بدأت التسريبات والتكهنات تأخذ طريقها إلى الشارع الجزائري، بعد البيان المثير لرئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح الذي أشار إلى اجتماع وصفه بالمشبوه لأطراف في السلطة تحاول الالتفاف على الشرعية الدستورية.
ويأتي الخطاب كأحدث حلقة في صراع بدوائر الحكم، بدأ يظهر إلى العلن بفعل الضغط الشعبي وانحياز المؤسسة العسكرية لمطالب الحراك، بالدعوة إلى تفعيل المادة 102 من الدستور الخاصة بشغور منصب رئيس الجمهورية.
وقال قايد صالح إنه "بتاريخ 30 مارس 2019 تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
وأضاف أنه "على ضوء هذه التطورات، يبقى موقف الجيش الوطني الشعبي ثابتا بما أنه يندرج دوما ضمن إطار الشرعية الدستورية ويضع مصالح الشعب الجزائري فوق كل اعتبار ويرى دائما أن حل الأزمة لا يمكن تصوره إلا بتفعيل المواد 7 و8 و102 من الدستور".
وأكد أن "كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطا أحمرا، هي غير مقبولة بتاتا وسيتصدى لها الجيش الوطني الشعبي بكل الطرق القانونية".
وقال المحلل السياسي عبد العالي الرزاقي لموقع سكاي نيوز عربية إن "الاجتماع المشار إليه، بحسب تسريبات، عقد في فندق وسط العاصمة، وكان يضم شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة ورئيس المخابرات المستقيل قبل أيام بشير طرطاق وعددا من المسؤولين في ما يعرف بالدائرة المحيطة ببوتفليقة".
وكان رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، قد ذكر أن الاجتماع الذي تحدث عنه قايد صالح" ضم شقيق الرئيس والرئيس السابق لجهاز المخابرات".
واعتبر بلعباس أن عدم لجوء قايد الجيش لذكر من كانوا في الاجتماع على الفور، "يوحي بأن اللعبة لم تحسم لصالحه"، حسبما أورد موقع "كل شيء عن الجزائر" المحلي.
خارطة طريق تحمي النظام
وبحسب الرزاقي، فقد استهدف الاجتماع وضع خارطة طريق يجري فيها تنحي بوتفليقة على أن يتسلم السلطة شخصية تتمتع بدعم دائرة بوتفليقة من أجل الحفاظ على النظام.
ويمر هذا السيناريو "عبر تنحي الرئيس ومن تسلم رئيس مجلس الأمة قيادة الفترة الانتقالية للإشراف على الانتخابات".
ووفق الرزاقي "يمثل هذا المقترح التفافا على المطالب الشعبية، كونه يعطي الشرعية مجددا لنواب الحزب الحاكم والأحزاب المتحالفة معه داخل مجلس الأمة، وهو ما يرفضه الحراك الذي يطالب بإسقاط السلطة ورموزها السياسية".
وكانت بعض وسائل الإعلام المحلية قد نقلت أنباء عن احتجاجات في صفوف الحراك الشعبي ترفض أن يتم تطبيق المادة 102 من الدستور تحت وصاية المؤسسة العسكرية أو أن يكون الإجراء مجرد التفاف على مطالب إسقاط النظام بالكامل.
وجاء رد قائد الجيش على هذه الأنباء في الخطاب الذي تناول فيه للمرة الأولى المادتين السابعة والثامنة في الدستور إلى جانب المادة 102 "كخطوة متقدمة لمواجهة أي التفاف على الدستور فيما يتعلق بإعلان شغور منصب الرئاسة وما يلي ذلك من أجراءات قد تعيد الأمور في نهاية المطاف إلى المربع الأول، وهو الإتيان بشخص محسوب على دائرة الرئيس الغائب لحفظ مصالح النظام ومنعه من السقوط"، بحسب الرزاقي.
وبعد الخطاب، خرج المئات من الجزائريين في مظاهرات ليلية شهدتها العاصمة وبعض الولايات الأخرى للتعبير عن تأييدهم لخطاب صالح.
وتنص المادة السابعة من الدستور على أن "الشعب مصدر كل سلطة، السيادة الوطنية للشعب وحده"، أما المادة الثامنة فتنص على أن "السلطة التأسيسية ملك للشعب، يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها، يمارس الشعب هذه السيادة أيضا عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين، لرئيس الجمهورية أن يلتجئ إلى إرادة الشعب مباشرة".
معضلة المجلس الدستوري
لكن في ظل عدم انعقاد المجلس الدستوري للنظر في أهلية الرئيس وإعلان شغور المنصب، تزداد الأزمة السياسية عمقا في البلاد.
وبحسب المادة 102 فإنه إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن "يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع".
ويدعو القيادي في جزب المستقبل الحاج بلغوثي إلى تنحي رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، معتبرا عدم تفاعله مع مطالب الحراك الشعبي والجيش انحيازا سياسيا للرئيس.
وقال بلغوثي:" يجب على رئيس المجلس الدستوري أن يتنحى. نعتقد أن المؤسسة ليست للأشخاص. هذا الشخص تنتابه عاطفة أو حرج".
وقد يلجأ الجيش، بحسب الرزاقي، إلى إيفاد لجنة من المستشفى العسكري لفحص الرئيس بوتفليقة وتقديم ما يفيد بعدم أهليته الصحية، لإجبار المجلس الدستوري على الانعقاد وإعلان شغور المنصب.
صراع على أشده
وتمثل هذه التطورات أبرز علامة على المقاومة الشديدة التي تبديها الدائرة المتنفذة المحيطة بالرئيس بوتفليقة، بحسب بلغوثي.
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "الدائرة المحيطة هي ما أوصلت الجزائر إلى ما نحن فيه، لذلك يطالب الشعب بتغيير كل هذه الأشخاص".
و صباح الأحد، جرى منع جميع الطائرات الخاصة من الطيران سواء المسجلة في الجزائر أو في الخارج، حسبما أوردت وسائل إعلام محلية.
ويأتي توقيت هذا الإجراء بعد حديث قائد الجيش، ليشير إلى أن الأزمة بين المؤسسة العسكرية والنخبة الحاكمة ورجال الأعمال المحسوبين عليها قد تصل إلى إلقاء القبض عليهم في مرحلة ما وتقديمهم للمحاكمة.
وجاء ذلك أيضا بالتزامن مع إلقاء السلطات القبض على رجل الأعمال الجزائري البارز علي حداد، المقرب من بوتفليقة، لدى محاولته الخروج من البلاد عبر الحدود التونسية، بحسب وكالة رويترز.
وندر ظهور بوتفليقة (82 عاما) في أي مناسبة عامة في السنوات الأخيرة، ويواجه مظاهرات ضخمة منذ أكثر من شهر. ولم يفلح إعلانه إنه لن يسعى للفوز بفترة خامسة، لكن دون تقديم استقالته على الفور، في تهدئة المحتجين.