مع تعرض بعض الدول العربية لأزمات داخلية وصلت إلى حد الصراعات المسلحة، استغلت قوى إقليمية مثل إيران وتركيا هذه الظروف لتوسيع نفوذها والحصول على أقصى المكاسب من حالة الفوضى، وهو ما يدفع الدول العربية الفاعلة إلى البحث عن آلية لمواجهة هذه التدخلات.
وأظهرت التحركات الدبلوماسية العربية الأخيرة نشاطا ملحوظا في التعامل مع التحديات التي تواجه المنطقة، حيث عقد وزراء خارجية 6 دول عربية، هي الإمارات والسعودية ومصر والبحرين والكويت والأردن اجتماعا تشاوريا في منطقة البحر الميت، الخميس، للتنيسق فيما بينها وتحديد أولويات العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة.
وتطل كل من إيران وتركيا كقوتين استفادتا من الاضطرابات في المنطقة العربية لتحقيق أجندة خاصة لكل منهما، وذلك على حساب الدول العربية التي وجدت نفسها أمام موجة عالية من التدخلات في شؤونها.
فوضى 2011
ويقول المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، هاني سليمان، لسكاي نيوز عربية إن التدخلات الإيرانية والتركية تفاقمت بعد عام 2011 على وجه الخصوص، مستفيدة من انشغال الدول العربية مع الحراك الاحتجاجي الذي انقلب لفوضى وصلت إلى حد النزاعات المسلحة.
لكن لماذا تشكل إيران وتركيا تهديدا متناميا للأمن القومي العربي؟ بحسب سليمان، تمتلك كل من طهران وأنقرة مشروعا مبنيا على استعادة الأمجاد التاريخية مثل الدولة الفارسية والدولة العثمانية، وكلاهما قامتا وتوسعتا على حساب الوجود العربي.
ويقول الباحث الاستراتيجي: "كلا المشروعين استمد بقاءه من محاولة إنهاء الوجود العربي أو تقزيمه".
وبينما تعيث ميليشيات إيرانية الخراب في كل من سوريا واليمن ولبنان إضافة إلى محاولات لضرب استقرار البحرين عن طريق خلايا إرهابية، ينتشر الجنود الأتراك في الشمال السوري وقد اختطفت أنقرة المعارضة السورية المسلحة للعمل لحسابها في مواجهة الجماعات الكردية.
وفي الخليج العربي، ينتشر آلاف الجنود الأتراك في قطر بذريعة حماية النظام هناك من أخطار غير محددة.
وأمام هذا الواقع المهدد لاستقرار المنطقة، تبرز الحاجة إلى تحرك عربي فاعل يعيد التوازن إلى الإقليم، الذي عاني من النزاعات المسلحة والتدخلات الخارجية.
قوة عربية
ويقول سليمان إن تشكيل كيان عربي مؤسسي ذو ذراع عسكري سيكون محل ترحيب دولي وشعبي يمكنه من لعب دور جاد في قطع الطريق على محاولات التدخل الخارجية.
ويوضح سليمان أن "قوة عسكرية عربية" بأهداف محددة مثل فض المنازعات ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود، ستمثل نواة لعمل عربي يعيد التوازن المفقود في المنطقة ويملأ الفراغ الذي استغلته قوى أخرى مثل إيران وتركيا.
واعتبر سليمان أن بعض المعوقات المؤسسية في جامعة الدول العربية ستمثل تحديا، مثل القرارات التي يجب أن تؤخذ بالإجماع لا الأكثرية أو فتح بعض الدول أبوابها أمام التدخلات مثل قطر التي استعانت بالجيش التركي وفتحت خطا ساخنا غير منقطع مع إيران والحرس الثوري.
لكن هذه المعوقات يمكن تجاوزها إذا قررت الدول العربية الفاعلة في الوصول إلى تكوين نواة تحظى بدعم دولي في الوقت الراهن.
وأشار إلى أن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الذي أثبت نجاح التنسيق العربي على المستوى العسكري، يمكن أن يكون نموذجا يحتذى به في أي تحرك جديد.
واستطاعت قوات درع الجزيرة عام 2011 في التعامل مع اضطرابات مدعومة من إيران داخل البحرين، وهو ما أدى إلى استتاب الأمن هناك.
ويقول سليمان:" كانت قوات درع الجزيرة محل ترحيب شعبي.. وأعتقد أن أي قوات عربية خالصة بأهداف محددة ستكون الأكثر قدرة على العمل في المناطق العربية".
رادع قوي
ويرى الخبير الخبير الأمني والإستراتيجي، عصام ملكاوي، أنه يتعين على الدول العربية تكوين قوة جديدة موازية للقوى الخارجية، قائلا:" نحن أمام إعادة تموضع جديد للقوى في الشرق الأوسط.. وكلما كان العرب قادرون على إثبات الذات في هذا المجال، كلما أدى ذلك إلى تراجع القوى الأجنبية".
ويمثل النطاق الجغرافي لقوة عربية جديدة في غاية الأهمية، كونه ينبع من أهدافها، وبحسب ملكاوي، فإنه يمكن نشر قوات عربية على الحدود الأردنية السورية العراقية لمكافحة الإرهاب وحماية الحدود، بالإضافة إلى دعم وتعزيز القوات الكويتية والبحرينية في مواجهة التهديدات المختلفة، ونشر قوات في اليمن للحفاظ على الاستقرار بعد التوصل لاتفاق نهائي هناك، والاستجابة لأي متطلبات داخل نطاق عمل هذه القوات وبالتوافق مع الحكومات الشرعية في البلدان التي تحتاج إلى دعم.
ويقول ملكاوي إن التحرك العربي في هذا الاتجاه بحاجة إلى عقد العديد من اجتماعات التنسيق من أجل الوصول إلى كيان رادع للأطماع الخارجية.
ويضيف: "التجربة أثبتت أن بلدا مثل إيران وما تمثله من ضرر في الإقليم، لا تفهم سوى لغة القوة.. لا نسعى للصدام لكن وجد رادع هو أمر مهم وسيوصل الرسالة".