بعد أسبوع على رسالة أرفقت بملف ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى الانتخابات الرئاسية بينما كان غائبا للعلاج في سويسرا، عاد الرجل المريض إلى البلاد برسالة أخرى أكد فيها أنه لم يكن ينوي الترشح بسبب حالته الصحية، مما فتح بابا من التكهنات بشأن وضع الرئيس وإرادته.
فبينما كان الشارع الجزائري يغلي حتى وصلت صيحات الاحتجاج إلى شرفات المجلس الدستوري بالعاصمة، الأسبوع الماضي، كان عبد الغني زعلان المدير المفاجئ الجديد للحملة الانتخابية للرئيس قد وصل برفقة موكب من السيارات تحمل ملايين التوكيلات من أجل إدراج ملف الترشح.
وقرأ زعلان رسالة منسوبة للرئيس تعهد فيها، بالمكوث في السلطة عام واحد في حال فوزه في الانتخابات، قبل أن يجري انتخابات مبكرة لن يترشح فيها.
وجاءت ردود الفعل على رسالة بوتفليقة الأولى واضحة في شوارع الجزائر، عندما تجاوز عدد المتظاهرين يوم الجمعة الماضي المليون، وارتفع سقف المطالب إلى إلغاء الانتخابات ورحيل النظام بأكمله.
وومع أنباء عودة الرئيس من سويسرا، متبوعة بفيديو قصير تظهر استقباله وزير الدفاع وعددا من الشخصيات، صدرت رسالة جديدة نسبت إلى الرجل الذي تجاوز عمره 82 عاما، تراجع فيها عن المضي قدما في الترشح للرئاسة، قائلا: "لا محل لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنوِ قط الإقدام على طلبها حيـث أن حالتي الصحية وسني لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا و هو العمل على إرساء أسس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعا".
وأثار تعبير "لم أنوِ قط الإقدام على طلبها (العهدة الخامسة)"، تكهنات المراقبين بمزيد من الضبابية داخل أروقة السلطة في الجزائر.
لا يعلم
وقال الناشط السياسي المخضرم الصادق طماش لموقع "سكاي نيوز عربية" إن هذه العبارة "تشير إلى أن الرئيس ربما لم يكن يعلم ببعض القرارات التي اتخذت باسمه".
ويلفت الطماش إلى أن العبارة "وضعت لحفظ ماء وجه الطرف الذي أقحم الرئيس في الترشح وهو بهذه الوضعية الصحية".
فقد كان "لا بد من إيجاد مخرج لسحب ترشح بوتفليقة"، بحسب الطماش الذي رأى في هذ النوع من العبارات طريقة لتفادي الحرج، بعدما "اختلطت الأوراق بين ضغط الشارع وسقف المطالب الذي وصل إلى رحيل النظام وليس فقط التراجع عن العهدة الخامسة".
لغز مثير للتكهنات
وتشكل العبارة القصيرة "لغزا" في حد ذاته، بحسب أستاذ العلوم السياسية محمد سي بشير الذي اعتبرها مفتاحا لكل ما سيأتي في المرحلة المقبلة.
وأوضح سي بشير أن نفي الرسالة نية بوتفليقة الإقدام على الترشح، يكشف "شيئا خفيا في القرارات التي اتخذت في دائرة السلطة، المتعلقة بترشيح الرئيس لعهدة خامسة".
ويتساءل قائلا: "لماذا إذن جرى إيداع ملف الترشح مشفوعا بـ6 ملايين توقيع، طالما لم يكن ينوي الإقدام على العهدة الخامسة؟".
ويشير المحلل السياسي إلى ما اعتبره "انقساما في هرم السلطة"، أنتج هذا التناقض في مخاطبة الشارع.
مناورة سياسية
وبالانتقال إلى بقية الرسالة، فقد أوضحت بأن بوتفليقة يعتزم تأجيل الانتخابات والإشراف على مرحلة انتقالية، وهو ما اعتبرته المعارضة والمتظاهرين التفافا على مطلب إلغاء الانتخابات، بمحاولة التمديد في السلطة إلى حين الاتفاق على موعد جديد وفق آليات سياسية ودستورية جديدة.
وقال سي بشير: "عندما أيقن المحيطون ببوتفليقة سقوط العهدة الخامسة بفعل الحراك الشعبي، اتجهوا إلى تمديد العهدة الرابعة دون موعد محدد، وهو نوع من المناورة على المطالب الشعبية".
فتمديد العهدة الرابعة "غير دستوري" وفق سي بشير، حيث ستنتهي ولاية الرئيس بوتفليقة رسميا في الثامن عشر من أبريل، مما ينزع عنه شرعية وجوده في السلطة، بحسب الدستور.
ولفت المحلل السياسي إلى أن الشارع يرفض إشراف النظام الحالي على المرحلة الانتقالية، فيما تركز المطالب الشعبية على إلغاء الانتخابات وتشكيل مجلس انتقالي من خارج النظام الحالي.