من مَنفذ إلى مُصدّر إلى مُنتِج، هكذا تحول العراق على أيدي ميليشيات تنتشر عبر أركانه، مستفيدة من الثغرات الواسعة للحدود المفتوحة مع إيران، ومستغلة نفوذها وسطوتها التي لا تستطيع القوى الأمنية مضاهاتها.
باتت المخدرات مصدر تمويل للعديد من الأحزاب وميليشياتها، لما تدره من أموال ضخمة، منذ تحول العراق إلى منطقة عبور لمخدرات إيران، تمهيدا لتصديرها إلى الدول المجاورة.
وإذا كانت المرجعية المستقرة في طهران تعطي الكارت الأخضر لهذه العمليات من أجل تمويل عمليات الحرس الثوري الإيراني، فلماذا لا تتبع الميليشيات التي أعلنت ولاءها لإيران ومرشدها علي خامنئي النهج ذاته؟
هكذا تحول العراق تدريجيا إلى مخزن للمخدرات الإيرانية، بعدما باتت عناصر الميليشيات تسيطر بشكل شبه كامل على الحدود الجنوبية الشرقية المفتوحة مع إيران.
يقول الباحث في الشأن العراقي فهران الصديد لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الميليشيات "النافذة" تنقل المخدرات من إيران للعراق، وتحاول أن تصدرها لدول الخليج.
وأضاف: "المخدرات تصل من إيران في سيارات تتمتع بحماية خاصة، لتستقر في مخازن شديدة الحراسة".
وأشار الصديد تحديدا إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وميليشيات "منظمة بدر" المرتبطة به، قائلا إنهما ضالعان في تجارة المخدرات، ويملكان مراكز ومخازن من أجل ذلك.
و"تجنبا لتعرضهم للاختطاف أو القتل، أصبح تجار المخدرات الذين يسيطرون على السوق يتعاونون مع الميليشيات وينسقون معا عمليات التهريب في جنوب العراق والعاصمة بغداد".
أين تزرع المخدرات؟
لكن التحول الحقيقي في ثروة الميليشيات من المخدرات بدأ بعد تمكنها من تحرير المناطق العراقية من قبضة تنظيم داعش عام 2017، أي حين بلغت سطوة هذه الميليشيات مداها.
يقول مدير إحدى المؤسسات الحقوقية في بغداد، مشترطا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "على خطى الميليشيات اللبنانية انتقلت تجربة الإتجار في المخدرات إلى العراق عبر الجماعات التي تحظى بعلاقة وثيقة بحزب الله".
وأضاف: "بعد تحرير المناطق من تنظيم داعش، توسعت هذه الميليشيات في زراعة المخدرات بالمناطق الخاضعة لسيطرتها".
ومن أجل إتمام نجاح هذه العملية اعتمدت الميليشيات "على شخصيات لبنانية وإيرانية في هذا المجال، تهرب المخدرات إلى التجار".
وأشار المصدر الحقوقي إلى أبرز القلاع التي تمتلكها الميليشيات من أجل زراعة المخدرات، قائلا إنها تقع في "محافظة صلاح الدين، تحديدا بين مدينتي تكريت وسامراء".
وبحسب المصدر، تجني الميليشيات أموالا طائلة "تغنيها عن التمويل من الخارج"، مشيرا إلى عصائب أهل الحق وكتائب الإمام علي وكتائب حزب الله، باعتبارها من الفصائل الناشطة في هذا المجال.
وعام 2016، نقل التجار الجدد بضاعتهم إلى ساحة البرلمان، فتحدث عضو مجلس النواب العراقي فائق الشيخ علي خلال مؤتمر صحفي، عن اقتراح أحزاب تمتلك ميليشيات تتاجر في المخدرات تشريعا لحظر الخمور.
وأرجع البرلماني أسباب هذا الاقتراح التشريعي الغامض في وقت كانت تعاني فيه البلاد من مشاكل جمة، لاسيما محاربة داعش، إلى الخوف "من منافسة تجارة الكحوليات للخشخاش الذي يزرع في جنوب العراق، والحبوب المخدرة المستوردة من إيران".
وفي 17 سبتمبر الماضي، أصدرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان بيانا قالت فيه إن العراق أصبح سوقا "رائجا" لبيع وتعاطي المخدرات، خصوصا بين فئة الشباب من الجنسين، بعدما كان فقط طريقا لمرور تلك السموم.
وعزا التقرير ارتفاع معدلات البيع والتعاطي إلى عوامل اقتصادية واجتماعية وأمنية، لكنه لم يتطرق إلى تفاصيل موسعة بشأن تأثير هذه العوامل.
وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي، الذي أصدر البيان، أن عامي 2017 و2018 شهدا ارتفاعا ملحوظا في نسبة تعاطي المخدرات وترويجها وبيعها.
وأضاف الغراوي في بيانه، أن المفوضية لاحظت تنوعا جديدا في استخدام هذه المخدرات، "فبعد أن كانت مقتصرة على الأفيون والحشيش، أصبح هناك العديد من الأنواع وبأسعار متفاوتة".
تواطؤ أمني
ومن المرجح أن تكون القوات الأمنية العراقية على علم بهذه التجارة أيضا، "لكنها لا تتمكن من الوصول إلى مناطق زراعة المخدرات"، بالنظر إلى زيادة نفوذ الميليشيات والاعتراف الرسمي بها في إطار قانون مؤسسة الحشد الشعبي، بحسب ما قاله نفس المصدر الحقوقي السابق الذي تحدث إلينا.
ويدعم الباحث فهران الصديد حديث المصدر الحقوقي، قائلا: "بعض الجهات الأمنية ليست على علم بذلك فحسب، بل تسهل عملية نقل المخدرات".
وفي وقت مبكر من العام الحالي، اعتقلت الأجهزة الأمنية أفراد عصابة تتاجر بالمخدرات في بغداد، كان من بينهم الضابط في جهاز المخابرات جواد الياسري، ونجل محافظ النجف لؤي الياسري، أحد قيادات حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي.