رغم التعلق الكبير الذي يبديه المستثمرون الأفراد بالنقد، إلا أن هذا الارتباط قد لا يكون القرار الأفضل في عام 2025، فحتى مع الهدوء النسبي الذي يمنحه النقد في مواجهة تقلبات الأسواق، تظهر الأرقام التاريخية والاتجاهات الحالية أن النقد قد يكون عبئاً على محافظ المستثمرين في العام الجديد، وليس نقطة قوتها.

ووفقاً لبيانات معهد شركات الاستثمار، فقد بلغت قيمة الأموال الموجودة في صناديق سوق المال نحو 6.77 تريليون دولار أميركي، حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2024، حيث فضّل الكثيرون إيداع أموالهم في حسابات التوفير وشهادات الإيداع، مستفيدين من العوائد المرتفعة للفائدة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات.

ولكن العوائد التي حققتها صناديق سوق المال، والتي بلغت نسبتها حوالي 7.34 بالمئة على مدى الأشهر الممتدة من 30 يوليو 2023 إلى 11 ديسمبر 2024، يقابلها عائد تراكمي إجمالي، بنسبة 35.5 بالمئة حققه مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" خلال نفس الفترة الزمنية، وهو ما يؤكد أن الأمان الظاهري الذي يمنحه النقد، يظل عرضة لتآكل قيمته بفعل التضخم، حيث أن الفوائد المرتفعة التي جذبت المستثمرين خلال السنوات الأخيرة لم تكن كافية لتعويض الارتفاع في الأسعار الناتج عن التضخم.

وبحسب تقرير أعدته شبكة "CNBC" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تبدو علاقة المستثمرين الأفراد بالنقد، أشبه برهان محفوف بالمخاطر أكثر من كونه استراتيجية استثمارية حكيمة مع دخولنا عام 2025، خصوصاً في ظل دورة خفض أسعار الفائدة في 2025.

ومن المتوقع أن تتراجع معدلات الفائدة الأميركية بواقع 50 نقطة أساس خلال العام الجديد، ما سينعكس بالتالي سلباً على العوائد التي تنتج عن وضع الأموال النقدية في الحسابات المصرفية.

أخبار ذات صلة

ملاذ المستثمرين الآمن.. هل يحافظ الذهب على بريقه في 2025؟
استعدوا لدفع المزيد.. لماذا سترتفع أسعار القهوة في 2025؟

تراجع القوة الشرائية للنقد

وبحسب بنك "يو بي إس" فإنه منذ بداية العقد الحالي، انخفضت القوة الشرائية الحقيقية للنقد بالدولار الأميركي بنسبة 8 بالمئة.

ويؤكد مارك هافيل، وهو كبير مسؤولي الاستثمار في البنك، أن النقد يظل من بين أسوأ فئات الأصول الرئيسية أداءً، والاحتفاظ به كأصل رئيسي قد يعرّض المستثمرين لخسائر حقيقية طويلة الأمد، فاستمرار الضغوط التضخمية الناتجة عن عوامل مثل إزالة الكربون وشيخوخة السكان، إلى جانب الاتجاه المتوقع لخفض أسعار الفائدة سيؤدي إلى تآكل عائدات النقد في المستقبل.

وبالتالي فإنه عند النظر إلى الصورة بشكل أوسع، يتضح أن الاحتفاظ بالنقد لفترة طويلة، قد يعيق المستثمرين عن اقتناص الفرص الاستثمارية الواعدة، ومن هنا، تصبح إعادة النظر في تخصيص النقد ضمن المحافظ الاستثمارية، خطوة ضرورية لضمان تحقيق أقصى استفادة من رأس المال في 2025 وما بعدها.

وقال ساتيش سانبال، رئيس مجلس إدارة شركة "أنكس القابضة" في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه سيبقى هناك دور للنقد ضمن اللعبة الاقتصادية والمالية في عام 2025، فهو يؤمن سلامة السيولة، ويوفر القدرة للتصرف بسرعة، عندما يتم تحديد الفرص المناسبة، بحسب تعبيره.

ولكن عند الإستثمار به على المدى الطويل، من جهة أخرى، نلاحظ تلاشي جاذبيته، مشيراً إلى أن "ديلويت" كشفت أن مستوى الثقة بالنقد وإدارة السيولة، انخفض بنسبة 9.5 بالمئة منذ العام 2020 وحتى اليوم، إذ أن تفوق ظاهرة التضخم على العائدات النقدية تؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للنقد بمرور الوقت.

وفي هذا الإطار، فإنه سيتوجب على المستثمرين في المستقبل، النظر إلى أصول غير نقدية لتحقيق عوائد أفضل، ولحسن الحظ، وفي ظل توافر أدوات البيانات الحديثة في عصرنا الرقمي هذا، أصبح من الأسهل من أي وقت مضى توقع وضع السيولة وإدارة النقد بشكل أكثر فعالية لمواكبة ديناميكيات السوق المتغيرة.

أخبار ذات صلة

ما الذي ينتظر "البيتكوين" في 2025؟
ماذا حققت سياسة "العلاج بالصدمة" للاقتصاد الأرجنتيني؟

فرص استثمارية بديلة

ويؤكد سانبال أن الاعتماد بشكل كبير على النقد أو الاحتفاظ بكل شيء في حسابات توفير منخفضة العوائد لم يعد كافياً بعد الآن، فالوقت أصبح مناسباً للنظر في الأسهم والسندات وشراء العقارات، وخاصة في الأسواق التي تتمتع بنسب نمو مستقرة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلع الأساسية مثل الذهب، التي ارتفعت قيمتها بنسبة 28 بالمئة منذ بداية عام 2024، أثبتت أنها تشكل أدواتا فعالة للتحوط من ظاهرة التضخم، لافتاً إلى أنه وحتى في المناطق التي تشهد معدلات تضخم متواضعة نسبياً، فإن خسارة النقد لقدرته الشرائية قد تكون مهمة، مما يجعل من الضروري للمستثمرين أن يتصرفوا بشكل استباقي من خلال تنمية عوائدهم عبر محافظ متنوعة.

وبحسب سانبال فإن العديد من القطاعات تقدم فرصاً حقيقية لتعزيز العوائد في عام 2025، فعلى سبيل المثال، يوفر قطاع العقارات، وخاصة في الأسواق المتطورة مثل الإمارات العربية المتحدة، فرصاً كبيرة لزيادة رأس المال وتوليد العائدات، في حين تستمر الأسهم المدرجة ضمن المؤشرات المعروفة مثل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في توفير فرص نمو جذابة.

وبالإضافة إلى ذلك، تظل قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والرعاية الصحية مؤهلة للتوسع، مدفوعة بالابتكار والطلب المستدام، مشيراً إلى أنه بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى التنويع، فإن الصناديق الخاصة والاستثمارات بالبنية التحتية توفر أيضاً فرصاً متميزة.

ويرى سانبال أنه سيتعين على المستثمرين اتباع نهج أكثر حكمة، لإدارة السيولة وإيجاد طرق لتشغيل أموالهم في استثمارات، تحقق لهم عائدات أكبر خلال عام 2025، حيث تشير تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة في العام الجديد، إلى تقلص العائدات على المدخرات النقدية، مما سيجعل النقد أقل جاذبية كاستثمار طويل الأمد رغم كونه أداة آمنة، كاشفاً أن العديد من الدراسات ومن ضمنها دراسة قامت بها  "فانغارد" تُظهر أن التخصيص المثالي للاستثمارت النقدية، يجب أن يتراوح فقط بين 5 و15 بالمئة وذلك حسب الظروف الشخصية ووضع السوق. 

حماية الأموال واستثمارها في 2025

بدوره يقول خبير الإدارة المالية، حسان حاطوم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في عالم يتسم بالتغيرات الاقتصادية المستمرة، قد يبدو أن الاحتفاظ بالأموال في شكل نقدي في الحسابات المصرفية، وشهادات الإيداع أمراً آمناً، لكن الحقيقة التي يغفلها الكثيرون هي أن هذه الأموال ورغم الفوائد المتأتية منها، ستفقد جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية مع مرور الوقت.

فالتضخم، الذي قد يظهر في البداية على شكل زيادات بسيطة في الأسعار، يعمل ببطء ولكن بثبات، ما يؤدي في النهاية إلى تراجع القدرة الشرائية للعملات النقدية، ولذلك، فإن الأموال التي لا تُستثمر اليوم، ستفقد قدرتها على شراء نفس الكمية من السلع والخدمات في المستقبل، بحسب تعبيره.

ويرى حاطوم أنه في عام 2025، يمكن للأفراد الذين يرغبون في حماية أموالهم، وتنميتها بعيداً عن النقد والحسابات المصرفية، الاستفادة من العديد من الفرص الاستثمارية التي توفرها سوق الأسهم، العقارات، والمعادن الثمينة.

علاوة على ذلك، تتيح التكنولوجيا الحديثة فرصاً جديدة، مثل الاستثمار في العملات الرقمية ولكن الأهم من ذلك هو تنويع المحفظة الاستثمارية لتحقيق توازن بين المخاطر والعوائد، فالتنويع يعزز قدرة المستثمر على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية، ويعطيه الفرصة للاستفادة من فرص النمو في مختلف القطاعات والأسواق، والمحافظة على قيمة الأموال على المدى الطويل.