ما أن بدأت مدينة الموصل في محافظة نينوى شمالي العراق تتعافى من آثار داعش المدمرة، حتى توالت عليها كوارث ومصائب لا تقل في خطورتها وقسوتها عن إرهاب التنظيم المتشدد.
ويخيم الحزن الشديد على مدينة الموصل منذ أيام، بعد أن فقدت أكثر من 120 شخصا من أبنائها كانوا ضمن 250 آخرين على متن عبارة انقلبت في نهر دجلة في 21 مارس الجاري. وتتسع العبارة لخمسين شخصا فقط.
وفتحت هذه الكارثة الباب على مصراعيه أمام أسئلة الإهمال والفساد والتقصير التي تنهش بمدينة الموصل، خصوصا بعد أن تمكنت القوات العراقية من طرد تنظيم داعش منها عام 2017.
وأظهر تسجيل مصور مشهدا مروعا لانقلاب العبارة في الموصل براكبيها وعددهم 285 شخصا، كانوا يحتفلون بعيد النوروز في منطقة سياحية خاضعة لميليشيات الحشد الشعبي.
كما أظهر تسجيل مصور ثان، الأحد، جانبا آخر من الإهمال الحكومي في الموصل، تمثل في مرور سيارات في الاتجاهين فوق جسر آيل للسقوط تحته مياه، في مؤشر على ضخامة الفساد في المدينة التي يقول السكان إنها أصبحت "منكوبة".
40 مكتبا للميليشيات
وقال المحلل السياسي غانم العابد، من الموصل، إن جزيرة أم الربيعين التي غرقت فيها العبارة الخميس الماضي، تخضع لميليشيات "عصائب أهل الحق" المنضوية تحت ميليشيات الحشد الشعبي.
وأضاف العابد في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن ميليشيات الحشد الشعبي، لا تسيطر على جزيرة أم الربيعين فقط، بل فتحت لها 40 مكتبا بالموصل تعرف باسم "المكاتب الاقتصادية".
وأوضح أن هذه "المكاتب الاقتصادية" مكنت ميليشيات الحشد الشعبي، بعد دحر داعش في 2017، من السيطرة على المرافق التجارية والاقتصادية والسياحية وشركات المقاولات في مدينة الموصل.
وقال العابد إن جسر السويس بالموصل الآيل للسقوط، الذي انتشرت صوره اليوم، تم تشييده بملايين الدنانير العراقية بعد عام 2017، مما يدل على "حجم الفساد المستشري في البلاد ومدى الاستهتار بأرواح المواطنين".
وأشار العابد إلى أن الميليشيات تعمد أيضا إلى سرقة صهاريج النفط وتهريبها باتجاه الأراضي السورية، مؤكدا أن محافظ نينوي نوفل العاكوب، والذي أقر البرلمان إقالته الأحد، "شريك في الفساد ومستفيد منه".
سرقة مخصصات اللاجئين
وقال المحلل السياسي العراقي إن الحكومة المركزية في بغداد صرفت أكثر من 400 مليا دينار عراقي لإعادة إعمار الموصل بعد أن دمرتها المعارك على داعش، متهما محافظة نينوي بـ"سرقة 90 بالمئة منها".
وأضاف أن "حتى المخصصات المالية لإنشاء مخيمات للاجئين الهاربين من الموصل بسبب الحرب على داعش تمت سرقتها"، موضحا أن "لجان التفتيش عندما ذهب لمعاينة هذه المخيمات لم تجدها على الأرض".
وأوضح العابد أن مظاهر الفساد هذه بدأت تظهر قبل 4 أشهر، عندما انفجرت سيارة مفخخة قرب مطعم "أبو ليلى" بالموصل لابتزاز صاحب المطعم، وتبين أن التفجير تقف وراءه جماعة مسلحة مرتبطة بميليشيات الحشد، بحسب تصريحات قائد عمليات نينوى.
وعلى إثر الانفجار شكلت الحكومة العراقية "لجنة تقصي حقائق" في الموصل، اكتشفت فسادا في مرافق عدة، وتبين لها كيف أن ميليشيات الحشد الشعبي تسيطر على مفاصل المدينة الاقتصادية والأمنية.
وأظهر تسجيل مصور محافظ نينوى وهو يؤكد أمام اللجنة "أن وجود العصائب في جزيرة أم الربيعين السياحية قانوني وشرعي، ولا أقدر أنا أو أي قوة في العراق أن تخرجهم منها".