في خضم الانتخابات الرئاسية الأميركية، تتجه أنظار الأسواق نحو المرشحين الرئيسيين، كامالا هاريس ودونالد ترامب، لتحديد من يمكن أن يحقق الاستقرار ويعزز النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.
المستثمرون والمحللون يقفون عند مفترق طرق، حيث تمثل هاريس بدورها استمراراً للسياسات الأكثر تشدداً تجاه الإصلاحات الضريبية الشاملة، في حين يعد ترامب بمواصلة السياسات المخففة للضرائب والتقليل من القيود التنظيمية على الأعمال.
بالنسبة للأسواق، فإن عامل الاستقرار الاقتصادي والاستدامة على المدى البعيد يحتل أولوية، مما يجعل سياسات هاريس الملتزمة بالطاقة النظيفة والمشاريع المستدامة جاذبة لكثير من الشركات في قطاع التكنولوجيا والطاقة المتجددة. في الوقت نفسه، تجد الشركات التقليدية وقطاعات الصناعات الكبرى في ترامب داعماً لنموها، مع توقعات بزيادة الحوافز الضريبية وإزالة بعض القيود التي كانت تشكل عبئاً على العديد من القطاعات الإنتاجية.
هذا الانقسام يعكس تنوع المصالح في الأسواق، حيث تتفاوت بين دعم التوسع السريع والمرونة في عهد ترامب، أو تبني التحول المستدام طويل الأمد مع هاريس.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تتعزز التكهنات حول مدى تأثير كلا المرشحين على البيئة الاستثمارية، مما قد يجعل السباق الرئاسي محط أنظار كبرى الشركات والمؤسسات المالية التي تتابع عن كثب مستقبل الاقتصاد الأميركي.
فرص وتحديات
في هذا السياق، رصد تحليل نشرته "بيزنس إنسايدر" جانباً من التأثيرات المحتملة على الأسواق في حال فوز دونالد ترامب أو كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مشيراً إلى انعكاس كل منهما على فئات الأصول الرئيسية، وسط رؤى متنوعة من خبراء وول ستريت وتوقعات مختلفة تتعلق بسوق الأسهم والسندات والعملة والأصول الرقمية.
فيما يخص سوق الأسهم حال فوز ترامب:
- ترامب: يعِد ترامب بتخفيض ضريبي على الشركات من 21 بالمئة إلى 15 بالمئة، مما سيزيد من أرباح الشركات بنحو 4 بالمئة، حسب تقديرات "بنك أوف أميركا".
- ستستفيد القطاعات الاستهلاكية وقطاع الخدمات بشكل خاص من تخفيض الضرائب، في حين قد يتأثر قطاع الطاقة سلباً بسبب التوجهات نحو التنقيب المكثف عن النفط الذي قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار نتيجة زيادة العرض.
- ويرى مراقبون أن مقترحات ترامب بشأن رفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية قد تؤدي إلى التضخم، مما قد يضعف أداء الأسهم.
أما فيما يخص هاريس:
- تقترح هاريس رفع ضريبة الشركات إلى 28 بالمئة، مما قد يضغط على القطاعات المستفيدة من تخفيض الضرائب.
- إلا أن أسهم شركات الطاقة المتجددة والمطورين العقاريين قد تشهد ارتفاعاً بفضل خططها لبناء 3 ملايين منزل ودعم الطاقة النظيفة.
- يشير الخبراء إلى أن نهج هاريس في السوق سيضمن استقراراً، بفضل استمرارية السياسات الاقتصادية الحالية الداعمة للنمو، مثل قانون الشرائح العلمية لدعم صناعة أشباه الموصلات.
أما فيما يخص "السندات":
- قد تؤدي سياسات ترامب، مثل ترحيل المهاجرين وتوسيع الرسوم الجمركية، إلى رفع أسعار الفائدة كأداة للتحكم في التضخم. وبالتالي، من المتوقع أن تنخفض أسعار السندات نتيجة لارتفاع العوائد.
- تؤكد تقديرات من مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" أن ارتفاع العجز في ظل إدارة ترامب سيضغط على معدلات الفائدة صعوداً، مما سيضعف أداء السندات.
- أما فيما يخص هاريس، فمن المرجح أن تخفض إدارة هاريس معدلات الفائدة، بفضل سياسات أقل تضخمية مما يتيح للاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة.
- تشير استطلاعات "بلومبيرغ" إلى أن المستثمرين يميلون إلى زيادة حيازتهم من السندات في حال فوز هاريس، حيث أشار 30 بالمئة من المستطلعين إلى تفضيلهم لشراء السندات إذا فازت، مقارنةً بـ 17 بالمئة إذا فاز ترامب.
وعلى صعيد الأصول الرقمية، يُتوقع أن يدعم فوز ترامب العملات الرقمية، خاصةً البيتكوين، حيث يُنظر إليه كمدافع قوي عن الأصول الرقمية. يتوقع "غاتام شغاني" المحلل لدى "برنشتاين" أن تصل أسعار البيتكوين إلى 90 دولار إذا فاز ترامب.
بينما الوضع فيما يخص هاريس، فرغم دعمها أيضاً للعملات الرقمية، تُعتبر هاريس أقل حماسةً تجاهها مقارنةً بترامب. لكن على العموم، يرى الخبراء أن التزايد المستمر في الديون الحكومية الأميركية سيدعم البيتكوين بغض النظر عن الرئيس.
أما حول الدولار الأميركي:
- ترامب: سياسات ترامب الحمائية قد تعزز من قيمة الدولار مؤقتاً نتيجة التوقعات بزيادة التعريفات وارتفاع الفائدة.
- تفيد تحليلات "كابيتال إيكونوميكس" بأن الدولار سيشهد انتعاشاً في الأجل القريب إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
- فيما يخص هاريس، فستدعم استمرارية السياسات الحالية فيما يخص الدولار نظراً لاستمرار سياسات التحفيز المالي وضغط التضخم المنخفض، مما يسمح بالخفض التدريجي للفائدة وتعزيز الاقتصاد.
بصورة عامة، يبدو أن تداعيات سياسات الرئيس المقبل على الاستثمارات قد تتأثر بالعوامل الأكبر مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي يُتوقع أن تشكّل اتجاهات السوق وفقًا لتحليلات "كابيتال إيكونوميكس".
الإيجابيات والسلبيات
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تفضيل الأسواق لهاريس أو ترامب يعتمد على عدة عوامل تتعلق بالسياسات الاقتصادية لكل منهما والتوجهات المتوقعة في حال فوز أي منهما، مضيفاً: "بشكل عام، الأسواق المالية تميل إلى تفضيل السياسات التي تعزز النمو الاقتصادي وتقلل من المخاطر وعدم اليقين".
فيما يخص ترامب، تتمثل الإيجابيات من وجهة نظر السوق، بحسب الإدريسي، فيما يلي:
- خفض الضرائب والتخفيف من القيود التنظيمية، ذلك أنه خلال فترة رئاسته السابقة، اعتمد ترامب سياسات تهدف إلى خفض الضرائب على الشركات والأفراد، إضافة إلى تقليل القيود التنظيمية على قطاع الأعمال. هذه السياسات لاقت قبولاً لدى الأسواق، حيث أدت إلى تعزيز أرباح الشركات ودفع النمو الاقتصادي.
- الاستثمار في البنية التحتية، باعتبار أن ترامب دعم مشاريع البنية التحتية، مما قد يحفز النشاط الاقتصادي ويفتح فرص استثمارية جديدة، وهو أمر قد تعتبره الأسواق إيجابياً.
أما السلبيات من وجهة نظر الأسواق:
- السياسات الحمائية والنزاعات التجارية.. حربه التجارية مع الصين وغيرها من الدول تسببت في تقلبات كبيرة في الأسواق وعدم يقين بشأن سلاسل التوريد العالمية. هذا النهج الحمائي يعتبر مصدر قلق، حيث يمكن أن يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي العالمي ويزيد من المخاطر.
- زيادة العجز المالي.. سياسته المتعلقة بخفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري أدت إلى زيادة العجز في الميزانية، ما قد يرفع تكاليف الاقتراض ويؤثر على استقرار الأسواق على المدى الطويل.
وفيما يخص نائبة الرئيس، مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية كامالا هاريس، فيشير الإدريسي إلى أنه فيما يخص إيجابياتها من وجهة نظر السوق، فالأمر يتعلق بما يلي:
- التوجه نحو السياسات التعددية والتعاون الدولي، فإذا اعتمدت هاريس سياسة خارجية تتسم بالتعاون مع الحلفاء والشركاء التجاريين، فقد يساعد ذلك في تهدئة التوترات التجارية وتوفير بيئة أكثر استقراراً للأسواق.
- الاستثمارات في الطاقة النظيفة والبنية التحتية، لا سيما وأن هاريس قد تركز على الاستثمار في المشاريع البيئية، وهو ما يمكن أن يوفر فرصاً جديدة للاستثمار ويخلق وظائف جديدة، ما يعد إيجابياً للأسواق.
أما السلبيات من وجهة نظر الأسواق:
- زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء، فإذا تبنت هاريس سياسات لزيادة الضرائب بهدف تمويل البرامج الاجتماعية أو الاستثمارات في البنية التحتية، فقد يؤدي ذلك إلى قلق الأسواق بشأن انخفاض أرباح الشركات.
- التوجه نحو التنظيم الصارم: هاريس قد تتبنى سياسات تنظيمية أكثر صرامة في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة، ما قد يثير قلق بعض المستثمرين بشأن التأثير على أرباح الشركات.
المرشح المفضل
ويعتقد الإدريسي بأن "الأسواق قد تفضل ترامب في المدى القصير"، لكنه يضيف عدداً من الملاحظات الأساسية فيما يخص تلك النتيجة:
- الأسواق قد تكون أكثر ميلاً لدعم ترامب نظرًا لسياساته المتعلقة بخفض الضرائب والتخفيف من القيود التنظيمية، التي تعزز أرباح الشركات. ومع ذلك، القلق من النزاعات التجارية والحمائية يمكن أن يسبب تقلبات كبيرة.
- من جهة أخرى، هاريس قد تكون أكثر جذباً على المدى الطويل إذا تبنت سياسات تركز على الاستدامة والتعاون الدولي، مما يعزز الاستقرار ويقلل من التوترات العالمية.
- في النهاية، الاختيار بين "صديق الأسواق" يعتمد على مدى استعداد المستثمرين لتحمل المخاطر الناتجة عن سياسات ترامب الحمائية أو تفضيلهم لسياسات هاريس التي قد تكون أكثر تنظيمية.
فروقات أساسية
في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY"، الدكتور نضال الشعار:
- من طبيعة الأسواق أن تتقدم وتنمو مع مرور الزمن لأسباب موضوعية، بغض النظر عن الحزب الحاكم سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً. لكن الفروقات تظهر في بعض القطاعات وأنواع الصناعات.
- في حالة فوز ترامب، من المتوقع أن تزدهر صناعات النفط والذكاء الاصطناعي، بينما قد تعاني الطاقة المتجددة نظراً لعدم اهتمام ترامب بتقديم التسهيلات التمويلية اللازمة لهذه الشركات.
- بالنسبة للشركات الكبرى، فإن فوز ترامب وإصراره على تخفيض معدلات الضرائب على الشركات، مع قدرته على تمويل هذه التخفيضات، قد يكون له أثر إيجابي عليها، من حيث زيادة الأرباح واستخدام جزء من هذه الأرباح في التطوير والابتكار. ويؤمن الكثيرون بأن السياسات الضريبية لترامب ستكون داعمة للأسواق بشكل عام.
في السياق، يتحدث الشعار عن "السياسات الحمائية" التي ينوي ترامب اتباعها من خلال فرض رسوم وتعريفات جمركية بمقدار 20 بالمئة على معظم الدول و60 بالمئة على الصين، باعتبارها قد تُلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الأميركي.
وستؤدي هذه السياسات إلى ارتفاع في المستوى العام للأسعار داخل الولايات المتحدة، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم. سيؤدي ذلك إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، مما يجعل البضائع الأميركية أكثر تكلفة ويقلص من صادراتها، وهو ما قد يضع الاقتصاد في حالة ركود.
فيما يلفت إلى أن سياسات هاريس تختلف عن سياسات ترامب، حيث تنوي رفع معدل الضرائب على الشركات من 21 بالمئة إلى 28 بالمئة.
ومن المتوقع أن يؤثر ذلك سلباً على أسهم الشركات، وقد يؤدي إلى انخفاض كبير في معظم مؤشرات السوق.
ويختتم تصريحاته بالإشارة إلى أنه من الصعب تحديد أثر فوز حزب معين بشكل دقيق، إذ إن الاقتصاد الأميركي لا يتأثر فقط بالحزب الحاكم، فهناك شريك أساسي في إدارة الاقتصاد، وهو البنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يُعد مؤسسة مستقلة تماماً عن الإدارة الأميركية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.
يلعب الاحتياطي الفيدرالي دوراً كبيراً في النمو الاقتصادي والحالة الاقتصادية للولايات المتحدة، ويظل مستقلاً عن التوجهات السياسية للإدارة.
بدوره، فإن رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن
- آخر الاستطلاعات أعطت ترامب أفضلية نسبية، لأننا نعرف أن أداء الاقتصاد الأميركي في عهد ترامب كان ممتازاً.
- على الرغم من أن الأداء الاقتصادي كان مستقراً حتى في عهد بايدن، إلا أن المواطن الأميركي يركز بشكل أساسي على القدرة الشرائية. فقد كان التضخم مرتفعاً جداً في عهد بايدن، مما أثّر سلبًا على رأي الناخب الأميركي، ومن هنا تأتي أفضلية ترامب.
- ضمن خططه الاقتصادية، يسعى ترامب لفرض رسوم وتعريفات جمركية بنسبة 20 بالمئة على استيراد البضائع الأجنبية، ويعتقد المواطن الأميركي بأن ذلك سيدعم الاقتصاد والمنتجات الأميركية.
- رغم أن هذه الرسوم قد تسبب بعض التضخم، إلا أن المواطن يبدو متقبلًا لها. كذلك، يروج ترامب في حملته الانتخابية للتخفيضات الضريبية، ومنها تخفيض الضريبة على الشركات من 21 بالمئة إلى 15 بالمئة.
ويضيف: هناك أيضًا بعض القطاعات التي ستستفيد من هذه السياسات، مثل قطاع الإكراميات في المطاعم (..) أما القطاعات الأخرى التي ستتلقى دعمًا فهي قطاعات السيارات والنفط، حيث يستهدفها ترامب بشكل أساسي.
ويستطرد: بالمقابل، نعلم أن الرئيس بايدن ورث ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم، مما أضاف ضغطاً سلبياً على مرشح الحزب الديمقراطي. ويُذكر أن ترامب، كرجل أعمال سابق، يتمتع بخبرة اقتصادية كبيرة، وهو ما يعتبر نقطة قوة له. أما كامالا هاريس، فهي تفتقر للخبرة الاقتصادية، مما يعد عاملًا سلبيًا في حملتها.