في أحدث مسعى من صانعي السياسات لدعم النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أعلنت الصين عن عدة إجراءات تهدف إلى تعزيز قطاع العقارات في البلاد.

وذكرت وزارة الإسكان، يوم الخميس، أنها ستسرّع تقديم الائتمان للمطورين العقاريين الذين يعانون من صعوبات، وستعمل على تجديد مليون شقة في ما يُعرف بـ"الأحياء العشوائية الحضرية"، وهي استراتيجية استخدمتها الصين في فترة الركود العقاري السابقة. 

وبموجب ما تم إعلانه من إجراءات، سيتم توفير مزيد من التمويل للمشاريع المدرجة على "القائمة البيضاء" الحكومية، حيث سيتم إصدار قروض بقيمة 4 تريليونات يوان (ما يعادل 550 مليار دولار) بحلول نهاية هذا العام.

والقائمة البيضاء هي آلية توصي من خلالها البلديات المصارف بمشاريع عقارية يجب اعطاءها الأولوية في التمويل.

وحث وزير الإسكان والتنمية الحضرية والريفية، ني هونغ، البنوك على تقديم القروض لأكبر عدد ممكن من المشاريع. 

المشاريع المدرجة على "القائمة البيضاء" في بكين مؤهلة للحصول على تمويل مدعوم حكوميًا لاستكمال الشقق غير المكتملة وضمان تسليمها للمشترين. 

حتى يوم الأربعاء، بلغت القروض المقدمة للمشاريع المؤهلة 2.23 تريليون يوان، ومن المتوقع أن تتضاعف بحلول نهاية عام 2024، وفقًا لما ذكره شياو يوانتشي، نائب مدير هيئة التنظيم المالي للدولة، في نفس مؤتمر صحافي. 

وبحسب وزير الإسكان الصيني، ني هونغ،  فإن الحكومة تخطط لتجديد مليون شقة في الأحياء العشوائية من خلال إعادة توطين السكان. 

وكانت الصين قد أطلقت برنامجًا مشابهًا لإعادة تطوير الأحياء الفقيرة بتمويل حكومي في عام 2015، حيث عوضت الحكومات المحلية السكان المتضررين إما نقدًا أو بمساكن جديدة، فيما قدمت البنوك الحكومية قروضًا للحكومات المحلية لتمويل البرنامج. 

في المؤتمر الصحافي يوم الخميس، أكد ني أن البنوك الحكومية ستوفر دعمًا ماليًا مشابهًا، ويمكن للحكومات المحلية إصدار سندات خاصة لتمويل إعادة التطوير. كما يمكن للبنوك التجارية تقديم قروض لهذه المشاريع. 

إضافة إلى ذلك، تدرس البنوك المركزية الصينية إجراءات لدعم قطاع العقارات، بما في ذلك السماح للبنوك المختلفة بتقديم قروض للمطورين العقاريين لشراء الأراضي. كما قد يتم اللجوء إلى آليات إعادة الإقراض لتقديم هذه القروض، وفقًا لما صرحت به تاو لينغ، نائبة محافظ بنك الشعب الصيني.، بحسب تقرير لـ "وول ستريت جورنال".

أثّر الركود المطول في قطاع العقارات بشكل كبير على الاقتصاد الصيني. وبعد سلسلة من الإجراءات التحفيزية التي أعلنها البنك المركزي الشهر الماضي، ظهرت مؤشرات أولية على تعافي السوق العقاري. 

وفي المؤتمر الصحفي، قال ني إن بيانات العقارات لشهر أكتوبر من المتوقع أن تظهر "نتائج إيجابية ومتفائلة".

أخبار ذات صلة

‎الرئيس الأميركي القادم والصين.. ما الاستراتيجيات المتوقعة؟
الصين تكشف إجراءات جديدة لمساعدة قطاع العقارات المتعثر

أزمة عقارية

من جانبه، قال الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إن الصين تواجه أزمة عقارية كبيرة تنقسم إلى شقين: 

- الشق الأول: حجم القروض الضخم الذي يثقل كاهل الشركات العقارية.

- الشق الثاني: انخفاض قيمة العقارات، في مقابل عدم قدرة كثير من المواطنين على الحصول على مسكن ملائم، وهي مفارقة لم تكن في الحسبان في ظل الأزمة الطاحنة التي تحيط بالقطاع. 

وأضاف إسماعيل أن الحكومة الصينية اضطرت إلى التعامل مع هذه الأزمة عبر مجموعة من الإجراءات، شملت تسهيل حصول الشركات العقارية المتعثرة وذات "الصفحة البيضاء" على القروض. كما لجأت إلى ترميم بعض المساكن لتوفير سكن ملائم للمواطنين. 

وأوضح الخبير في الشأن الصيني أن هذه القرارات تضخ حيوية جديدة في القطاع المتعثر، بما يسهم في تحريك المياه الراكدة فيه، ويوفر العديد من فرص العمل في القطاعات المرتبطة به، مثل الهندسة، المقاولات، وشركات مواد البناء. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى انتعاش القطاع خلال الفترة المقبلة.

وأكد إسماعيل أن أثر هذه القرارات لن يظهر فورًا، بل سيستغرق  ما لا يقل عن عام حتى تنتهي الشركات المسؤولة من عمليات الترميم، ويتم التوصل إلى آلية لتسوية الديون المتراكمة على الشركات العقارية. 

واختتم الخبير حديثه بسرد النتائج المتوقعة لهذه القرارات، التي تشمل: 

- تعزيز النظرة التفاؤلية للاقتصاد الصيني بشكل عام. 

- إعطاء الأمل للمواطن الصيني في الحصول على مسكن ملائم. 

- طمأنة المستثمرين في القطاع العقاري، مع تعهد الحكومة بدعم الشركات العاملة فيه.

إجراءات غير مسبوقة

بعد إعلانات متفرقة في الأشهر الأخيرة لم يكن لها تأثير ظاهري، كانت السلطات الصينية قد كشفت نهاية سبتمبر إجراءات غير مسبوقة بحجمها منذ سنوات من بينها خفض معدل الفائدة وتيسير شروط القروض العقارية.

وأدت حزمة الإجراءات هذه إلى ارتفاع كبير في بورصات هونغ كونغ والصين القارية بأكثر من 20 بالمئة.

واستهدفت غالبية الإجراءات حتى الآن القطاع العقاري الذي شكل لفترة طويلة محرك النمو الصيني، لكنه يعاني أزمة عميقة راهنا على غرار شركتا المقاولات كانتري غاردن وإيفرغراند الغارقتان في مديونية عالية وعلى شفير الافلاس.

وخفض المصرف المركزي خصوصا نسبة الفائدة على سنة لدى المؤسسات المالية وخفض الضمانات الضرورية للحصول على قرض عقاري وكذلك الفائدة على الرهون العقارية.

وأعلنت مدن صينية كبرى أيضا رفع بعض القيود المحلية التي كان يعتبر أنها تحول دون شراء العقارات ولا سيما في بكين وشنغهاي وكانتون وشنجن.

أخبار ذات صلة

الصين .. اكتشاف 104 ملايين طن من احتياطيات خام الحديد
تصاعد التوترات في بحر الصين يعرض التجارة العالمية للخطر

قطاع متعثر

من جانبه، علق مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على الأزمة التي يشهدها القطاع العقاري في الصين خلال الفترة الأخيرة.

وأوضح أن الصين تعاني من ركود عقاري يشبه إلى حد كبير حالة "الفقاعة العقارية"، حيث أصبحت شركات التطوير العقاري غير قادرة على بيع وحداتها، في حين يعجز العديد من المواطنين عن سداد المستحقات لهذه الشركات.

شبّه شعيب هذا الوضع بما حدث في الولايات المتحدة في العام 2008، حين تراجعت قيمة التمويل على العقارات لتصبح أقل من سعر بيعها، مما أدى إلى إحجام المواطنين عن شراء العقارات وتفاقم الركود الاقتصادي.

وأشار شعيب إلى أن الصين تحاول حاليًا إيجاد حلول تمويلية لهذه الشركات للخروج من أزمتها، مضيفاً: هذا التراجع يشير إلى خطر كبير، لا سيما أن القطاع العقاري يُعد أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الصيني.

وأوضح أن الحكومة الصينية أعلنت في مايو الماضي عن خطة تعثرت بعد ذلك، كانت تتضمن تقديم البنك المركزي والبنوك الحكومية قروضًا بقيمة 500 مليار يوان (حوالي 70 مليار دولار) لدعم المؤسسات الحكومية المحلية لشراء العقارات غير المباعة. وستتولى الحكومات المحلية لاحقًا تأجير هذه العقارات كمساكن اجتماعية.

وأكد شعيب أن سرعة تنفيذ هذه القرارات قد تحدث تأثيرًا ملموسًا على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الصيني يعاني حاليًا من تباطؤ في النمو. وقد دفع هذا التباطؤ منظمة "أوبك" إلى خفض إنتاج النفط للحفاظ على الأسعار في ظل تراجع الطلب الصيني.

واختتم شعيب حديثه بالإشارة إلى أن الحكومة الصينية تعمل في هذه المرحلة على تحفيز الحركة الاقتصادية وتعزيز القوة الشرائية للمواطنين. يأتي هذا في وقت يشهد العالم كله تباطؤًا اقتصاديًا نتيجة لسياسات التشديد النقدي التي أثرت على النمو العالمي.

وكانت السلطات الصينية، قد أكدت أن لديها "ملء الثقة" بتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2024 بـ 5 بالمئة.

وقال جينغ شانجي، رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاحات خلال مؤتمر صحافي في بكين "كلنا ثقة بتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية هذه السنة".