مهامه.

وإزاء هذا الاصطفاف العسكري بجانب الشعب في الجزائر، بدت الفرصة سانحة أمام متظاهري السودان حتى يطلبوا من جيشهم أن يقوم بدور "إيجابي" مماثل، لاسيما أن تعامل قوات الأمن السودانية لم يكن متساهلا معهم خلال أشهر طويلة من الحراك.

وفي ظل هذا الرهان على دور حاسم أو مساند من الجيش، أقام آلاف المحتجين اعتصاما أمام وزارة الدفاع في العاصمة الخرطوم، وطالبوا الجيش بالانحياز إلى الشعب، وفي فجر يوم الثلاثاء، حاولت قوات الأمن فض الاعتصام عبر إطلاق النار وقنابل الغاز، مما دفع قوات من الجيش إلى الدفاع عن المعتصمين وفتح مقر القيادة لحمايتهم.

ومن شأن الموقف الذي اتخذه الجيش السوداني، فجر الثلاثاء، أن يبعث برسائل مهمة، قد تعطي المتظاهرين زخما أكبر لمواصلة احتجاجاتهم.