نالت المرأة المغربية حقوقا شتى خلال العقدين الأخيرين؛ سواء تعلق الأمر بمنح الجنسية للأبناء أو بفرض قيود على تعدد الزوجات، لكن نشطاء ومثقفين يرون أن المسيرة لاتزال تستدعي خطوات إضافية حتى وإن كانت بعض الأصوات المحافظة تبدي توجسا إزاء هذا التغييرات المتلاحقة.

ويعتبر الساسة المغاربة مدونة الأسرة التي جرى إقرارها سنة 2004 بمثابة الخطوة الأهم لتعزيز حقوق المرأة؛ فبموجب هذا التشريع لم يعد بوسع الرجل أن يتزوج لمرة ثانية أو أكثر إلا بعد تقديم عذر وجيه أمام المحكمة كما أن التعدد صار رهينا بعدة شروط مثل موقف الزوجة الأولى وإمكانيات الرجل المادية.

موازاة مع ذلك، تم تسهيل إجراءات الزواج أمام المرأة فصار بوسع من تبلغ 18 سنة أن تعقد القران دون حاجة إلى وصي، وفي المنحى نفسه فُرضت قيود على زواج القاصرات لأجل مكافحة معضلات اجتماعية من قبيل انقطاع الفتيات عن الدراسة وتفاقم مشاكل صحية بسبب العلاقة الجنسية والولادة المبكرتين.

وفي 2007، أجرى المغرب تعديلا قانونيا أتاح منح الجنسية لأبناء المغربيات المولودين من أجانب، ويشير وزراء ومسؤولون مغاربة في الوقت الحالي إلى ضرورة المضي قدما من خلال إجراء تعديل ثان يتيح للمغربية أن تخول زوجها الأجنبي نيل الجنسية على اعتبار أن الرجل المغربي يخول لزوجته الأجنبية نيل الجنسية المغربية.

وعام 2014، ألغى المغرب فقرة مثيرة من الفصل 475 من القانون الجنائي الذي كان يعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج بضحيته، وأثارت هذه المادة جدلا واسعا بعد انتحار فتاة تسمى أمينة الفيلالي (16 عاما) عن طريق تناول سم الفئران إثر إجبارها على الزواج من شخص قام باغتصابها.

واعتبرت منظمات مدافعة عن حقوق المرأة الفقرة التي تسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته بمثابة عنف ضد المرأة، على اعتبار أن بعض الأسر تلجأ إليه لأجل طمس حوادث الاعتداء الجنسي حتى وإن جرى ذلك على حساب التوازن النفسي للمرأة التي ستضطر إلى العيش مع الوحش الذي قام بنهشها وتعنيفها.

وعلى المستوى السياسي، ينص القانون في المغرب على تخصيص 60 مقعدا للنساء في إطار ما يعرفُ بـ"التمييز الإيجابي"، لكن المرأة تستطيع الترشيح في قوائم عادية إلى جانب الرجال، وبفضل هذا التغيير، وصلت 80 امرأة إلى مجلس النواب الذي يضم في المجمل 359 مقعدا بعد إقرار دستور 2011.

ويرى منتقدو هذه الصيغة الانتخابية أنها تجعل النساء معتمدات على ريع محسوم وبالتالي فهن لا يخضن غمار السياسة لإقناع الناخبين بمشاريع مجتمعية، فيما يفترض أن تكون هذه الكوتا بمثابة إجراء مؤقت يعبد الطريق أمام وصول النساء للبرلمان عن جدارة وتنافس حقيقين.

تحديات وجدل

تشغل عدة نساء حقائب وزارية في الحكومة المغربية، خلال الوقت الحالي، كما تتولى أخريات مناصب كبرى في الداخلية والقضاء والديبلوماسية لكن النقاش الدائر بشأن حقوق المرأة في المغرب ما زال يخوض في عدد من القضايا الشائكة مثل المساواة في الإرث وحق المغربية في الزواج من غير المسلم.

ويخضع هذا النقاش حول المرأة لتجاذب ثلتين اثنتين في المجتمع المغربي؛ ثلة ترى أن المغرب تعهد باحترام حقوق الإنسان في ضوء المتعارف كونيا وبالتالي فمن الأولى أن يكون السمو للمواثيق الدولية التي تلغي كافة الفروق بين الرجل والمرأة، لكن الثلة الأخرى تشير إلى تنصيص دستور المغرب على كون المملكة بلدا إسلاميا وبالتالي، لا مجال لإعمال المعاهدات دون الالتفات إلى خصوصية المجتمع.

لكن هذا الحديث عن خصوصية المجتمع لا تسلم من الانتقادات فالرافضون "الحداثيون" يقولون إن مدونة المرأة نفسها واجهت الانتقادات في البداية بسبب مضامينها المتقدمة، ومع ذلك، خفتت الأصوات الناقمة على التشريع حين أصبح أمرا واقعا حتى وإن كانت بعض المشاكل الأسرية ما تزال قائمة حتى يومنا هذا مثل زواج القاصرات.

ويقول المتريثون إن التغيير المطلوب لن يتحقق بين عشية وضحاها ما لم تحصل نقلة نوعية على مستوى عقلية المجتمع في نظره إلى المرأة، فقبل عقود قليلة، كانت الفتاة المغربية في البوادي تواجه عراقيل حين تهم بدخول المدرسة لكن كثيرات أضحين يتابعن الدراسة حتى المرحلة الجامعية في يومنا هذا، ويقول أنصار هذا الطرح إن "العلاج بالصدمة" قد يؤدي إلى نتائج عكسية لأن من شأن فرض "تشريعات" أن يثير ردود فعل ناقمة.

أما على الصعيد السياسي، فيقول منتقدو "الكوتا" إن ضعف تمثيل النساء بالبرلمان ناجم عن عدم التصويت لهن في الشارع، أما القانون فيسمح للمرأة بأن تقدم ترشحها بصورة عادية، وما قيل عن نسبة النساء في المؤسسة التشريعية ينطبق أيضا على برلمانات كثيرة في العالم إذ ما تزال النساء أقلية في هذه المؤسسة التمثيلية في أكثر الأحيان.

وتتُهم أصوات من "الإسلام السياسي" بالركوب على قضايا المرأة لأجل كسب شعبية في الشارع، وهنا يستحضر المجتمع المغربي مسيرة ضخمة خرجت بمدينة الدار البيضاء، أكبر مدن البلاد، في الثاني عشر من مارس 2000 احتجاجا على "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" وفي المقابل، خرجت في العاصمة الرباط وقتئذ حشود أخرى تدافع عن إنصاف المرأة.

السيدة الحرة

وتعزف تنظيمات "الإسلام السياسي" في الغالب على وتر قضايا المرأة لأجل تهويل الخطر المحدق بالهوية فيما تقول ثلة واسعة من المغاربة إن المرأة اضطلعت دائما بدور كبير في تاريخ البلاد.

وحكمت امرأة تسمى السيدة الحرة منطقة تطوان وشفشاون في شمال المغرب قبل خمسة قرون، أما النكوص الذي حصل في فترة لاحقة فيجري العمل على جبره في اللحظة الراهنة ولن تحول الأصوات المحافظة دون تحققه.