مع دخول الحرب في سوريا مراحلها النهائية، بدأت معركة جديدة في الظهور طرفاها روسيا وإيران، اللتان دعمتا نظام الرئيس بشار الأسد طوال الصراع، قبل أن تطفو الخلافات على السطح، لاسيما مع رفض موسكو لأجندة طهران الطائفية في سوريا.
ورغم أن الدولتين تشاركتا دعم الأسد على الساحة السورية لفترة طويلة، فإن لكل منهما أجندة مختلفة ومصالحهما بدأت تتباعد، مع الحديث عن بداية نهاية النزاع السوي الذي حصد أكثر من 300 ألق قتيل وشرد الملايين.
"أكبر" انتشار بحري
وخلف الكواليس، تجري الآن معركة حول من سيسيطر على نظام الأسد في "سوريا الجديدة"، خاصة بعد تصاعد التوترات الأسبوع الماضي، عندما نقلت روسيا قوات بحرية باتجاه الساحل السوري، بينما انتقد حلف شمال الأطلسي قرار موسكو لما وصفه بـ"تحركات عدوانية".
وذكرت وسائل الإعلام الروسية إن هذا الانتشار البحري يعد الأكبر من نوعه، منذ تدخلت روسيا بشكل عسكري مباشر في الصراع السوري عام 2015.
ويأتي هذا الحشد العسكري بالتزامن مع هجوم متوقع للحكومة السورية على آخر جيب كبير يسيطر عليه المتمردون، في إدلب شمالي البلاد.
وأرسلت روسيا قواتها البحرية إلى المنطقة في نفس الوقت الذي أعلن به النظام السوري توقيع اتفاقية أمنية جديدة مع إيران، عقب زيارة لوزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى دمشق، الاثنين الماضي.
وقبل 3 سنوات، انتشر سلاح الجو الروسي في سوريا من أجل ترجيح كفة الحرب لصالح الأسد، الذي كان يسيطر في ذلك الوقت على ربع أراضي البلاد فقط.
وحتى اليوم، تحتفظ روسيا بوجودها العسكري في سوريا لضمان اليد العليا للنظام، لكن لديها مصالح استراتيجية أخرى، تضعها في المقام الأول، للحفاظ على منفذ إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال الميناء الواقع تحت سيطرتها في طرطوس شمالي سوريا.
نصيب إيران وميليشياتها
وبموجب الاتفاقية الأمنية الموقعة بين طهران ودمشق، ستساعد إيران في إعادة بناء الصناعات العسكرية والدفاعية السورية، حيث تحدث وزير الدفاع الإيراني عن التزام طهران بإعادة إعمار سوريا.
كما تهدف طهران إلى السيطرة على صناعة الاتصالات السورية، التي تضررت خلال الحرب، لكنها لم تُدمر بالكامل.
ونشر محلل شؤون الشرق الأوسط في واشنطن ماثيو برودسكي مؤخرا، مراجعة للوضع المالي لنظام الأسد، فأشار إلى اتفاقيات الاتصالات الموقعة بالفعل بين إيران وسوريا.
وأوضح أن "قطاع الاتصالات يشكل أهمية واضحة لإيران، ليس فقط بسبب العائدات المالية، وإنما للتنصت على المواطنين أيضا. لقد حققت عقود اتصالات حزب الله في لبنان عوائد هائلة في هذا الصدد".
كما أشار برودسكي، الباحث في مؤسسة "الدراسات الأمنية"، إلى اتفاق بين إيران وسوريا يسمح لإيران بتطوير مناجم فوسفاتية في سوريا، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانت طهران ستحصل على حقوق حصرية لتلك المناجم أم ستشاركها مع روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، كتب برودسكي عن عقود انتفاع بين إيران والنظام السوري، تشمل حوالي 12 ألف فدان من الأراضي في محافظتي حمص وطرطوس، يمكن استخدامها لبناء محطات للنفط والغاز.
ومن المنافع المالية الأخرى لإيران التي قد تخرج بها من عملية إعادة الإعمار، نقل ملكية الأراضي الزراعية في سوريا التي تركها المواطنون السوريون الفارون من الحرب على مدار السنوات السبع الماضية، إلى أيدي الإيرانيين.
وكتب برودسكي عن "مخططات إعادة التوطين" التي يتبعها نظام الأسد، وتقضي بتحويل بعض تلك الأراضي إلى أعضاء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، كوسيلة لمساعدتهم على ترسيخ وجودهم في سوريا.
واشنطن تتنحى
ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة البعيدة عن الاقتتال الداخلي بشأن عملية إعادة سوريا، فإدارة الرئيس دونالد ترامب لا تمتلك سياسة واضحة بشأن "اليوم التالي" في سوريا، باستثناء مبدأ واحد واضح وهو "لن تُنفق أي أموال أميركية على إعمار سوريا".
وشددت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، على هذه النقطة في خطاب ألقته الأسبوع الماضي في واشنطن، موضحة أن روسيا ونظام الأسد "يمتلكان" سوريا الآن.
وقالت هيلي، في مؤتمر قمة نظمته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن روسيا والأسد ربما يتوقعان أن تقود الولايات المتحدة عملية إعادة الإعمار في سوريا، لكننا "سنبقى خارجها".
وأضافت أن روسيا ونظام الأسد "يمتلكان الآن كومة كبيرة من الأنقاض" في سوريا.
وما يثير القلق، أنه بدون أي تدخل أميركي يمكن أن تتحول "كومة الأنقاض الكبيرة" التي تحدثت عنها هيلي إلى مصدر دخل مستقبلي لإيران، في نفس الوقت الذي يتعرض فيه اقتصادها للضغط بسبب العقوبات الأميركية.
إسرائيل تراقب
وترى إسرائيل أن الإيرانيين يبعثون رسالة مفادها "نحن هنا من أجل البقاء"، لكن صحيفة "هاآرتس" تقول إن إعادة تأهيل الجيش السوري الذي يعاني بعد الحرب، ليس على رأس قائمة التهديدات التي تهم إسرائيل.
ودعمت كل من روسيا وإيران الأسد خلال السنوات السبع الماضية دون أن يتصادما مباشرة، لكن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن البلدين على خلاف بشأن بعض القضايا المتعلقة بمستقبل سوريا.
وقبل أسبوعين، قالت آريان طباطبائي الخبيرة في الشؤون الإيرانية في مؤسسة راند لصحيفة "هاآرتس"، أن هدف إسرائيل لإخراج إيران من سوريا غير واقعي، في ضوء توقعات طهران بتحقيق "أرباح مالية" من عملية إعادة الإعمار.
وأضافت: "من الصعب رؤيتهم (الإيرانيين) يذهبون إلى أي مكان. روسيا لا يمكنها إخراج إيران بالكامل من سوريا. يتمتع الإيرانيون بحضور قوي ومهم في سوريا، وليس لدى روسيا أي حافز لمحاولة إجبارهم، وهو أمر قد لا يستطيع الروس حتى تحقيقه".
وتابعت: "العقوبات الأميركية تزيد من مصلحة إيران في اقتطاع أي أرباح يمكن أن تحصل عليها من إعادة إعمار سوريا".
ولذا تحتاج طهران إلى الصين وأوروبا من أجل رؤية الفوائد التي تأمل في الحصول عليها من إعادة إعمار سوريا.
دعوات مضادة
ورغم كل ذلك، تصدرت خلال الأيام القليلة الماضية، دعوات من جماعات حقوق الإنسان والمسؤولين الأوروبيين السابقين بعدم الاستثمار في إعادة إعمار سوريا، طالما يستمر الأسد في ارتكاب انتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان.
وكتب وزير الخارجية السويدي السابق كارل بيلدت ، هذا الأسبوع: "لا ينبغي لنا الاستماع إلى نداءات الروس للحصول على المال لإعادة بناء ما قصفوه في سوريا. تشير كل الدلائل إلى أن الأسد يعوق عودة اللاجئين السوريين، هم يرغبون في الاستفادة من إعادة الإعمار".
وعبر كين روث المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عن وجهة نظر مماثلة، حيث كتب في صحيفة "إندبندنت" البريطانية: "قبل أي حديث عن تقديم مساعدات لإعادة إعمار لسوريا ينبغي على الحكومات الأوروبية التنديد بالتواطؤ الروسي في جرائم الحرب السورية، والضغط على الكرملين لإنهاء هذه الفظائع، ووقف القمع بسوريا".