هدد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، خلال عطلة نهاية الأسبوع، بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 بالمئة على دول مجموعة البريكس، ما لم توافق حكوماتها على عدم إنشاء عملة جديدة بديلة للدولار الأميركي.
وكتب ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيال"، بعد ظهر يوم السبت: "انتهت فكرة أن دول البريكس تحاول الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب".
تتكون المجموعة بشكل أساسي من كلٍ من (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وتوسعت مع مطلع العام الجاري لتشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وإثيوبيا.
وقال ترامب: "نحن نطالب هذه الدول بالتزام بأنها لن تخلق عملة بريكس جديدة، ولا تدعم أية عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي القوي، وإلا فإنها ستواجه رسوماً جمركية بنسبة 100 بالمئة".
ورغم أن الدولار الأميركي هو العملة الأكثر استخداماً في التجارة والأعمال العالمية، فقد دعت دول مجموعة البريكس، مثل روسيا والصين، المجموعة إلى تحدي وضع الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية. وقد طرحت مجموعة البريكس اقتراحاً بإنشاء عملة جديدة في قمة العام الماضي في جنوب إفريقيا.
وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن تهديدات الرئيس الأميركي المُنتخب بفرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الأميركية من هذه الدول "تأتي في أعقاب تهديدات مماثلة وجهت إلى المكسيك وكندا والصين في وقت سابق من الأسبوع، في الوقت الذي أشار فيه ترامب إلى أنه ينوي استخدام تدابير عقابية لإجبار شركاء الولايات المتحدة التجاريين على الامتثال لمطالبه".
- قال ترامب إنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على جميع الواردات من كندا والمكسيك، و10 بالمئة إضافية على السلع الصينية، متهما الدول بالسماح بالهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات.
- أثارت هذه التهديدات احتمال اتخاذ إجراءات مضادة من جانب المكسيك، ودفعت رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى زيارة سريعة إلى مقر إقامة ترامب في مار إيه لاغو مساء الجمعة.
في شهر أكتوبر الماضي، اتهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القوى الغربية بـ"استخدام الدولار كسلاح"، وجادل في قمة مجموعة البريكس في قازان بأن العقوبات المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا "تقوض الثقة في هذه العملة وتقلل من قوتها".
وقال بوتين: "لسنا نحن الذين نرفض استخدام الدولار.. ولكن إذا لم يسمحوا لنا بالعمل، فماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن مضطرون إلى البحث عن بدائل".
ضغوط ونتائج عكسية
في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، إن تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب "تعكس المخاوف الأميركية من فقدان هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوة التي يلوح بها ترامب قد تؤدي إلى تأثيرات متعددة على خطط وأهداف مجموعة البريكس.
ويوضح أن:
- "الولايات المتحدة تعتمد على قوة الدولار كعملة احتياطية عالمية؛ لدعم اقتصادها وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي عالمياً.. ومن ثم فإن تهديد ترامب يعكس رغبة أميركية في ردع أي محاولات قد تضعف هذه الهيمنة.
- فرض رسوم جمركية بهذه النسبة المرتفعة سيؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة ودول البريكس، مما قد يفتح الباب أمام حروب اقتصادية أشمل وأكثر تأثيرًا على الاقتصاد العالمي.
- تهديدات ترامب قد تدفع المستثمرين والشركات إلى التردد في إقامة شراكات مع دول البريكس -حال اتخاذ تلك الدول خطوات باتجاه عملة بديلة للدولار- خوفاً من تبعات هذه الإجراءات العقابية، ما قد يؤثر على تدفق الاستثمارات في المنطقة.
وفيما يتصل بتأثير التهديدات على خطط وأهداف مجموعة البريكس، يلفت إلى أن تهديدات ترامب قد تأتي بنتائج معاسكة، لجهة دفع دول البريكس إلى تسريع جهودها لإطلاق عملة بديلة أو تعزيز استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري لتقليل الاعتماد على الدولار، معتبراً أن "الضغوط الأميركية قد تؤدي إلى تقوية التعاون بين دول البريكس، مما يعزز موقفها كمحور عالمي يسعى لموازنة الهيمنة الاقتصادية الغربية".
لكنه يعتقد في الوقت نفسه بأن فرض رسوم بنسبة 100 بالمئة قد يعيق خطط التنمية لدول البريكس التي تعتمد على الصادرات، ما يدفعها للبحث عن أسواق بديلة وحلول مبتكرة لتجاوز هذه التحديات.
ويرى الإدريسي أن مثل هذه التحركات قد تعمق الانقسام في النظام الاقتصادي العالمي، مع تصاعد المواجهة بين الاقتصادات الناشئة والدول الغربية، مشدداً على أنه من الضرورة بمكان أن تتعامل دول البريكس مع هذه التهديدات بخطوات استراتيجية، أبرزها:
- تعزيز المؤسسات المالية الخاصة بها، مثل بنك التنمية الجديد.
- تنويع مصادر التمويل والأسواق لتقليل الاعتماد على الأسواق الأميركية.
- إظهار قدرتها على مواجهه الضغوط الاقتصادية الأميركية.
ويعتقد بأنه "من المحتمل أن نشهد في المستقبل القريب تصاعدا في الحرب التجاريه بين الولايات المتحده ودول البريكس وهو ما قد يعيد تشكيل خريطه الاقتصاد العالمي"، على حد تقديره.
هيمنة الدولار
يمثل الدولار الأميركي نحو 58 بالمئة من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، وفقاً لصندوق النقد الدولي، ولا تزال السلع الأساسية الرئيسية مثل النفط تُشترى وتُباع في المقام الأول باستخدام الدولار.
ولكن هيمنة الدولار مهددة، مع تزايد حصة مجموعة البريكس في الناتج المحلي الإجمالي ونية التحالف في التجارة بعملات غير الدولار ــ وهي العملية المعروفة باسم إزالة الدولرة، وفق تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
فيما تشير الأبحاث إلى أن دور الدولار الأميركي باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية ليس مهدداً في المستقبل القريب.
بحسب نموذج المجلس الأطلسي الذي يقيم مكانة الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الأساسية، فإنه يكشف عن أن الدولار "آمن في الأمد القريب والمتوسط" ويستمر في الهيمنة على العملات الأخرى.
رد فعل
بدوره، يلفت مدير مركز رؤية للدراسات بالقاهرة، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن التهديد بفرض الرسوم الجمركية بنسبة 100 بالمئة على دول البريكس يأتي كرد فعل على مساعي المجموعة لاعتماد عملة بديلة للدولار وتقليل هيمنته على الاقتصاد العالمي "يمثل ضغطاً كبيراً على دول مثل الصين والهند والبرازيل، خاصة في ظل الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على الدولار وإنشاء نظام مالي مستقل يعتمد على عملات وطنية أو عملة موحدة لدول البريكس".
ويضيف: النظام المالي العالمي الحالي، الذي يعتمد بشكل كبير على نظام "سويفت" القائم على الدولار، يكرس هيمنة العملة الأميركية على المعاملات الاقتصادية والتجارية، مما يشكل تحديات كبيرة للدول التي تعاني من محدودية احتياطيات الدولار وصعوبات في موازينها التجارية.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الإدارة الأميركية الأميركية القادمة تسعى لفرض سياسات اقتصادية وتجارية تهدف لحماية الهيمنة الأميركية، موضحاً أن التهديدات بفرض رسوم جمركية عالية تستهدف بشكل خاص الدول ذات العلاقات الاقتصادية الوثيقة. كما يربط هذا التوجه بالممارسات الاقتصادية الأميركية المعتادة، مثل التوترات التجارية المستمرة مع الصين على سبيل المثال.
كما يحذّر شعيب من أن تنفيذ مثل هذه الإجراءات سيكون له آثار سلبية كبيرة، ليس فقط على دول البريكس، بل على الاقتصاد العالمي بأسره، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن هذه الضغوط قد تدفع مجموعة البريكس لتسريع جهودها في تقليل الاعتماد على الدولار وإيجاد بدائل مالية واقتصادية جديدة، مثل اعتماد عملة موحدة لدول المجموعة أو تعزيز التعامل بالعملات الوطنية فيما بينها.
وحقق ترامب فوزا انتخابيا مقنعا في وقت سابق من هذا الشهر بعد حملته الانتخابية على تعهد بفرض رسوم جمركية شاملة على السلع الأجنبية المستوردة إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك 60 بالمئة إضافية على السلع الصينية.