"أفضل كلمة في القاموس بالنسبة لي هي التعريفة الجمركية"... بهذا التصريح، لخص الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، نهجه في التعامل مع الخصوم الاقتصاديين على الساحة الدولية.
تحول هذا المفهوم إلى أداة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى التجارية من جانب ترامب. إذ أن الرسوم الجمركية بالنسبة لترامب ليست مجرد إجراء مالي، بل سلاحًا يُستخدم لفرض شروطه، سواء ضد الصين في معركة الهيمنة التجارية أو حتى مع حلفاء تقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.
يعتمد ترامب على سياسة الرسوم الجمركية كوسيلة للضغط من أجل تحقيق أهدافه الاقتصادية الكبرى، مثل تقليص العجز التجاري وحماية الصناعات الأميركية.
عبر استهداف الواردات الصينية، يريد ترامب ليس فقط تعديل الكفة لصالح الاقتصاد الأميركي، بل أيضًا كبح النمو السريع للصين كقوة اقتصادية صاعدة تهدد النفوذ الأميركي عالميًا.
هذه السياسة لم تكن خالية من المخاطر، إذ تسببت في توترات دولية ورفعت تكاليف بعض السلع على المستهلكين الأميركيين.
ما يميز استخدام ترامب لهذه السياسة هو تحويلها إلى أداة تفاوضية ديناميكية. فقد أثبتت الرسوم الجمركية في وقت سابق فعاليتها في دفع بعض الأطراف لإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية، لكنها أيضًا تثير جدلًا داخليًا وخارجيًا حول مدى استدامة هذه الاستراتيجية، وما إذا كانت تخدم الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل أم تضاعف الضغوط عليه في عالم يشهد منافسة متزايدة.
ماذا عن أحدث تهديد تجاري؟
وقد يؤثر التهديد التجاري الأخير الذي أطلقه الرئيس ترامب ضد تسع دول (دول مجموعة البريكس) على الواردات الأميركية الرئيسية، مما يزيد من مخاطر ارتفاع الأسعار إذا تم تنفيذ الرسوم الجمركية .
في منشور يوم السبت الماضي على تروث سوشيال، استهدف ترامب مجموعة البريكس، والتي تسعى إلى الحد من الهيمنة العالمية للدولار الأميركي. وكتب أنه سيفرض تعريفة جمركية بنسبة 100 بالمئة على سلع تلك الدول ما لم تلتزم بعدم إنشاء عملة أخرى تنافس الدولار.
كما كتب ترامب "لا توجد فرصة لأن تحل مجموعة البريكس محل الدولار الأميركي في التجارة الدولية، وأي دولة تحاول ذلك يجب أن تلوح وداعا لأميركا".
موقع "بيزنس إنسايدر" ألقى نظرة على أهم السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من دول مجموعة البريكس، بما في ذلك الأدوية والملابس والإلكترونيات. وفي حين يبدو أن ترامب يستخدم تهديدات التعريفات الجمركية كأداة للتفاوض وقد يختار عدم تنفيذها على النطاق الذي يقترحه، فإن الواردات الرئيسية من الدول المستهدفة قد تشهد ارتفاع الأسعار حتى مع فرض تعريفات أصغر.
- أظهرت بيانات التجارة الصادرة عن مكتب الإحصاء أن دول مجموعة البريكس بلغت وارداتها من الولايات المتحدة في عام 2023 نحو 578 مليار دولار. وكانت الصين مسؤولة عن نصيب الأسد من هذه التجارة، بنحو 427 مليار دولار.
- في عام 2023، استوردت الولايات المتحدة هواتف محمولة وغيرها من السلع المنزلية من الصين بقيمة 66.7 مليار دولار، وأجهزة كمبيوتر بقيمة 37.4 مليار دولار، وألعاب وألعاب رياضية بقيمة 32 مليار دولار.
- استوردت الولايات المتحدة سلعاً بقيمة 151 مليار دولار من الدول الثماني المتبقية في مجموعة البريكس، بما في ذلك مستحضرات صيدلانية بقيمة 11 مليار دولار، تليها الماس بقيمة 9 مليارات دولار، والنفط الخام بقيمة 6.3 مليار دولار، والملابس القطنية والسلع المنزلية بقيمة 6.1 مليار دولار. وشكلت الهند الجزء الأكبر من الواردات من دول مجموعة البريكس بخلاف الصين.
ويستهدف ترامب هذه المجموعة لأن بعض زعماء مجموعة البريكس اقترحوا في وقت سابق العمل على تقليص اعتماد بلدانهم على الدولار الأميركي. وفي العام الماضي اقترح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إنشاء عملة مشتركة بين دول مجموعة البريكس.
وقد ردت روسيا بالفعل على تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين يوم الاثنين إنه إذا استخدمت الولايات المتحدة "القوة الاقتصادية لإجبار الدول على استخدام الدولار"، فإن هذا من شأنه تمكين الدول من التحول إلى عملات أخرى للتجارة الدولية.
كارت "الرسوم الجمركية"
وجاء التهديد بفرض رسوم جمركية على دول البريكس بعد أيام فقط من إعلان ترامب أنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على الواردات من المكسيك وكندا ، والتي ستظل سارية "حتى يتوقف غزو المخدرات، وخاصة الفنتانيل، وجميع المهاجرين غير الشرعيين لبلادنا" كما قال. كما حذر من فرض رسوم جمركية إضافية على الصين.
وقالت بعض الشركات، بما في ذلك وول مارت وكولومبيا سبورتسوير، إنها تستعد بالفعل لزيادة الأسعار في حال فرض ترامب رسوما جمركية على شركاء تجاريين رئيسيين.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى، هدد بفرض رسوم جمركية على المكسيك ردًا على الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، لكنه سحب الخطة لاحقًا.
وقال السناتور بيل هاجرتي لشبكة إن بي سي نيوز يوم الأحد إن التجارة كانت تُستخدم منذ فترة طويلة كـ "أداة استراتيجية"، وقال إنه يؤيد استخدام ترامب للرسوم الجمركية كوسيلة ضغط لتحقيق أولوياته.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى إلقاء نظرة فاحصة على البلدان التي لا تضع مصالحنا في الاعتبار، والبلدان التي تسمح بانتهاك حدودنا، وتستخدم هذه التعريفات كأداة لتحقيق غاياتنا".
الفرص والتحديات
وبشكل عام فيما يتعلق بسياسة "الرسوم الجمركية" التي يستخدمها ترامب كورقة ضغط، يوضح كبير الاقتصاديين في شركة ACY الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- زيادة الرسوم الجمركية على البضائع الأجنبية تجعلها أكثر تكلفة مقارنة بما كانت عليه.
- إذا اقتربت تكاليف هذه المنتجات من أسعار المنتجات المحلية الأميركية، فمن المرجح أن يميل المستهلك الأميركي إلى تفضيل السلع المنتجة محليًا، مما يؤدي إلى إحلال الواردات الأجنبية بالبضائع المحلية.
- هذا الإحلال سيعزز الطلب على المنتجات الأميركية، ما سيدفع المصنّعين إلى توسيع الإنتاج وزيادة التوظيف لاستيعاب الطلب الجديد.
- هذه العمالة الإضافية ستؤدي بدورها إلى زيادة الاستهلاك، مما يشكل دفعة إضافية للنمو الاقتصادي على المدى القصير والمتوسط.
لكنه في الوقت نفسه يتحدث عن تأثير الإجراءات الانتقامية المتوقعة من الدول المصدّرة، محذراً من أن:
- تلك الإجراءات التي قد تتخذها الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة ستزيد من تكلفة الواردات، ما يؤدي إلى ضغوط تضخمية إضافية على المستوى العام للأسعار، وقد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
- لتفادي هذه التداعيات، يُوصى باتباع سياسات إنفاقية واستثمارية تستند إلى العوائد المحققة من الرسوم الجمركية.
ويحدد الشعار أبرز القطاعات المتأثرة (سلباً أو إيجاباً) بتلك الرسوم، على النحو التالي:
- التكنولوجيا والعملات الرقمية: إدارة ترامب الجديدة تسعى لتشجيع التكنولوجيا والعملات الرقمية، خاصة مع دور إيلون ماسك في تعزيز هذه الصناعة. كما أكد على أهمية تنظيم الذكاء الاصطناعي عبر قوانين جديدة تُتوقع في الأعوام 2025 و2026.
- صناعة النفط الخام: سياسات ترامب ستواصل دعم إنتاج النفط في الولايات المتحدة على حساب الطاقات المتجددة، مما ينعكس إيجابيًا على شركات النفط التقليدي لكنه يضر بالشركات المبتكرة في مجال الطاقة النظيفة.
- الشركات الصغيرة والمتوسطة: ستستفيد هذه الشركات من تراجع المنافسة مع البضائع المستوردة، خاصة القادمة من الصين والهند، ما سيتيح لها فرصة أكبر لتصريف منتجاتها محليًا.
ويوضح كبير الاقتصاديين في شركة ACY، في السياق نفسه أن ارتفاع الأسعار الناتج عن الرسوم الجمركية قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار وتأثيرات على السلع العالمية مثل الذهب.
في ختام حيدثه، يوضح الشعار السياسات الحمائية غالبًا ما تكون محدودة زمنيًا ومرتبطة بالفكر الاقتصادي للإدارة الأميركية الحالية. ويرجّح أن المفاوضات ستطغى على تنفيذ هذه السياسات بالكامل، خاصة بعد تصريحات ترامب بفرض زيادة 25 بالمئة في التعريفات الجمركية على المكسيك وكندا التي تبعتها تحركات دبلوماسيه مكثفة.
قطاعات متضررة
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يتحدث رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Market، جو يرق، عن السياسات التجارية التي يتبناها الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب في ولايته الثانية التي تبدأ في يناير المقبل، وتأثير الرسوم الجمركية المقترحة على الاقتصاد الأميركي عموماً، موضحاً أن الوعود الانتخابية تشير إلى رسوم جمركية تصل من 10 إلى 20 بالمئة على واردات الدول الأخرى، و60 بالمئة على الصين، و25 بالمئة على كل من المكسيك وكندا.
ويلفت إلى أن هذه السياسات سيكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد الأميركي، إذ تشير تحليلات مختلفة إلى إمكانية انخفاض النمو الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 0.8 و1 بالمئة، مؤكداً أن المستهلك الأميركي سيكون الأكثر تضرراً بسبب ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات.
ويضيف: "تأثير الرسوم الجمركية سيختلف بين القطاعات؛ فعلى سبيل المثال قد تتضرر قطاعات مثل مبيعات التجزئة وصناعة النفط بشكل كبير، خاصة إذا تم فرض رسوم بنسبة 25 بالمئة على واردات النفط من كندا، التي تعتبر المورد الأكبر للولايات المتحدة، وسيؤدي ذلك إلى تضخم إضافي وارتفاع أسعار النفط محلياً.
لكن آخرين يعتبرون أن تأييد الرئيس الأميركي للحفر وزيادة الإنتاج تشكل عاملاً داعماً لتوازن الأسعار.
ويوضح يرق أن السياسات الحمائية قد تدعم بعض القطاعات الصناعية الأميركية، لكنها في الوقت نفسه ستؤثر بشكل سلبي على القطاعات المرتبطة بالتصدير مثل صناعة السيارات، التي ستواجه أضراراً إضافية بسبب الرسوم الجمركية المفروضة على التصنيع في المكسيك.
كما يؤكد أن هناك مخاوف من أن ترد الدول الأخرى برفع الرسوم الجمركية على البضائع الأميركية، مما سيزيد من التأثير السلبي على القطاعات المعتمدة على التصدير، مشدداً على أن قطاعي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قد يواجهان تحديات إضافية، خاصة مع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.