مع حلول الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر وبدء الحرب في غزة، تزداد المخاوف بشأن اتساع الصراع بالشرق الأوسط، في ظل الاستعدادات التي تقوم بها تل أبيب لشن ضربة على إيران، رداً على وابل الصواريخ التي أطلقتها طهران على إسرائيل.
وبحسب تقرير أعدته "فاينشال تايمز" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز"، فإن إسرائيل تناقش حاليا مع حلفائها الأميركيين، توجيه ضربات لمنشآت النفط الإيرانية، وهذا الخيار الانتقامي ورغم عدم حدوثه حتى الآن، هز أسواق النفط، وأثار المخاوف من أن المنطقة أصبحت على شفا "حرب نفطية" قد تهدد إمدادات النفط العالمية.
ويعتقد الخبراء أن أي هجوم إسرائيلي يؤدي إلى تعطيل صادرات طهران النفطية البالغة 1.7 مليون برميل يومياً، من شأنه أن يُخلّف عواقب وخيمة على أسواق الطاقة العالمية، في حين أن أي رد إيراني على الهجوم المتوقع، من شأنه أن يتسبب بمزيد من الاضطرابات.
هل الشرق الأوسط على شفا "حرب نفطية"؟
تنقل "فاينشال تايمز" عن محللين قولهم إن مثل هذه الدورة غير المنضبطة من الهجمات، من شأنها أن تخاطر بارتفاع أسعار السلع الأساسية الأكثر أهمية في العالم، وإعادة إشعال التضخم وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي قبل أسابيع من الانتخابات الأميركية.
وبحسب دانييل يرجين، المؤرخ في مجال الطاقة الحائز على جائزة بوليتسر، فإن الخطر الحالي، ناتج عن أن الصراع بين إسرائيل وإيران أصبح أكثر عدوانية، فردة الفعل بين الطرفين قد تصبح أكبر بكثير من السابق، في حين يقول جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، إن السيناريو "الأكثر تطرفًا" رغم أن احتمالات حدوثه منخفضة ومن الصعب تنفيذه، هو خنق إيران لحركة المرور عبر مضيق هرمز، الممر البحري الذي يمر عبره واحد من كل خمسة براميل نفط خام يتم استهلاكها في العالم يومياً.
ما تأثير الأحداث على أسعار النفط؟
أدى تهديد إسرائيل باستهداف منشآت النفط الإيرانية، إلى ارتفاع خام برنت، وهو المعيار العالمي، بنسبة 8 في المئة الأسبوع الماضي إلى ما يقرب من 78 دولاراً للبرميل، وذلك بعد أن شهدت أسواق الطاقة بداية هادئة نسبياً الأسبوع الماضي، مع تباطؤ الطلب من الصين.
ويقول هيننج جلويستين من مجموعة أوراسيا، إن أسعار برنت من غير المرجح أن ترتفع فوق 85 دولاراً للبرميل، إذا ظلت المواجهة محصورة في ضربات جوية محدودة لا تصيب البنية الأساسية للطاقة في إيران، مشيراً إلى أن الهجمات الإسرائيلية الناجحة ضد أصول النفط الإيرانية، من شأنها أن تدفع الأسعار بالتأكيد إلى ما يزيد على 85 دولاراً للبرميل وربما نحو 100 دولار، في حين أنه إذا كان هناك انتقام إيراني كبير من شأنه أن يؤثر بشكل خطير على الشحن عبر مضيق هرمز فمن المرجح أن يرتفع برنت كثيراً.
ويرى محللون من "سيتي غروب" أن الجهود الناجحة لخنق مضيق هرمز، على الرغم من أنها غير مرجحة، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار النفط، التي ستتجاوز بكثير أعلى مستوياتها القياسية السابقة البالغة 147.50 دولار لبرميل خام برنت في عام 2008.
وبحسب تقرير "فاينشال تايمز" فإن أي ارتفاع في أسعار الخام سوف ينعكس في نهاية المطاف على تكاليف البنزين، وهو ما قد يؤثر سلباً على الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر 2024.
كيف يمكن تحقيق الاستقرار في السوق؟
إن خفض الإنتاج الذي جرى منذ عامين حتى اليوم، من قبل منتجي أوبك+ وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يعني أن المجموعة لديها أكثر من 5 ملايين برميل يومياً من الطاقة الاحتياطية، والتي يمكن استعادتها إذا تعطلت الإمدادات الإيرانية فجأة، حيث تقول آن لويز هيتل، نائبة رئيس أسواق النفط في وود ماكنزي، إن هذه الخطوة تشكل رسالة طمأنة للسوق بينما ندخل في هذا الوضع الخطير للغاية.
ويلفت تقرير "فاينشال تايمز" إلى أن الدول الغربية تحتفظ باحتياطيات استراتيجية كبيرة، يمكن استخدامها لإخماد زيادة الأسعار، في حين عملت الصين، التي تُعد وجهة كل النفط الإيراني تقريباً، على بناء احتياطياتها، وهو ما قد يساعد في تخفيف أي انقطاع في الإمدادات.
من جهة أخرى، توفر إمكانات النفط الصخري الوفيرة في الولايات المتحدة، نوعاً من الاستقرار للأسواق، حيث يستطيع منتجو النفط نظرياً زيادة الإنتاج بسرعة لتهدئة الأسعار.
الشرق الأوسط على مفترق طرق
وتقول لوري هايتايان، وهي خبيرة في شؤون النفط والغاز، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن منطقة الشرق الأوسط أمام عدة سيناريوهات، وكل سيناريو يتوقف على حجم الضربة التي ستوجهها إسرائيل لإيران، ففي حال قامت إسرائيل باستهداف منشآت تصدير النفط الإيراني، فهذا يعني أن السوق ستواجه نقصاً يتراوح حجمه بين 1.2 وأكثر من 1.5 مليون برميل نفط، ما ستكون له ارتدادات في السوق، ولكنها ليست كبيرة، مشيرة إلى أن هذا الأمر مرده إلى أن الاقتصاد العالمي إنطلاقاً من الصين مروراً بأوروبا وصولاً لأميركا، بحالة انكماش وليس بوضع جيد، لتكون هناك حاجة لطلب كبير على النفط والغاز.
وبحسب هايتايان فإن ما يدعم عدم قيام السوق بردة فعل قوية على خروج النفط الإيراني من المعادلة العالمية، هو إدراك المراقبين أن أوبك+ وبفعل سياسة خفض الإنتاج التي اعتمدتها في خلال الأعوام الماضية، تملك قدرة احتياطية تتراوح بين 5 و6 ملايين برميل يومياً، وبالتالي فإن كانت هناك حاجة لضخ مزيد من النفط في السوق، يمكن اللجوء لهذه الاحتياطات، لافتة إلى أن إسرائيل وكي لا تتسبب بتصعيد تنعكس تبعاته على الاقتصاد العالمي، قد توجه ضربتها لمنشآت النفط الإيرانية المخصصة للانتاج الموجه للاستعمال الداخلي، وهذا ما سيخلق مشاكل وبلبلة داخل إيران، مع انقطاع السوق المحلية من المشتقات النفطية.
وشددت خبيرة النفط على أن ما يجب ترقبه، هو رد فعل إيران على الضربة الإسرائيلية، حيث يمكن أن تقوم طهران باستهداف منشآت النفط الإسرائيلية، لخلق حالة من البلبة في الداخل الإسرائيلي، وذلك مع إضطرار تل أبيب لإغلاق جميع منشآت النفط والغاز في البلاد، علماً أن إسرائيل قامت بتحضير نفسها لسيناريو إغلاق منشآت انتاج الطاقة في البلاد، واستعمال البديل لاستمرار توافر الكهرباء لمواطنيها، حيث أن هذا السيناريو سيكون بمثابة ضربة للاقتصاد الإسرائيلي مع تراجع العائدات من النفط، كما أن إغلاق منشآت النفط الإسرائيلية، قد يؤثر سلباً على مصر والأردن لناحية انقطاع التيار الكهربائي في البلاد.
واعتبرت هايتايان أن تنفيذ إسرائيل لضربة كبيرة جداً على إيران، قد يدفع الأخيرة إلى عرقلة حركة النقل عبر مضيق هرمز، حيث ستتمثل ارتدادات هذه الخطوة بتعطّل نحو 30 في المئة من حاجات السوق العالمية للنفظ والغاز.