العلاقات الصينية الأميركية تُعد من أهم العلاقات الثنائية في العالم؛ فهي تجمع بين أكبر اقتصادين عالميين يتنافسان على الصعيدين التجاري والتكنولوجي، وتشهد تقلبات متواصلة تتراوح بين التعاون والصراع.

تعرضت العلاقات لتوترات شديدة في السنوات الأخيرة، خاصة مع تصاعد النزاعات التجارية والتكنولوجية، إلى جانب الصدامات حول قضايا الأمن القومي وحقوق الإنسان.

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يترقب العالم كيف ستتشكل السياسة الخارجية تجاه الصين في عهد الرئيس القادم. إذا فاز دونالد ترامب، من المرجح أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة أكثر عدائية تجاه الصين، استكمالاً لسياساته السابقة التي ركزت على فرض رسوم جمركية صارمة، تقليص التعاون الاقتصادي، وتعزيز التحالفات في منطقة آسيا لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي. على الجانب الآخر، إذا فازت كامالا هاريس، قد يكون ثمة توجه أكثر دبلوماسية وتعاوناً في بعض المجالات، خاصة تلك المتعلقة بقضايا عالمية مثل التغير المناخي والصحة العامة، مع الحفاظ على صرامة في قضايا التجارة والأمن القومي.

تقرير لـ "إيكونوميست" ذكر أن الرئيس الأميركي القادم سيكون "صقراً" في التعامل مع الصين، يعني ذلك أن الرئيس سيعتمد سياسة صارمة وحازمة تجاه الصين، وسيكون أكثر تشدداً في التعامل معها في القضايا السياسية والاقتصادية.

بحسب التقرير، فقد يسعى دونالد ترامب إلى فك الارتباط بين الاقتصاد الأميركي وبكين، في حين تفضل كامالا هاريس ممارسة ضغوط أكثر استهدافاً ودقة.

أخبار ذات صلة

الاقتصادات الكبرى تستهدف صناعة السيارات الكهربائية في الصين
فائض الطاقة الإنتاجية بالصين يضغط على شركات السيارات الغربية

وأفاد التقرير بأنه على الرغم من أن بريطانيا لا تزال تزعم أن لها "علاقة خاصة" مع الولايات المتحدة، فلا يمكن لأية دولة أن تنازع الصين في ادعاءها بأنها تتمتع بأهم علاقة. وسيتعين على الرئيس الأميركي القادم أن يتولى إدارة العلاقات الثنائية في وقت حيث العداء المتبادل وانعدام الثقة مرتفعان.

كما سيتعين عليه أن يوجه الأمور بحذر لتجنب تفتيت الاقتصاد العالمي أو ما هو أسوأ من ذلك بكثير فيما يتعلق بإغراق اثنتين من القوى العسكرية العظمى في العالم في صراع مسلح.

يحدد عضو الكونغرس الديمقراطي وأعلى عضو في الحزب في اللجنة المختارة المؤثرة في مجلس النواب بشأن الحزب الشيوعي الصيني، راجا كريشنامورثي، ثلاث قضايا رئيسية في ملف الرئيس القادم بشأن الصين، بحسب ما نقلته "الإيكونوميست"، وهي كالتالي:

  • أولاً: كيفية ردع الصراع "خاصة في بحر الصين الجنوبي ومنطقة تايوان".
  • ثانياً: "استخدام الصين للتكنولوجيا في المراقبة والاختراق وزرع البرمجيات الخبيثة في بنيتنا التحتية الحيوية".
  • ثالثاً: العدوان الاقتصادي" الصيني، وخاصة "الطاقة الزائدة في قطاع السلع الخضراء"، مثل صناعات الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية التي تعتمد على التصدير في البلاد.

أبرز التحديات

في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تناول الخبير الاقتصادي علي الإدريسي، العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة والصين، مشيراً إلى أنها ستكون من أبرز التحديات التي سيواجهها الرئيس الأميركي القادم.

الإدريسي أوضح أن الاستراتيجيات المتوقعة تجاه الصين ستتسم بالتنوع والتعقيد، وستمثل محاولة للتوازن بين المنافسة الشرسة والتعاون الضروري على الساحة الدولية.

أخبار ذات صلة

"تحالف" روسي صيني في مواجهة الغرب.. ما خطورة التصعيد الأخير؟
ماذا تحتاج إفريقيا من الصين؟

أولًا، فيما يتعلق بالتجارة والتعريفات الجمركية، من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في فرض ضغوط اقتصادية على الصين من خلال التعريفات الجمركية والعقوبات، لا سيما في القطاعات التكنولوجية الحيوية، وفق الإدريسي الذي أشار إلى أن الإدارة الجديدة قد تسعى إلى إعادة التفاوض على اتفاقيات تهدف إلى تقليص العجز في الميزان التجاري بين البلدين، في محاولة لتخفيف الاعتماد الأميركي على الواردات الصينية.

ثانيًا، في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني، قد نشهد تشديدًا أكبر على القيود المتعلقة بالصادرات التكنولوجية المتقدمة إلى الصين، مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس، حيث تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على تفوقها التكنولوجي ولحماية أمنها القومي. وبحسب الإدريسي فإن هذه القيود قد تتوسع لتشمل المزيد من القطاعات المتقدمة.

ثالثًا، أوضح الإدريسي أن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ستظل محوراً رئيسياً في السياسة الأميركية تجاه الصين. يمكن أن تصعّد الإدارة القادمة من لهجتها تجاه الانتهاكات المزعومة لحقوق بعض الأقليات أو تراجع الحريات في هونغ كونغ، وقد تصل الأمور إلى فرض عقوبات إضافية على المسؤولين الصينيين.

رابعًا، تعزيز التحالفات الإقليمية سيكون عنصرًا أساسيًا في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. الإدريسي رأى أن الولايات المتحدة ستسعى لتوثيق علاقاتها مع حلفاء استراتيجيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وربما توقع المزيد من الاتفاقيات الدفاعية والأمنية لمواجهة أي تهديدات محتملة.

خامسًا، في قضية تايوان، شدد الإدريسي على أن هذه المسألة ستظل نقطة توتر رئيسية بين واشنطن وبكين، موضحاً أن الإدارة الجديدة قد تتبنى نهجاً أكثر دعماً لتايوان، من خلال تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي معها، مما سيزيد من حدة التوترات مع الصين.

وأخيرًا، أشار الإدريسي إلى أن بالرغم من التصعيد المحتمل في بعض الملفات، فإن التعاون البيئي والدبلوماسي سيظل ضرورة ملحة، خصوصًا في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والأزمات الصحية. الإدريسي يرى أن هذه القضايا قد تدفع الطرفين إلى تجاوز خلافاتهما والتعاون من أجل تحقيق استقرار عالمي.

توقعات مختلفة

تقرير لـ scmp الصينية، ذكر أنه من المرجح أن تواجه الصين والولايات المتحدة المزيد من "الصراع السياسي" إذا تغلبت كامالا هاريس على دونالد ترامب الشهر المقبل لتصبح الرئيسة المقبلة لأميريكا ، وفقًا لأحد أبرز علماء السياسة الصينيين.

نقل التقرير عن عميد معهد العلاقات الدولية بجامعة تسينغهوا في بكين، يان شيويتونغ، إن المرشحة الرئاسية للحزب الديمقراطي ستكون "أكثر ترددا" من منافسها الجمهوري في قبول حقيقة أن الصين تلحق بالركب وأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الهيمنة على العالم كما فعلت في تسعينيات القرن العشرين .

تهديد متزايد

مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، أوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الولايات المتحدة ترى في الصين تهديداً متزايداً؛ نظراً لتنافسها الشديد على الصدارة الاقتصادية العالمية، حيث تعد الصين القوة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة.

هذه المنافسة تجعل من الصين تحدياً استراتيجياً يستدعي التعامل معه من قبل كلا الحزبين الأميركيين، وليس من حزب واحد فقط. كما أشار إلى أن انضمام الصين إلى تحالفات مثل "البريكس" وتعاونها الوثيق مع روسيا وإيران، يعزز من خطورة هذا التهديد على النفوذ الأميركي الإقليمي والدولي، لا سيما من الناحية الاقتصادية.

وأضاف شعيب أن الهند، بوصفها خامس أكبر اقتصاد عالمي، تمثل منافساً إضافياً للولايات المتحدة، مما قد يؤثر على قدرتها العسكرية والسياسية في التحكم بالمشهد الدولي والإقليمي. وأكد أن هذا التراجع في الدور الأميركي كقوة عظمى أصبح واضحاً، خاصة بعد انسحابها من العراق وتورطها غير المباشر في الحرب في أوكرانيا من خلال دعم كييف. وفي العقد الأخير، تبنت الولايات المتحدة سياسات تعتمد على الحروب الاقتصادية وحروب الوكالة، متجنبة التدخل العسكري المباشر.

شعيب أكد أن الصين ستظل، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة، منافساً شرساً يهدد الاستقرار الأمريكي ويقوض هيمنتها السياسية والاقتصادية على الساحة العالمية. ويرى أن المرشح القادم سيركز بشكل أكبر على المصالح الاقتصادية مقارنة بالقضايا الإقليمية، مفضلًا دعم حروب الوكالة عبر أوكرانيا والمناوشات مع الصين من خلال تعزيز التحالفات في منطقة جنوب شرق آسيا.

في الختام، توقع شعيب أن الاستراتيجية المستقبلية للرئيس القادم ستتمحور حول معالجة خمس قضايا أساسية: أزمة الطاقة، ارتفاع الأسعار، الركود الاقتصادي، التضخم، وأزمة الديون. وهذه القضايا تتطلب حلولاً سريعة وحاسمة تختلف عن توجهات الإدارة الحالية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الأميركي.