بشكل مفاجئ ودون مقدمات، خرج حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، الذي ينتمي له الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بتصريحات مغايرة تماما لتاريخه، مؤكدا دعمه للحراك الشعبي، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة، خاصة فيما يتعلق بـ"النية" من ورائها.
وكان حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر، من أشد الداعمين لبوتفليقة (82 عاما) لدى ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وهي الخطوة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات التي اجتاحت مختلف أنحاء البلاد.
ولكن توقيت التصريحات التي خرج بها الحزب، والتي رأى كثيرون أنها "جاءت متأخرة"، أنشأ حالة من الشك في مغزاها، كما أنها بدت وكأن الحزب "يتخلى عن الرئيس في آخر أيامه بالسلطة".
"لن نتخلى عن بوتفليقة"
وفي هذا الصدد، أكد النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، عبد الوهاب بن زعيم، أن الحزب "لن يتخلى أبدا عن بوتفليقة".
وقال في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "العكس تماما. حزب الجبهة يبارك الحراك الشعبي كما بارك رئيس الجمهورية، ولن يتخلى أبدا عنه، ونحن ماضون في الحوار الوطني الذي أطلقه بوتفليقة. نحن معه في تصوره لحل الأزمة، عبر ندوة وطنية".
وعن "أفضل تصور للمرحلة الانتقالية"، قال بن زعيم إن هذا سيحدث من خلال "الحوار مع كافة الأطراف، بما في ذلك المعارضة والأحزاب والشعب".
وأضاف: "لا بد من أن نتحاور مع بعضنا البعض للخروج بمقترحات تضع بلادنا على المسار الصحيح، كأن يتم تعديل الدستور، والقيام بانتخابات نزيهة، بلجنة مستقلة. لا بد من أن يدلي الكل بدلوه في هذا الحوار".
"من حزب حاكم إلى معارضة"
ولدى سؤاله عن موقف جبهة التحرير في حال رفض الشعب وجودها في دوائر السلطة الجزائرية عقب الانتخابات، وهو ما يطالب به المحتجون بالفعل، قال بن زعيم: "الحكم للصناديق.. ومستعدون للتحول إلى معارضة".
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "الأحزاب موجودة ومعتمدة عبر الدستور، وحزب الجبهة لديه نحو مليون ونصف المليون مناضل، فليس من المعقول أن يرحلوا جميعا".
وتابع: "لكن من خلال الندوة الوطنية نتوصل لاقتراحات ونترك الحكم للشعب في الانتخابات، وإذا قرر الشعب ألا نكون ممثلين في الحكومة، فنحن مستعدون لأن نكون في المعارضة.. فالحكم هو عبر صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة".
"خطوة متأخرة لركوب الحراك"
من جانبها، هاجمت عضو المكتب الوطني في حزب "جيل جديد"، مريم سعيداني، الخطوة التي أقدم عليها حزب جبهة التحرير، معتبرة أنها "محاولة لركوب الحراك الشعبي".
وقالت لموقع "سكاي نيوز عربية": "إن مطالب المتظاهرين تتضمن رحيل جبهة التحرير كحزب، وما يتحدث عنه القائمون على الحزب الآن هو أمر غير أخلاقي، لأنهم بالأمس القريب كانوا يقولون إنهم يساندون الرئيس وجمعوا له التوقيعات، وكانت هناك كلمات تبجله".
وتابعت: "اليوم أداروا ظهورهم للرئيس بهذا الشكل.. هذا أمر غير معقول!، والشعب يقول لهم (لقد تأخرتم كثيرا لركوب الحراك، وهو غير قابل للركوب)".
وأضافت: "هذه التصريحات مرفوضة تماما وجاءت متأخرة وتثبت بأنهم غير أهل بالثقة، لأنهم ساندوا الرجل وانقلبوا عليه فجأة عندما رأوا أنه في آخر أيام حكمه".
وشددت سعيداني على أنه "لا بد للشعب من أن يقرر بنفسه كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، من خلال الدوائر السياسية الجديرة بالثقة، وذلك بعد رحيل بوتفليقة في الـ27 من أبريل المقبل".
"محاولة للقفز من السفينة الغارقة"
أما أستاذ الحقوق والناشط السياسي الجزائري، عبد الغني بادي، فرأى أن خطوة حزب جبهة التحرير "ما هي إلا محاولة للقفز من السفينة الغارقة".
وقال، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذه محاولة يائسة، فهم يعلمون تماما أن إرادة الشعب ستنتصر، ويسعون للحصول على دور في المرحلة المقبلة، ولكن هذا لن يحدث".
وتابع: "هؤلاء الانتهازيون يريدون أن يركبوا على موجة التظاهرات التي خرجت أصلا ضدهم، وضد النخبة الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه.
واعتبر بادي أن الشعب الجزائري "بلغ درجة كبيرة من الوعي والنضج، ويعرف جيدا أن المرحلة المقبلة يجب ألا تكون تحت رموز السلطة الحالية".
واستطرد قائلا: "الدعوة الآن هي لمرحلة انتقالية هادئة وسلمية تتم بقيادة جماعية أو فردية، من خلال توظيف آليات النظام الديمقراطي"، لافتا إلى أن الحلول المقدمة من الحكومة حتى الآن "لا ترقى لمطالب الشعب".
وتابع: "السلطة تريد أن تبقى في المرحلة الانتقالية، وأن تختار من يكون مشاركا فيها، وهذا سيؤجج الوضع أكثر، لكن إذا قررت السلطة البحث عن شخص أو مجموعة أشخاص، في إطار توافقي، فإن الشعب سيعرف أنها تريد انتقالا سلميا وسلسا".
ومع تباين ردود الفعل بشأن الموقف الجديد للحزب الحاكم في الجزائر، خاصة في ظل غياب إعلان رسمي واضح منه بشأن الخطوات التالية التي سيقدم عليها، يبقى الوقت هو "سيد الموقف"، لتضح معالم المرحلة المقبلة والحاسمة من تاريخ الجزائر.