من عفرين إلى منبج، تواصل تركيا عملياتها العسكرية العابرة لحدودها، وتهدد بتوسيع "غزواتها" شرقا إلى نهر الفرات في سوريا، في ظل صمت روسي "استراتيجي"، تحلله صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وترجعه إلى أن التحركات التركية تخدم في نهاية المطاف المصالح الروسية.. كيف؟
في أواخر ديسمبر، زار وفد تركي رفيع المستوى روسيا لمناقشة الترتيبات العسكرية والدبلوماسية في سوريا بعد قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من البلاد التي مزقتها الحرب. ومن بين هؤلاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والمستشار الرئاسي إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس المخابرات هاكان فيدان.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بعد الاجتماع: "روسيا وتركيا لديهما دور حاسم في حل الصراع في سوريا". من المثير للاهتمام أنه لم يذكر إيران كشريك في التحركات الدبلوماسية التي تخطط لها روسيا.
تظهر قائمة بالمحادثات الهاتفية التي أجراها بوتن مع القادة الإقليميين في عام 2018 أنه تحدث إلى أردوغان 18 مرة على الأقل، مقارنة بمحادثة واحدة فقط مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، و10 محادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وفي الشهر الماضي، تم افتتاح الجزء البحري من خط أنابيب "ترك ستريم" لنقل الغاز من روسيا إلى تركيا (الذي سيمتد لاحقا إلى أوروبا). كما رفعت روسيا مؤخرا الحظر المفروض على واردات الطماطم التركية، الذي فرضته إلى جانب عقوبات قاسية أخرى بعد أن أسقطت أنقرة طائرة روسية في المجال الجوي التركي في نوفمبر 2015.
لم تتدخل روسيا في احتلال تركيا لمدينة عفرين الكردية في شمال سوريا. وعندما هددت تركيا بتوسيع غزواتها شرقا إلى نهر الفرات، ظلت روسيا صامتة، وذلك على النقيض من واشنطن التي طالبت بأن يؤجل أردوغان الخطة.
في الوقت الراهن، أجل أردوغان خططه لشن هجوم على الأكراد في شمال شرق سوريا، حتى أنه أعلن "إذا غادر الإرهابيون مدينة منبج، فلن يكون لدى تركيا سببا لشن هجوم في هذه المنطقة". قال أيضا إن "الإرهابيين" هم المقاتلون الأكراد الذين استولوا على المدينة في عام 2016 كجزء من حربهم، جنبا إلى جنب مع أميركا، ضد تنظيم داعش.
ويزعم أردوغان أن واشنطن وعدت بأن الأكراد سينسحبون من المدينة بعد الاستيلاء عليها من قبضة داعش، أو على الأقل أنها ستجمع الأسلحة الثقيلة التي أعطتها للأكراد لاستخدامها في الهجوم. لكن حتى الآن، يسيطر الأكراد على المدينة، لذا لا يزال تهديد أردوغان بمهاجمتها ساريا.
تقول "هاآرتس" إن هذا الخلاف بين تركيا وأميركا بشأن دعم الأخيرة للأكراد ساعد روسيا. وإلى جانب قرار ترامب بالانسحاب الأميركي من سوريا، طلب بعض القادة الأكراد المساعدة والحماية من الجيش السوري ضد هجوم تركيا.
لم يتردد الرئيس السوري بشار الأسد، فسارعت حكومته في نشر صور لجنود سوريين يقومون بدوريات حول منبج.
تدعي تركيا أن الصور ليست للمدينة نفسها، بل لمحيطها، وأن الجنود لم يدخلوا في الواقع منبج. لكن سواء كانت الصور حقيقية أم لا، فإن حقيقة أن الأكراد ناشدوا سوريا تظهر أنه حتى لو بقيت القوات الأميركية هناك لمدة أربعة أشهر أخرى، فإن ذلك لن يكفي لتهدئة الأكراد أو تغيير موقفهم من نظام الأسد.
وبالتالي فإن التهديد التركي للأكراد يخدم هدف روسيا، وهو أن يستعيد نظام الأسد السيطرة على كل سوريا. وفي نفس الوقت، تتشارك أنقرة وموسكو في هدف "سوريا موحدة" بدلا من بلد يتألف من كانتونات أو دولة اتحادية مثل العراق، حيث يتمتع الأكراد بالحكم الذاتي.
ومن أجل حماية، طويلة الأجل، لمصالح تركيا، سيتعين على أردوغان تغيير موقفه من الأسد. سيضطر إلى الاعتراف بالأسد كحاكم لسوريا، وتوقيع اتفاقات عسكرية معه لضمان عدم تمكن الأكراد من إقامة منطقة حكم ذاتي تهدده.
والشخص الوحيد الذي يمكنه ضمان مثل هذا الاتفاق هو بوتن، وبوتن لا يقدم أي شيء مجانا. من المرجح أن يكون اعتراف تركيا بالأسد واستئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية الخطوة الأولى التي تطالب بها روسيا.