أحدث بدء الولايات المتحدة في سحب 10 آليات مدرعة من سوريا، تضاربا كبيرا في رؤى الأطراف المختلفة له، في الوقت الذي لا يزال فيه التوتر متصاعدا على الأرض بين تركيا والأكراد.
وأكد الناطق باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة شون راين، أن عملية انسحاب القوات الأميركية من سوريا بدأت بالفعل، وأوضح في رد على رسالة من "سكاي نيوز عربية": "بدأت قوة المهام المشتركة -عملية العزم الصلب- عملية انسحابنا المدروسة من سوريا"، في إشارة إلى التحالف ضد تنظيم "داعش"، رافضا إعطاء تفاصيل تتعلق بالجدول الزمني للعملية والمواقع أو تحركات الجنود "لأسباب أمنية".
لكن مسؤولا في وزارة الدفاع الأميركية نفى سحب أي جنود من سوريا، مضيفا: "قمنا بسحب بعض المعدات العسكرية"، حسبما أوردت وكالة "أسوشيتد برس".
وكانت مصادر ميدانية قد تحدثت عن انسحاب دفعة تتألف من 150 عسكريا أميركيا مع مدرعاتهم، من ريف الحسكة الشمالي الشرقي.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه حصل على معلومات ميدانية من نحو 10 مصادر مختلفة، بأن 150 عنصرا من القوات الأميركية العاملة ضمن عملية "العزم الصلب"، قد تحركوا من ريف الحسكة الشمالي الشرقي إلى داخل الحدود العراقية.
وقال عبد الرحمن إن القوات مؤلقة من 10 آليات مع فرق لهندسة الألغام، وانسحبت من قاعدة رميلان العسكرية التي تضم مهبطا للطائرات المروحية.
ونقل المرصد عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن عمليات انسحاب مماثلة من المرتقب أن تجري خلال الأيام والأسابيع المقبلة، على شكل مجموعات صغيرة بشكل متتال، من عدة قواعد ومواقع للقوات الأميركية في شرق نهر الفرات.
بالون الاختبار وخيارات الأكراد
واعتبر الكاتب الصحفي الكردي رستم محمود أن الانسحاب الاميركي "ليس انسحابا تاما"، موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "واشنطن تتحسب لوجود قوى على الأرض بينها توتر كبير مثل الأكراد والجيش التركي".
وأضاف أنه "ليس الانسحاب الذي وعد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بداية الأمر. أنا أعتقد أنه بالون اختبار لكافة الأطراف على الأرض".
وينهي هذا الانسحاب الذي "خلط الأوراق ميدانيا"، المرحلة المريحة للأكراد الذين كانوا يعتمدون على الولايات المتحدة في حمايتهم، لذا فهم مطالبون بالدخول في تفاصيل إعادة التوازن والتمييز بين الخيارات السيئة بين الخضوع للنظام في دمشق أو الدخول في معركة غير متكافئة مع تركيا.
وكان ترامب قد أعلن الشهر الماضي، عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا، البالغ قوامها 2000 فرد، وهو ما فاجأ الحلفاء الذين انضموا إلى واشنطن في قتال "داعش" في سوريا.
واستغلت تركيا قرار الانسحاب الأميركي في التحضير لشن حملة عسكرية ضد القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، لكن تراجع واشنطن عن الانسحاب السريع واستبداله بعملية مدروسة، أحدث توترا مع أنقرة، مع تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن حماية الأكراد ستكون شرطا مسبقا للانسحاب الأميركي.
واعتبر مدير المرصد السوري أن التحركات الأميركية على الأرض تجري بدون "أي تفاهم مع الأتراك".
وبحسب الصحفي في شبكة "فرات بوست" صهيب جاسم، فإن الخلافات بين أنقرة وواشنطن لم تؤثر على خطط كليهما في سوريا.
وفي ذات الوقت، تواصل تركيا تعزيزاتها العسكرية على خطوط التماس في الشمال السوري، حيث قال جاسم:" قبل 24 ساعة، وصلت تعزيزات عسكرية تركية إلى مناطق رأس العين وأخرى عند مدخل منبج ومحيطها".
موسكو والخيار الصعب
وشككت روسيا، التي كانت قد رحبت بقرار ترامب في البداية، في عملية الانسحاب الأميركي، قائله إن لديها انطباعا بأن الولايات المتحدة تريد البقاء في سوريا برغم الإعلان عن سحب القوات، بحسب متحدثة رسمية.
واعتبر المحلل الروسي يفغيني سيديروف في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الأميركيين لا يريدون تكليف أنفسهم عناء التنسيق مع الجانب الروسي، مشيرا إلى أنهم لن يفصحوا عن أهدافهم الحقيقة إلا بعد تنفيذها على الأرض.
واعتبر أن الانسحاب الأميركي وضع روسيا أمام خيارات صعبة، فـ"إذا وافقت موسكو على عملية عسكرية تركية في شمال شرق سوريا، فإنها ستخاطر بعلاقاتها مع النظام السوري والأكراد".
و"العكس صحيح أيضا بالنسبة لروسيا، فإذا عارضت موسكو التحركات التركية، فإن العلاقات مع أنقرة ستكون عرضة للتوتر"، بحسب سيديروف الذي قال:" موسكو مطالبة بإرضاء كافة الأطراف، وهو موقف صعب".
وترغب روسيا في نشر قوات النظام السوري في المناطق التي ستنسحب منها واشنطن، في وقت تميل الجماعات الكردية التي تسيطر على شمال سوريا إلى هذا الخيار، أملا في حمايتها من أي هجوم تركي محتمل.