تتأثر أسعار العملات بشكل كبير بالانتخابات الأميركية، حيث تتوقع الأسواق المالية تغييرات محتملة في السياسات المالية والنقدية وفق رؤية الرئيس الجديد، بما ينتج عن ذلك حالة من عدم الاستقرار في الأسواق؛ فموقف المرشح من الفوائد الاقتصادية والضرائب والدعم الحكومي للشركات يوجه توقعات المستثمرين بشأن أداء الدولار.
كما قد تشهد الأسواق تقلبات ملحوظة خلال وبعد فترة الانتخابات لكونها أكثر عرضة للتأثر المباشر بانعكاسات النتائج الانتخابية.
عملات الأسواق الناشئة تواجه ضغوطًا إضافية من نتائج الانتخابات الأميركية، حيث تتسم هذه العملات بحساسية عالية للتغيرات الاقتصادية العالمية، ومع فوز مرشح يتبنى سياسات تجارية صارمة، تتعرض هذه العملات لمخاطر كبرى. بينما تتجه رؤوس الأموال عادة إلى الأصول الآمنة كالذهب والدولار، مما قد يضعف عملات الأسواق الناشئة ويزيد من التضخم وتكاليف الاستيراد لهذه الدول، خاصة إن اعتمدت سياسات اقتصادية ضاغطة ضد هذه الأسواق.
كما أن سياسة الفائدة المرتفعة أو المخفضة التي يتبعها الرئيس الأميركي المنتخب تؤثر بوضوح على قوة الدولار العالمي. ففي حال اتخذ الرئيس الجديد مسارًا لتشديد السياسة النقدية، قد يزداد الطلب على الدولار بسبب ارتفاع العائدات على الأصول الأميركية، وهو ما يشكل ضغطًا على العملات الأخرى. أما في حال اتبعت الإدارة سياسات مرنة، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف الدولار، مما يمنح العملات الأخرى فرصة للتعافي.
إضعاف الدولار
المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تأثير ترامب على العملات خاصة، وعلى الاقتصاد الأميركي والعالمي عامة، سيكون تدريجياً وعلى مراحل.
- في حال فوز ترامب، لن يتخذ على الأرجح إجراءات حاسمة في الأشهر الثلاثة الأولى، وقد يكون تأثيره محدوداً في البداية.
- إلا أن القلق هذه المرة ينبع من احتمالات حدوث توترات على الأرض في حال عدم فوزه، حيث يتوقع البعض تصاعدها إلى مناوشات كبيرة قد تصل إلى حد الحرب الأهلية، نظراً لدعم مؤيديه المتحمس واستعدادهم للتصعيد.
- فيما يتعلق بتأثير سياساته على الدولار، فإن القرارات التي يعتزم ترامب اتخاذها قد تضعف الدولار.
- على سبيل المثال، قراره بتقليل الضرائب على الشركات قد يؤدي إلى رفع التضخم على المدى المتوسط والبعيد.
- ومع تراكم ديون الولايات المتحدة إلى مستويات تاريخية بحدود 36 تريليون دولار، ووجود إنفاق حكومي كبير، فإن تبعات ذلك تؤثر سلباً على قيمة الدولار وتضعف من قوته الشرائية. ونتيجة لذلك، قد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسة أكثر تشددًا، كرفع الفائدة تدريجيًا لكبح التضخم.
ويضيف: "أما في ما يخص السياسة الخارجية، فإن نية ترامب فرض ضرائب جديدة بنسبة 60 بالمئة على المنتجات الصينية و10 بالمئة على باقي الواردات ستزيد من التضخم، مما يؤدي بدوره إلى إضعاف الدولار تدريجياً، كما شهدنا في فترة ولايته السابقة"، موضحاً أن تصريحات ترامب المتكررة تؤدي إلى تقلبات حادة في السوق، مما يعزز من عدم الاستقرار. ولذلك، لا يمكن التنبؤ بتأثير سياساته على مدى أربع سنوات كاملة، بل يجب النظر إلى تأثيرها على مراحل.
يتسق ذلك مع تحليل لـ "كابيتال إيكونميكس، ذكر أنه من شأن حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي المتزايدة التي قد تلي الفوز المحتمل للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر الجاري أن تؤدي إلى إضعاف الدولار في مقابل الملاذات الآمنة التقليدية مثل الين الياباني، كما قد ترتفع أسعار الذهب.
ووفق التقرير فمن المرجح أن تؤدي المخاوف من احتمال تخلي الصين عن الأصول الأميركية واحتمال المزيد من التأخير قبل أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى إضعاف الدولار في مقابل اليورو والجنيه الإسترليني أيضا. ولكن الدولار من المرجح أن يكتسب قوة في مقابل أغلب عملات الأسواق الناشئة.
تقلبات
ويستعد المتداولون لارتفاع تقلبات العملات حول العالم بعد أن ارتفعت تكلفة التحوط لتحركات الدولار خلال الأسبوع المقبل إلى الأعلى منذ أوائل عام 2020، بحسب تقرير لـ "بلومبيرغ".
تظهر سوق الخيارات أن المستثمرين يتوقعون رؤية تقلبات كبيرة في أسعار عملات مجموعة العشرة، خاصة في الين الياباني والكرونة النرويجية والدولار النيوزيلندي. كما يبدو البيزو المكسيكي واليوان الصيني والوون الكوري الجنوبي عرضة للخطر.
سياسات ترامب
لكن في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يؤكد الدكتور نضال الشعار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY"، أنه منذ بداية حملة ترامب، صرّح في عدة مناسبات أنه يسعى لتخفيض سعر صرف الدولار بهدف تشجيع التصدير من الولايات المتحدة الأميركية ودعم الصناعات المحلية.. مع ذلك، إذا نظرنا إلى السياسات الاقتصادية المقترحة من قبل ترامب وأعضاء حملته الانتخابية، نجد أنها لا تخدم هذا الهدف لعدة أسباب، ومنها:
- أولاً، إذا أخذنا في الاعتبار السياسات الضريبية التي وعد ترامب باتباعها حال توليه الرئاسة، وهي خفض معدلات الضرائب على الأفراد والشركات، فسنجد أن هذا الخفض سيحرر جزءاً من دخل الأفراد والشركات. هذا الدخل المحرر سيتجه للأسواق، ما سيؤدي إلى زيادة الطلب وضغط على الأسعار، مما يرفع معدلات التضخم.
- ارتفاع التضخم بدوره سيدفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم، وهذا الرفع سيزيد من الطلب على الدولار، وبالتالي سترتفع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، وخاصة أمام اليوان الصيني بنسبة قد تصل إلى 60 بالمئة.
- ومع ارتفاع الدولار، ستزداد الأسعار مجدداً، مما قد يجبر الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة مرة أخرى لمكافحة التضخم، ما يؤدي إلى زيادة أخرى في سعر صرف الدولار.
- ثانياً، فيما يتعلق بسياسات الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، فإن الحد من الهجرة أو إعادة المهاجرين إلى بلدانهم قد تنتج عنه تأثيرات سلبية. فالمهاجرون - سواء كانوا قانونيين أو غير قانونيين - يعملون في الشركات الأميركية التي توظفهم بفضل قبولهم بأجور منخفضة، غالباً ما تكون عند الحد الأدنى، وهو ما لا يقبله المواطن الأمريكي العادي.
- إذا تمكن ترامب من إعادة المهاجرين إلى بلدانهم، ستضطر الشركات الأميركية إلى توظيف المواطنين الأميركيين بأجور أعلى، مما سيتسبب بضغط على المستوى العام للأسعار، ومرة أخرى سيضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع سعر الفائدة، مما سيرفع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى.
ويوضح أنه في حال نفّذ ترامب هذه السياسات الاقتصادية المتعلقة بالضرائب، وحماية الصناعة المحلية، والهجرة، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى ارتفاع قيمة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى. وإذا أخذنا اليورو كمثال، ستكون العلاقة مباشرة، إذ سينخفض سعر صرف اليورو نتيجة ارتفاع قيمة الدولار. هذا التأثير سيمتد إلى الدول ذات السياسات النقدية المشابهة للولايات المتحدة، مثل منطقة اليورو، الاتحاد الأوروبي، كندا، وأستراليا، حيث سيؤدي ارتفاع الدولار إلى انخفاض في قيمة عملاتها.
أما الدول الناشئة، فسيكون التأثير مضاعفاً، لأن معظم هذه الدول تتبع سياسة مرنة في ما يتعلق بأسعار الصرف، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق السوداء لهذه العملات، وفق الشعار، الذي يضيف: بالنسبة لليابان، فإنها لن تتأثر بشكل بشكل مباشر بارتفاع قيمة الدولار لأن سعر صرف الين الياباني تحكمه عوامل موضوعية وذاتية تتعلق بالسياسة الاقتصادية في اليابان خاصة السياسات النقدية التوسعية التي تتبعها منذ أكثر من 35 عاماً وبالتالي سيكون التاثير غير مباشر.
ويوضح أنه فيما يخص الروبل الروسي فيعد حالة خاصة حيث يتعرض لضغوط دولية من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحده وكندا بسبب العقوبات المفروضه على موسكو، مما يؤثر وسيؤثر بشكل كبير على سعر صرف الروبل . ورغم أن ارتفاع الدولار قد يكون له تاثير على الروبل إلا أنه لن يكون بنفس المباشره كما في منطقه اليورو.
كيف يمكن أن يتأثر "اليورو"؟
بحسب تقرير لـ "يورو نيوز"، يشير المحللون إلى أن إعادة فرض الرسوم الجمركية الأميركية واسعة النطاق من شأنها أن تعزز قوة الدولار الأميركي في حين تضيف ضغوطا هبوطية على اليورو.
ونقل التقرير عن المحلل في غولدمان ساكس، مايكل كاهيل، في مذكرة صدرت مؤخراً، قوله: "الرسوم الجمركية لها تأثير مباشر على أسعار الصرف".
ويتوقع البنك الاستثماري أنه في حالة فوز ترامب وحصول الجمهوريين على السيطرة على الكونغرس، فإن ذلك من شأنه أن يعزز من مبررات "الاستجابة القوية للدولار"، مع فرض رسوم جمركية مقترنة بتخفيضات ضريبية محلية.
ومن شأن هذا التحول في السياسة أن يخلف تداعيات أيضا على السياسات النقدية على جانبي الأطلسي. فقد قدر كبير خبراء الاقتصاد في غولدمان ساكس، جان هاتزيوس، أن فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10 بالمئة من شأنه أن يؤدي إلى تحول يتراوح بين 150 و200 نقطة أساس في الفارق بين أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وقد يؤدي التباين السياسي الناتج عن ذلك إلى إضعاف اليورو بنسبة تصل إلى 3 بالمئة، أو حتى 10بالمئة في سيناريو يتضمن فرض تعريفات جمركية أوسع وتخفيضات ضريبية.
وبينما سجل اليورو أربعة أسابيع متتالية من الخسائر، أشار محلل العملات الأجنبية في بنك آي إن جي، فرانشيسكو بيسول، إلى أن ضعف الأداء الأخير كان مدفوعا أكثر بالتباين في البيانات الاقتصادية أكثر من المخاطر الانتخابية، مع اكتساب الدولار الأميركي القوة بسبب الإنفاق الاستهلاكي القوي ومراجعة النمو صعودا في الولايات المتحدة.
وبعيدا عن اليورو، فإن التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب قد تؤدي إلى تقلبات في العملات الأخرى، وخاصة تلك المرتبطة بصادرات السلع الأساسية والأسواق الناشئة. ويشير محللو آي إن جي إلى أن الدولارين الأسترالي والنيوزيلندي قد يشهدان تقلبات أكبر داخل مجموعة العشرة، في حين قد يكون البيزو المكسيكي والعديد من العملات الآسيوية عرضة بشكل خاص للتحولات المرتبطة بالتجارة.
وبحسب محللي بي بي في إيه، فإن إدارة ترامب قد تؤدي إلى المزيد من عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي من خلال إعادة تقييم التزامات الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا، وهي التوقعات التي قد تضع ضغوطا إضافية على اليورو.
الدولار القوي!
وفي السياق، يشير رئيس قسم الأسواق العالمية - Cedra Markets جو يرق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- في حال فوز ترامب بالرئاسة، تشير بعض التحليلات إلى أن ذلك سيعزز قوة الدولار الأميركي (على عكس ما يتم الترويج إليه بشأن إضعاف الدولار). ومن المؤكد أن قوة الدولار ستشكل ضغطًا على عدة عملات وستؤثر على الأسواق المستقبلية.
- إذا نفّذ ترامب وعوده الانتخابية، قد نشهد عدم استقرار في الأسواق المالية. وقد بدأت تظهر مقترحات بفرض ضرائب تصل إلى 10 بالمئة، كما أنه يسعى لفرض ضرائب إضافية على الصين، مما سيؤدي إلى تصعيد الصراع التجاري والاقتصادي معها.
- هذا التوتر سيخلق حالة من عدم الاستقرار، حيث قد يتسبب بضعف اليوان الصيني نتيجة الحرب التجارية والمشكلات الاقتصادية.
- سيؤدي هذا بدوره إلى تقلبات في الأسواق المالية، مما يجعل عملات الدول الناشئة عرضة للتأثر والضعف، نظرًا لاعتمادها على التصدير.
- إن أية قوة إضافية للدولار الأميركي ستضغط على هذه الدول، ومع صعود الدولار، من المتوقع هروب رؤوس الأموال نحو الولايات المتحدة كملاذ آمن.
- من ناحية أخرى، ستستفيد من هذا الوضع عملات الملاذ الآمن، مثل الين الياباني والفرنك السويسري. وأعتقد بأن الفرنك السويسري سيكون الأكثر استفادة بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي في سويسرا.
- أما اليابان، رغم أنها تاريخيًا تعتبر ملاذًا آمنًا، إلا أن عدم الاستقرار الأخير، وضعف معدلات الفائدة فيها، والفرق بين أسعار الفائدة اليابانية والأميركية، قد يحد من استفادتها مقارنة بسويسرا.
الين اليابان
وذكر تقرير آخر لـ "بلومبيرغ" أنه على الرغم من كل الضعف الذي شهده الين هذا العام، يُظهر التاريخ أن العملة اليابانية لا تزال في طريقها لتكون ملاذاً مفاجئاً للمستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن هرباً من الانتخابات الرئاسية الأميركية.
أظهرت البيانات التي جمعتها بلومبرغ أن العملة اليابانية تفوقت على الدولار الأميركي والفرنك السويسري والذهب وسندات الخزانة واليورو - من بين الأصول الآمنة الأكثر شعبية - قبل الانتخابات الماضية. في الفترة التي سبقت التصويت في 5 نوفمبر، يعد الين مرة أخرى صاحب الأداء الأفضل خلال فترات التوتر الشديد في السوق، وفقًا لتحليل بلومبرغ للتحركات في أصول الملاذ الآمن والتقلبات الضمنية في الأسهم الأميركية.