اندلعت الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس في 7 أكتوبر 2023، مُحدثةً هزات عميقة في البنية الاقتصادية لكلا الجانبين.
شكلت الحرب تأثيرات اقتصادية حامية، فالاقتصاد الفلسطيني، الذي يعاني أساساً من حصار طويل الأمد ونقص في الموارد، وجد نفسه في مواجهة كارثة إنسانية واقتصادية جديدة. البنية التحتية الهشة أصلاً تعرضت لمزيد من التدمير، مما زاد من معدلات البطالة والفقر، وعطّل النشاطات الاقتصادية الأساسية.
هذا الصراع أسفر عن تدمير واسع للمنشآت الصناعية والتجارية، مما قوض القدرة الإنتاجية للقطاع الخاص وأدى إلى تراجع حاد في الإيرادات الحكومية.
تعرض الاقتصاد الفلسطيني عموماً لآثار مدمرة نتيجة الحرب المستمرة في غزة. وتشير التقارير إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية، مثل شبكات الكهرباء والمياه والمرافق الصحية، تقدر بمليارات الدولارات، مع تسبب الحرب في تراجع حاد بالناتج المحلي الإجمالي، ذلك أن القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة تضررت بشدة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، يعكس أحدث تقارير البنك الدولي -الصادر قبل نهاية الشهر الماضي- جانباً من التداعيات الاقتصادية للحرب في غزة على الاقتصاد الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة، على النحو التالي:
- جميع سكان قطاع غزة يعانون من الفقر.
- التضخم تجاوز 250 بالمئة، بسبب تداعيات الحرب المستمرة على القطاع منذ نحو عام (والتي تسببت بنزوح نحو مليوني إنسان).
- 35 بالمئة انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأراضي الفلسطينية في الربع الأول من 2024، وهو "الأكبر على الإطلاق".
- 86 بالمئة انكماشاً باقتصاد غزة خلال الربع الأول.. بينما انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 25 بالمئة.
- نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية بلغت مستويات قياسية وتجاوزت 50 بالمئة.
ويشار إلى أن الوضع الإنساني قد تفاقم بشدة بسبب نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، مع امتلاء الملاجئ، وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي، كما أدى النقص الحاد في الغذاء والماء والوقود والمعدات الطبية إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي، وظروف شبيهة بالمجاعة، بحسب البنك الدولي.
تداعيات مُدمرة
في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، أن الاقتصاد الفلسطيني قد تأثر بشكل كبير مع مرور عام على الحرب، وأن التداعيات السلبية مستمرة على مختلف جوانب الاقتصاد، مشيراً إلى أن أحد أبرز أسباب هذا التدهور يتمثل في اعتماد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على إيرادات العمالة الفلسطينية، حيث يعمل العديد من الفلسطينيين في المدن الإسرائيلية، وخاصة في الضفة الغربية، لكن مع اندلاع الحرب توقفت هذه العمالة بشكل كامل، مما انعكس سلبًا على الاقتصاد الفلسطيني كأحد أهم مصادره.
وأضاف الرقب أن شلل القطاع الزراعي في الضفة الغربية كان من العوامل الرئيسية وراء تدهور الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى التدمير الكامل للمصانع المتواجدة في غزة، وهو ما أثر بشكل مباشر على شريحة كبيرة من المواطنين الذين يعملون في هذه المصانع. وأوضح أن هناك عاملًا آخر أثر بشدة على الاقتصاد الفلسطيني، وهو قرصنة إسرائيل على أموال السلطة الفلسطينية، مما أثر على قدرة السلطة على دفع رواتب الموظفين وتعطيل جميع جوانب الحياة الاقتصادية.
وأشار إلى أن تكلفة الحرب على الاقتصاد الفلسطيني بعد مرور عام كانت ضخمة جدًا وأثقلت كاهل الموازنة العامة، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص، الذي كان يتمتع بموازنة تفوق حجم موازنة الدولة، تعرض بدوره لضربة قاسية جعلت القدرة على تحقيق أي نمو اقتصادي شبه مستحيلة. وأضاف أن توقف الاستثمارات المحلية والدولية وتدمير البنية التحتية الحيوية جعل من إعادة إعمار الاقتصاد الفلسطيني تحديًا يحتاج لدعم مالي كبير وبرامج إصلاحية عاجلة، لا سيما في ظل غياب الدعم الدولي الكافي حتى الآن.
ووفق مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية UNOSA، فإن نحو 66 بالمئة من مباني قطاع غزة "تعرضت لأضرار" منذ أكتوبر 2023، مع وجود 163.8 ألف مبنى متضرر، من بينهم: ما يزيد عن 52 ألف مبنى تم تدميره بالكامل، و19 ألف مبنى تضرر بشدة، و56.7 ألف مبنى تضرر بشكل متوسط، و35.5 ألف مبنى تضرر بشكل ما. وتعد مدينة غزة الأكثر تضرراً بـ 63.6 ألف مبنى.
وبلغت الخسائر التي تعرض لها قطاع غزة منذ بداية الحرب حوالي 33 مليار دولار أي ضعف حجم الاقتصاد الفلسطيني، أما تكلفة إعادة الإعمار فيتوقع أن تصل إلى 40 مليار دولار بحسب الأمم المتحدة وأن تستغرق 80 عاماً.
قال تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، منتصف الشهر الماضي، إن اقتصاد غزة تقلص إلى أقل من سدس حجمه منذ اندلاع التصعيد.
عوامل مختلفة
من جانبه، أفاد أستاذ العبري الحديث وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن الاقتصاد الفلسطيني قد تأثر بصورة كبيرة بسبب عدة عوامل؛ أبرزها غياب المستحقات المالية لدى الحكومة الفلسطينية (من أموال المقاصة)، حيث كانت تُحصل هذه الأموال على يد إسرائيل ثم تُحول إلى فلسطين، لكن هذا النظام توقف تمامًا مع بدء الحرب.
وأضاف أن من ضمن الأسباب السلبية الأخرى تأثير حالة الشلل التام في قطاع التوظيف على مستوى فلسطين، مما أدى إلى خسائر فادحة في مختلف القطاعات. كما أن عمليات التهجير المستمرة وفقدان المراكز الحيوية بفعل الحرب التي استمرت لمدة عام أسهمت أيضًا في تفاقم الوضع الاقتصادي.
وشدد على ضرورة تقديم الدول المانحة خدمات متنوعة للاقتصاد الفلسطيني بشكل عاجل، نظراً لحجم المعاناة الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، مما يهدد قدرة الناس على الاستمرار في حياتهم اليومية. وطالب بضرورة توفير دعم مالي وتعزيز برامج الإغاثة والتنمية لضمان استمرارية الخدمات الأساسية والحد من تداعيات الحرب المستمرة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها فلسطين."
وكان تقرير "التحديث الاقتصادي الفلسطيني" الصادر عن البنك الدولي في أواخر سبتمبر الماضي، قد أشار إلى توسع فجوة التمويل لدى السلطة الفلسطينية، والتي من المتوقع أن تصل إلى 2 مليار دولار في 2024 (أي ثلاثة أضعاف الفجوة في 2023)، مما يشكل مخاطر جسيمة على تقديم الخدمات وقد يؤدي إلى انهيار نظامي".
- توقف العمليات التجارية في غزة أدى إلى ترك الأسر بلا دخل، في وقت ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير.
- النظام التعليمي مُنهار في غزة.. كذلك تضرر النظام الصحي بشكل كبير، حيث لم يعد 80 بالمئة من مراكز الرعاية الأولية تعمل، وفق البنك الدولي.
- الصراع أدى إلى نقص حاد في النقد في غزة، مما أثر على الوصول إلى المساعدات الإنسانية والخدمات المالية الأساسية.
مصادر محدودة
وفي تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد الكاتب والمحلل المتخصص في الشأن الفلسطيني، أشرف أبو الهول، أن الاقتصاد الفلسطيني تأثر بشكل كبير نتيجة الوضع الراهن، حيث إن هذا الاقتصاد، بطبيعته يعاني من الفقر ويعتمد على مصادر محدودة تقتصر في معظمها على المساعدات الخارجية والضرائب التي تجنيها إسرائيل ثم تُحول إلى فلسطين.
أضاف أبو الهول أن القنوات الاستثمارية المتاحة للاقتصاد الفلسطيني ضئيلة، حيث تعتمد بشكل رئيسي على النشاط الزراعي وتحويلات الفلسطينيين العاملين في الخارج، بالإضافة إلى العمالة الفلسطينية في إسرائيل بالضفة الغربية وغزة.
وأشار إلى أن الحرب على غزة والضفة الغربية أدت إلى تدمير واسع للأراضي الزراعية والمصانع، مما تسبب في توقف كبير لتحويلات الأموال. كما أن الاستيلاء الإسرائيلي على جزء كبير من الضرائب والجمارك كان له تأثير سلبي عميق على الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية.
وأوضح أن هذه التداعيات أدت إلى زيادة معدلات البطالة وانهيار العديد من القطاعات الاقتصادية، معتبراً أن الشيء الوحيد الذي يساهم في بقاء المواطنين أحياء في غزة هو مساعدات الجهات الدولية، التي تظل ركيزة أساسية لدعم الفلسطينيين في مواجهة الأوضاع القاسية، بينما يواجه أبناء الضفة الغربية تحديات مماثلة في ظل غياب فرص العمل والموارد المستدامة.