قبل تشكيل حكومة إقليم كردستان المقرر خلال شهر نوفمبر الجاري، تتقاطع الآراء ووجهات النظر في أوساط النخب الثقافية والسياسية وكذلك الشعبية، بخصوص إمكانية وقدرة الحكومة المقبلة على حلحلة المشاكل التي يعانيها الإقليم.
وعاش كردستان العراق معضلات سياسية واقتصادية واجتماعية عويصة، منذ انبثاق الكيان السياسي الكردي الحالي عام 1992، تفاقمت على نحو مخيف خلال السنوات الأربع الأخيرة من عمر الحكومة، التي مرت بواحدة من أحلك مراحلها، ممثلة بالحرب ضد تنظيم "داعش" تزامنا مع أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة قطع بغداد لحصة الإقليم من الموازنة العامة للدولة العراقية.
ومعظم من استطلعت "سكاي نيوز عربية" آراءهم، يرون أن المشاكل السياسية التي هي مصدر المعضلات الاقتصادية، سببها الخلافات المتفاقمة بين الحزبين الرئيسيين الغريمين والشريكين اللدودين في إدارة الإقليم منذ نحو 3 عقود.
وكانت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في الإقليم نهاية سبتمبر الماضي، قد أظهرت فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ45 مقعدا، ومنافسه الاتحاد الوطني بـ21 مقعدا.
ويعتقد المستشار الأقدم في برلمان إقليم كردستان، مجيد صالح، أن الحزبين الحاكمين "يهتمان في المقام الأول بمصالحهما الحزبية"، وأن "صراعهما المستميت لكسب المزيد"، هو أساس الخلافات المتجذرة بينهما في مختلف المجالات.
يبقى الوضع على ما هو عليه
وأضاف صالح: "تفاقمت الخلافات بين الحزبين مؤخرا إثر اختلاف مواقفهما بشأن منصب رئيس الجمهورية، وهذا مؤشر قوي على أن مشاكل الإقليم مع بغداد ستبقى على حالها في ظل استمرار الخلافات بين الحزبين المنشغلين بجني المكاسب السياسية على حساب المصالح القومية للشعب الكردي".
وفيما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية المستفحلة في الإقليم، يقول صالح: "ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية مؤخرا يمثل فرصة ذهبية للحزبين الحاكمين لحل ولو جانب من المشاكل الاقتصادية، إذا التزما معايير الشفافية في تصدير النفط وعائداته، لا سيما أنهما متفقان بخصوص عملية التصدير وتقاسم عائداته".
ويرى آخرون أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني الحاصل على 45 مقعدا في برلمان الإقليم المؤلف من 111 مقعدا، الذي بموجبه ينبغي له تشكيل حكومة أغلبية، سيسعى جاهدا لمعالجة جانب كبير من المشاكل والمعضلات الاقتصادية والإدارية التي يعانيها الإقليم، لكي يوحي للرأي العام بأن السبب الأساس في بروز تلك المشكلات، هو المشاركة السلبية لبعض القوى السياسية في الحكومة السابقة.
ويقول الصحفي في القسم الكردي بإذاعة صوت أميركا دلشاد أنور، لـ"سكاي نيوز عربية": "في اعتقادي أن الحزب الديمقراطي ومن واقع كونه الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان، سيعمل على تمرير مجموعة من مشروعات القوانين المعطلة منذ الدورة السابقة، وبالشكل الذي يخدم مصالحه بالدرجة الأولى، لكنه سيبقى يواجه ذات المشاكل السابقة في نطاق محافظة السليمانية".
تشاؤم
أما بخصوص مشكلة رواتب الموظفين، التي عجزت الحكومة السابقة عن دفعها بشكل منتظم خلال السنوات الأربع الماضية رغم خفضها بنسبة 70 بالمائة، فيري أنور أن معالجة هذه المعضلة، تتوقف أساسا على مدى قدرة حكومة الإقليم والحزب الديمقراطي الحاكم، على حلحلة خلافاتهما مع السلطات الاتحادية في بغداد، لأن "حصة الإقليم المالية حُجبت منذ نحو 5 سنوات بسبب عدم توصل الجانبين إلى حلول لتلك الملفات الشائكة والعالقة بينهما".
إلا أن الشارع الكردي يبدو غير متفائل بالمرة حيال الحكومة المقبلة، التي يصفها الكثيرون بـ"النسخة المستنسخة" من الحكومة السالفة.
ويقول شيرزاد كارواني، عامل الكهرباء صاحب الـ53 عاما: "أي حكومة يشكلها الحزبان التقليديان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، ستفتقر إلى العدالة والإنصاف، لأن كلا الحزبين يضعان مصالحهما الذاتية فوق كل الاعتبارات الأخرى".
وأضاف كارواني لـ"سكاي نيوز عربية": "الدليل على ذلك أن موظفي الإقليم لم يقبضوا رواتب شهر أغسطس حتى الآن، بسبب ما تصفه الحكومة بالعجز المالي، في حين نواب البرلمان من الدورة المنتهية قبل أيام استلم كل واحد منهم 33 ألف دولار نقدا، وأحيلوا إلى التقاعد بمرتب شهري قيمته 5 آلاف دولار، وهذه إشارة واضحة جدا على أن الحزبين يسخران أموال الشعب لتدعيم ركائزهما ورعاية أتباعهما دون أفراد الشعب، وخصوصا أبناء الشرائح الفقيرة".