فتحت الإمارات العربية المتحدة أبوابها لزيارة تاريخية مشتركة لكل من البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وشيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، في خطوة تجسد الدور الرائد الذي تؤديه الدولة كعاصمة عالمية للتسامح والأخوة الإنسانية.

وهذه الزيارة، التي تأتي تلبية لدعوة ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، هي الأولى للبابا فرنسيس إلى منطقة الخليج العربي، وتتزامن، للمرة الأولى في العالم أيضا، مع زيارة أخرى لرمز ديني كبير بحجم فضيلة الإمام الأكبر.

والإمام الأكبر رئيس مجلس حكماء المسلمين، والحبر الأعظم بابا الكنيسة الكاثوليكية، ليسا رجلين عاديين، فهما أكبر مرجعيتين دينيتين في العالم، ورمزا الإسلام والمسيحية، إضافة إلى أنهما رجلا سلام ينبذان التطرف الديني ويدعوان للانفتاح والحوار واحترام الآخر.

وكان الشيخ والبابا تعانقا في عام 2017، في العاصمة المصرية القاهرة، بعد مشاركتهما في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، ليصبح عناقهما عناق الإنسانية والتآخي.

وفي الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالمي للسلام، قال البابا فرنسيس في كلمته إنه "لا سلام من دون تعليم الشباب احترام الآخر والانفتاح على الحوار البناء، ومستقبل البشرية قائم على الحوار بين الأديان والثقافات"، مضيفا أن "الحوار بين الأديان أصبح ضرورة ملحة للتوصل إلى السلام ومواجهة الخلافات".

من جهته، شدد شيخ الأزهر على ضرورة العمل على تنقية صورة الأديان مما علق بها من فهم مغلوط وتدين كاذب، مضيفا: "يجب العمل لإظهار قيمة السلام والتراحم بين الشعوب كافة".

أخبار ذات صلة

بابا الفقراء والسلام.. مواقف إنسانية مؤثرة

وكان أول لقاء بين الرمزين الدينيين في الفاتيكان، عندما استقبل البابا فرنسيس أحمد الطيب في الثالث والعشرين من مايو 2016، ليصبح هذا اللقاء هو الأول بين حبر أعظم وشيخ للأزهر.

وأعلن الشيخ والبابا إثر هذا اللقاء عن عودة الحوار بين الأديان مجددا، بعد قطيعة استمرت 5 سنوات، وتحديدا بعد قطع العلاقات بين الأزهر والفاتيكان في عام 2011، بعد لغط من البابا السابق بشأن الإسلام.

وهناك قواسم مشتركة عديدة تجمع الرمزين الدينيين، تجعلهما يعملان معا من أجل تنسيق الجهود لترسيخ قيم السلام، ونشر ثقافة الحوار، وقيم التسامح والتعايش بين الشعوب، وحماية الإنسان من التطرف والعنف والعوز والمرض.

من هذه القواسم المشتركة أن خلفيتهما بنيت منذ صغر سنهما على مساعدة الفقراء والمحتاجين، ومد يد العون لكل للعوزين والمظلومين، إلى جانب أنه جمعتهما دراسة العقيدة والفلسفة قبل أن تجمعهما الأعباء الدينية، إضافة إلى رسالتهما المشتركة في نشر السلم والسلام العالمي والتسامح والحوار الهادف.

ومن ناحية التحصيل العلمي، حصل الطيب على شهادة البكالوريوس في دراسات العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين بالأزهر، ثم درس فلسفة الأديان في جامعة السوربون بفرنسا، وبعدها حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة والعقيدة من جامعة الأزهر.

أخبار ذات صلة

الإمارات تستعد لزيارة البابا وشيخ الأزهر
البابا في المسجد وشيخ الأزهر بالكنيسة.. "حدث نادر" في مصر

وفي المقابل، حصل البابا خورخي ماريو بيرغوليو (فرنسيس الأول) على شهادة الدبلوم في الكيمياء لكنه انضم لاحقا إلى السلك الكهنوتي، ليلتحق بعدها بقسم الدراسات الإنسانية في تشيلي، قبل أن يحصل على بكالوريوس في الفلسفة من الأرجنتين، وآخر في اللاهوت، ثم أكمل دراساته العليا، فحصل على الدكتوراه في اللاهوت أيضا.

وعمل كل من أحمد الطيب والبابا فرنسيس في مجال التدريس قبل أن يتوليا رئاسة أكبر مؤسستين دينيتين في العالم، حيث تولى الأول رئاسة الأزهر، بينما أصبح الثاني رئيسا للفاتيكان.

ومنذ تولى أحمد الطيب مهام شيخ الأزهر، عمل بكل طاقته على الأخذ بالأزهر نحو آفاق التجديد والإصلاح، بينما دخلت الكنيسة في عهد البابا فرنسيس عصرا جديدا (عدا عن كونه أول من يشغل هذا المنصب من قارة أميركا اللاتينية)، حيث تخلى عن التقاليد البابوية السابقة، مثل الصليب الذهبي الذي حمله سابقوه والثوب الأحمر التقليدي.

يشار إلى أن أحمد الطيب يرأس أيضا مجلس حكماء المسلمين، الذي يتخذ من أبوظبي مقرا له، وهو هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تحقيق السلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتشرذم ومحاربة الطائفية.