الأمور تبدو إيجابية بالنسبة للاقتصاد الأميركي، فالتضخم يتراجع، والإنتاجية ترتفع، والاحتياطي الفيدرالي يخفف السياسة النقدية، مما سيعطي دفعة للنمو الاقتصادي.
وتحول تركيز الاقتصاديين من الجدل حول احتمالية حدوث ركود إلى التنبؤ بما إذا كان "الهبوط الناعم" أو "عدم الهبوط" هو الأكثر احتمالًا. ويبدو أن النقاش يتمحور الآن حول سرعة نمو الاقتصاد من هنا فصاعدًا.
لكن توقعات سوق الأسهم أقل وضوحًا، حيث لا تزال البنوك الكبرى في وول ستريت منقسمة حول ما إذا كانت أسعار الأسهم ستستمر في الصعود.
تتداول الأسهم بالقرب من مستويات قياسية، ومؤشر S&P 500 في طريقه لتحقيق مكاسب سنوية متتالية تتجاوز 20 بالمئة، بحسب تقرير لـ "بيزنس إنسايدر".
من بين المحللين البارزين في بنوك وول ستريت، هناك خلاف حول ما إذا كانت كل الأخبار الجيدة قد تم استيعابها بالفعل في الأسعار أو إذا كانت السوق يمكنها مواصلة الصعود إلى ما بعد التقييمات الحالية المرتفعة.
من ناحية، يرى معظم المحللين أن المكاسب ستستمر، متجاوزة حالة عدم اليقين بشأن الانتخابات ومواصلة رفع الأسهم حتى العام 2025. لكن بعد ذلك، تتزايد حالة عدم اليقين وتصبح التوقعات غير واضحة.
المتفائلون
تسعى العديد من بنوك وول ستريت وراء الارتفاع القياسي في سوق الأسهم هذا العام، حيث رفعت أهدافها لمؤشر S&P 500 لتواكب الاتجاه.
رفع استراتيجيون في UBS أهدافهم السعرية لمؤشر S&P 500 الأسبوع الماضي، متوقعين أن يصل المؤشر إلى 6,300 في يونيو 2025 و6,600 في نهاية العام المقبل. وهذا يمثل ارتفاعًا محتملاً بنسبة 8 و13 بالمئة.
رئيس الأسهم الأميركية في UBS، ديفيد ليفكوفيتز، قال إن النمو "الصحي" للأرباح سيفتح الطريق لمزيد من المكاسب، مضيفاً: "موسم أرباح الربع الثالث بدأ بشكل إيجابي.. كما أن الإنفاق الاستهلاكي لا يزال صحيًا ويتماشى مع النمو الاقتصادي الطبيعي".
وتوقع البنك أن يؤدي تحسن التضخم، وخفض الفوائد من الاحتياطي الفيدرالي، وتسارع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي إلى دعم السوق في العام المقبل.
"القوة تجلب المزيد من القوة"، وهذا جزء كبير من رؤية براين بلسكي، استراتيجي في BMO، المتفائلة بشأن الأسهم حتى عام 2025.
في الشهر الماضي، رفع بلسكي هدفه لسعر S&P 500 إلى 6,100 من 5,600، مما جعله أحد أكثر الاستراتيجيين تفاؤلاً في وول ستريت. وأضاف: "لا نزال نتفاجأ بقوة مكاسب السوق وقررنا مرة أخرى أن تعديلاً أكثر من المعتاد كان مبررًا".
المتشائمون
على الجانب الآخر، يلتزم المحللون المتشائمون في وول ستريت بوجهات نظرهم رغم أخطائهم طوال العام. أبرز مخاوفهم تتعلق بإمكانية حدوث تخفيضات أقل في أسعار الفائدة مما هو متوقع، وتضخم الوعود المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي قد لا تتحقق.
استراتيجيون في JPMorgan تمسكوا بتوقعهم المتشائم لمؤشر S&P 500 عند 4,200 بنهاية العام، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 28 بالمئة عن المستويات الحالية.
في مذكرة سابقة، أقر الاستراتيجي دوبرافكو لاكوس-بوجاس من JPMorgan بأن الركود أصبح غير مرجح، لكنه أشار إلى أن استثمارات الذكاء الاصطناعي قد لا تحقق العوائد المتوقعة.
كما حذر من أن التوقعات المتعلقة بتخفيضات الفائدة قد تخيب إذا استمر الاقتصاد في الثبات، مما قد يحد من قدرة الفيدرالي على تخفيض الفائدة ويؤدي إلى ضغوط على أسعار الأسهم.
ما بين المتشائمين والمتفائلين
الاستراتيجي في Goldman Sachs، ديفيد كوستين، متفائل على الأقل في المدى القصير. وقد رفع هدفه السعري لنهاية العام لمؤشر S&P 500 إلى 6,000، بناءً على توقعات نمو الأرباح. ولكن كوستين يحذر أيضًا من أن العصر الذهبي لعوائد سوق الأسهم قد انتهى.
دفعة للأسواق
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، إن:
- التوجه نحو خفض أسعار الفائدة يمثل دفعة قوية للأسواق المالية، وخاصة أسواق الأسهم.
- أي خفض في أسعار الفائدة يعزز من قدرة الشركات على تحقيق نتائج إيجابية من خلال تقليل تكاليف خدمة الدين، مما يتيح لها الفرصة للتوسع والتطوير بشكل أكبر.
لكنه أوضح أن السياسات المتعلقة بخفض الفائدة تواجه بعض التحديات، ذلك أن الاستمرار في هذا المسار يعتمد على عدة عوامل؛ من بينها نتائج الانتخابات الأميركية، ذلك أنه في حال فوز ترامب بالرئاسة، فمن المتوقع أن يتبنى سياسات توسعية تعتمد على الاستدانة، مما قد يؤدي إلى صراع بين الاستدانة وارتفاع معدلات التضخم مجدداً.
واختتم حديثه بالقول إن تخفيض الفائدة سيكون له تأثير كبير، خاصة على الشركات الصغيرة التي تعاني من نسبة ديون مرتفعة، حيث سيخلق ذلك بيئة أكثر مرونة وإيجابية تدعم الأسواق والاقتصاد بشكل عام.
ووفق تقرير لـ "فوربس"، فحتى الآن، يبدو أن العام 2024 سيكون عامًا قويًا للأسهم. ومع توقع انخفاض أسعار الفائدة بشكل أكبر، فمن السهل أن نفترض أن العام المقبل قد يكون فوزًا آخر لمستثمري الأسهم - لو كانت الأسواق المالية بهذه البساطة.
بحسب التقرير، فإن ثمة مخاطر حقيقية وشكوك تنتظرنا في العام 2025. وفي حين يتوقع العديد من المحللين أن يكون العام إيجابيا للأسهم، فإن العديد من العوامل قد تؤدي إلى التقلبات على طول الطريق.
ورصد التقرير مجموعة من العوامل المؤثرة، أولها نتائج الانتخابات الأميركية، والتضخم، وأسعار الفائدة، علاوة على التقدم المحرز في مجال التكنولوجيا والاستثمار في الذكاء الاصطناعي وعوائده، جنباً إلى جنب مع التطورات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية التي تفرض نفسها على المشهد.
تأثير إيجابي
بدورها، أكدت خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التوجه نحو مزيد من خفض أسعار الفائدة ينعكس بشكل إيجابي على أداء الأسهم، إذ تعزز السياسات النقدية المرنة من زخم الأسواق مقارنةً بالسياسات النقدية المتشددة.
وأوضحت رمسيس أن التحول إلى سياسات نقدية أكثر مرونة يخلق خيارات متنوعة للمستثمرين بين الاستثمار في سندات الخزانة والأسهم المدرجة في البورصة. وأشارت إلى أن حركة الأسهم الحالية تشهد انتعاشاً بفضل عوامل متعددة؛ منها نتائج الأعمال وضخ استثمارات جديدة في قطاعات مختلفة (لا سيما القطاعات التكنولوجية).
وأضافت أن السوق الأميركية حظت في الآونة الأخيرة باهتمام كبير من المستثمرين، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى جانب الصناعات التكنولوجية مثل السيارات الكهربائية ورقائق أشباه الموصلات، مما يزيد من جاذبية السوق ويعزز استثماراته المتنوعة.
وتابعت رمسيس بالقول إن وول ستريت، بوصفها الرائدة عالمياً، مرشحة لتحقيق قمم قياسية جديدة، وهو ما سينعكس على أسواق عدة دول أخرى، مشيرة إلى أن قرارات الاحتياطي الفدرالي الأميركي تؤثر بشكل مباشر على الأسواق الأوروبية والخليجية، بالإضافة إلى تأثيرها على دول شرق آسيا وشمال إفريقيا.
وتوقعت مواصلة المؤشرات الأميركية الرئيسية تحقيق مستويات قياسية جديدة، بشرط أن تواصل الولايات المتحدة خفض أسعار الفائدة دون تباطؤ، محذرة من أن أي تأخير في خفض الفائدة قد يؤدي إلى اختبارات مؤقتة لمؤشرات الأسهم مع كل صعود، يعقبه بعض الانخفاض قبل استئناف الارتفاعات.
كما أوضحت أن حركة المؤشرات والأسواق العالمية، لا سيما الأمريكية، تتأثر أيضاً بالتطورات السياسية، وخاصة نتائج الانتخابات الأميركية والسياسات الاقتصادية التي ستتبعها الإدارة الجديدة، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.
توقعات مختلفة
ووفق تقرير "فوربس"، تتراوح توقعات الخبراء لنمو سوق الأوراق المالية في العام 2025 بين انخفاض بنسبة 5 بالمئة ونمو بنسبة 20 بالمئة. ويرى العديد من الخبراء أن زيادة بنسبة 10 بالمئة هي السيناريو الأكثر ترجيحا.
على سبيل المثال، يتوقع ريتشارد ماكوورتر، الشريك الإداري لشركة Private Wealth Advisor، نطاقًا يتراوح بين -5 و5 بالمئة. ويستشهد ماكوورتر بالمضاعف المرتفع لمؤشر S&P 500 كعامل أساسي. ويعتقد بأن الأرباح يجب أن تنمو إلى هذا المضاعف قبل أن تتمكن السوق من تحقيق نمو مزدوج الرقم.
لدى إيد ماهافي، رئيس ومدير محفظة الاستثمار في ClientFirst Wealth, Legacy & Estate Planning، نظرة أكثر تفاؤلاً. مستشهدًا بالابتكار المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي وانخفاض أسعار الفائدة، يتوقع ماهافي أن ينهي مؤشر S&P 500 عام 2025 مرتفعًا بنسبة 14.5 إلى 19.6 بالمئة.
ويرى مايكل آشلي شولمان، الشريك والمدير التنفيذي للاستثمار في شركة رننج بوينت كابيتال أدفايزرز، أن النمو في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سيتراوح بين 7 و11 بالمئة في العام المقبل، مع تقلبات على طول الطريق. ويشير إلى النمو الاقتصادي، وتوسع الأرباح، وارتفاع نشاط عمليات الدمج والاستحواذ، وانخفاض أسعار الفائدة كعوامل مؤثرة.
مسار صاعد
وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أشار خبير أسواق المال والعضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية، محمد حسن، إلى أنه من المتوقع أن يكون لبدء تراجع أسعار الفائدة وإنهاء السياسات التشديدية في السوق الأميركية تأثير إيجابي كبير على حركة الأسواق في الولايات المتحدة وعلى الأسواق العالمية بشكل عام.
وأضاف حسن أن أسواق الأسهم، مثل وول ستريت، مرشحة لمواصلة مسارها الصاعد مع انتهاء السياسات التشديدية والاتجاه المحتمل نحو خفض معدلات الفائدة خلال الفترة المتبقية من العام الحالي وحتى بداية عام 2025.
وأوضح أن انتعاش سوق الأسهم في الولايات المتحدة سيؤثر إيجابياً وبشكل مباشر على بقية الأسواق العالمية، بما في ذلك أسواق منطقة الشرق الأوسط.
ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة إقبالاً قوياً من المستثمرين على أسواق الأسهم لاستغلال الفرص المتاحة والاستفادة من المناخ الاستثماري الإيجابي.
وتوقع حسن استمرار المسار الصاعد لأسواق الأسهم على مستوى العالم، بدءاً من السوق الأميركية، بشكل تدريجي وسريع استجابةً لتوجهات خفض الفائدة العالمية، بعد أن سجلت مستويات مرتفعة خلال الأعوام الماضية.