تتبع الجماعات المتطرفة في مصر استراتيجية للتخفي قبل وبعد تنفيذ عمل إرهابي، وتلتزم بخطط تتشابه في كثير من الأحيان مع نهج معظم الجماعات الإرهابية في المنطقة.
غير أن استراتيجية المتطرفين في مصر لها ما يميزها عن غيرها من الجماعات الإرهابية العالمية، باعتمادها على الاتساع والامتداد الجغرافي، خصوصا في المناطق الصحراوية، وكذلك على الانتشار بين السكان العاديين في المناطق الشعبية والمزدحمة.
وفي الأثناء تواصل السطات والأجهزة الأمنية ملاحقة الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء الدولة، سواء في سيناء أو في المدن والمناطق الشعبية أو في الصحراء الغربية.
وتشكل الصحراء ملاذا للإرهابيين في مصر بعد أن نجحت الأجهزة الأمنية في توجيه ضربة قوية للإرهابيين في سيناء، وتقييد تحركاتهم ومحاصرتهم في المدن.
وكانت بيانات سابقة صدرت عن وزارة الداخلية المصرية تتعلق بالخلايا الإرهابية التي تم ضبطها أو تصفيتها، كشفت عن لجوء جماعات وعناصر إرهابية ومتطرفة للاختباء والتخفي في المناطق الصحراوية في محافظات الصعيد على وجه الخصوص، وتحديدا تلك الواقعة على الطرق الصحراوية.
وتشير البيانات إلى أن هذه الجماعات المتطرفة تتخذ من الجحور والكهوف مخابئ لها، إما هربا من الملاحقات الأمنية المستمرة أو للتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية.
وقال الخبير المصري في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية ماهر فرغلي، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الجماعات الإرهابية تعتمد استراتيجية تتيح توفير الدعم اللوجستي لها من خلال مسؤول التشكيل أو الخلية العنقودية، الذي تقع على عاتقه مسؤولية توفير أماكن وملاذات آمنة للعناصر الشاردة.
وأوضح أن "المجموعة العنقودية تتألف عناصر من محافظات مختلفة، يتم تفريقهم بحيث لا يتعرفوا على بعضهم أو يتعرف عليهم الآخرون، وبالتالي لا يتواجد عنصر من محافظة ما في محافظته، بل يتم توزيعه على محافظة أخرى مختلفة، فمثلا لا يسكن الإرهابي من الإسكندرية في المحافظة ذاتها بل في محافظة المنيا على سبيل المثال، وذلك إمعانا في التخفي".
كما أوضح فرغلي أن الإرهابيين يلجأون أحيانا للتخفي وسط طلاب الجامعات، بالسكن معهم في شقق مستأجرة لإبعاد أعين الأمن عنهم.
الأمر نفسه ينطبق على التخفي بين السكان في المناطق الشعبية، ولهذا السبب يناقش البرلمان المصري قانونا لمنع الإرهابين من الاستفادة من هذه الوسيلة، التي تخلق مشاكل كثيرة لا تقتصر على الإرهاب فقط.
وحول اتخاذ الإرهابيين للصحراء ملاذا لهم، قال فرغلي إن الصحراء الغربية في مصر شاسعة للغاية، وتتميز بوجود الكثير من الطرق الوعرة والملتوية والمناطق الجبلية والكثبان الرملية، كما أنها ممتدة على مسافة طويلة على الحدود مع ليبيا، حيث تتواجد جماعات إرهابية عديدة.
وقال إن الأجهزة الأمنية وجهت ضربة لجماعة إرهابية وقضت عليها بعد أن استقرت في منطقة صحراوية طوال 6 شهور دون أن يعلم عنهم أحدا، مشيرا إلى أن أحد متقفي الأثر أبلغ تلك الأجهزة بوجود غرباء في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى القضاء عليها.
وأشار فرغلي إلى أن الكشف عن الجماعات الإرهابية يتم أيضا من خلال اختراق تلك الجماعات، أو بواسطة اعترافات العناصر الإرهابية التي يتم القبض عليها أثناء التحقيق معهم، لكنه أوضح أن جماعات صغيرة العدد فقط هي التي تسقط في قبضة الأمن، نظرا لاعتماد الجماعات الإرهابية على استراتيجية الخلايا العنقودية، وهي خلايا أو جماعات تكون متفرقة ولا تعرف عن بعضها شيئا في أغلب الأحيان.
وكانت وزارة الداخلية المصرية قد أشارت إلى أنها نجحت في القبض على أعضاء تنظيم إرهابي مستفيدة من اعترافات ومعلومات أدلى بها أحد العناصر بعد القبض عليه.
وأشار أستاذ العلوم السياسية والخبير في الجماعات الإسلامية كمال حبيب، في مداخلته مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى "حزام الخطر حول القاهرة" الذي يتمثل في قرى صفط اللبن وكرداسة وناهيا والجيزة حيث وقع التفجير الإرهابي الأخير، مشيرا إلى أنها أكثر المناطق التي يلجأ إليها الإرهابيون.
وأوضح أنه "بسبب طبيعة تلك المناطق حيث الازدحام والتكدس السكاني وانتشار العشوائيات، فإن الإرهاب ينتشر، خصوصا أن سلطة الأمن أو الدولة تتضاءل وتظهر سلطة الزعامات المحلية".
وتوفر مناطق العشوائيات بيئة خصبة للإرهاب، نظرا لانتشار البطالة والفقر المدقع مع قوة الخطاب الديني المتطرف.
ووصف حبيب المناطق شديدة الفقر والازدحام بأنها مثل "البرك الراكدة التي ينتشر فيها البعوض"، مشيرا إلى أن انتشار الإحباط بين أبناء هذه المناطقة يوفر بيئة "صامتة" على الإرهابيين ومتعاونة معهم بل وقابلة للتجنيد لصالحهم.
وقال إن هذه المناطق ينتشر فيها الإرهابيون حيث يسهل التخفي بين السكان، ومنها يعمل قادة بعض الجماعات الإرهابية على توفير الدعم اللوجستي لعناصر الجماعات وانتقالهم من منطقة إلى أخرى، من سيناء إلى الصحراء الغربية ومحافظات الصعيد على سبيل المثال.
ودعا حبيب إلى أهمية التنسيق والتعاون بين مختلفة الأجهزة الأمنية في الدولة من أجل مكافحة الإرهاب بصورة أكبر.