المال قد يكون واحدًا من أكثر الأسباب إثارة للخلاف بين الأزواج، بل وقد يصل في بعض الحالات إلى تهديد استقرار الحياة الزوجية.
وفي ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها الكثيرون، يصبح من السهل أن تتحول النقاشات حول الميزانية أو الإنفاق إلى صدامات تؤثر سلبًا على العلاقة.
لكن إدارة المال بذكاء وشفافية يمكن أن تجعل هذه الأوقات العصيبة فرصة للتعاون وبناء تفاهم أعمق بين الزوجين.
"لا تدع المال يؤثر على زواجك" ليس مجرد شعار، بل هو دعوة لتعلم كيفية إدارة الشؤون المالية بشكل مشترك، وإيجاد التوازن بين الإنفاق والادخار، مما يسهم في تعزيز الترابط والتفاهم بين الزوجين بعيدًا عن الضغوط المالية.
وفي هذا السياق، يشير تقرير لمنصة "إيكونوميك تايمز"، إلى أن:
- قد تسوء الأمور كثيراً إذا لم تكن تعرف شريكك جيداً.
- قبل عقد القران، يتحدث الزوجان عن أشياء كثيرة. وقد تدور المحادثات حول أفلامهما المفضلة ووجهات العطلات والتفضيلات الطهوية، ولكن المحادثات الحاسمة حول المال عادة ما يتم تجاهلها.
- الاختلاف الكبير في العادات المالية، حيث يكون أحد الشريكين مدخرًا مجتهدًا، بينما يستمتع الآخر بالإنفاق، يمكن أن يؤدي إلى الاحتكاك.
- بعض الاختلافات من السهل إدارتها، لكن الخلافات الأكبر يمكن أن تكون مصدرًا دائمًا للتوتر.
ونقل التقرير عن نائب الرئيس التنفيذي لشركة أناند راثي ويلث، فيروز عزيز، قوله: "من الضروري تثقيف بعضنا البعض بشأن الأمور المالية، بحيث يتم اتخاذ القرارات بشكل متبادل، مما يمنع الضغط على العلاقة".
يمكن للخلافات المالية أن تؤدي إلى تفاقم العلاقة، فقد وجدت دراسة أجرتها شركة Jimenez Law Firm ومقرها الولايات المتحدة أن الخلافات المالية تسبب 29 بالمئة من حالات الطلاق في ذلك البلد.
ويضيف:
- إن مفتاح منع الصراعات المالية بعد الزواج هو التواصل المفتوح.
- يجب أن يشعر كلا الشريكين بالراحة في مناقشة الأمور المالية دون خوف من حكم الطرف الآخر.
مديرة شركة Finsafe، ميرين أجراوال، تنصح قائلة: "يتردد العديد من الأزواج في الحديث عن الأمور المالية، خوفًا من أن يبدو الأمر وكأنهم مهتمون بالمال أو مسيطرون.
ومع ذلك، فإن القضايا المالية تشكل سببًا رئيسيًا للطلاق، لذا من المهم عدم تجنب هذه المحادثات".
وتقترح عالمة النفس ميغا دوتا: "بدلاً من طرح أسئلة استفهامية مباشرة، تعامل مع الموضوع باعتباره مناقشة أوسع حول أهداف الحياة، والقيم، وكيفية تناسب الأمور المالية مع ذلك".
إن القرارات المالية غالباً ما تتشكل وفقاً لخلفية الشخص وخبراته السابقة، تماماً كما هو الحال مع العادات اليومية. ومن المهم أن تجد شريكاً يتوافق تفكيره المالي مع تفكيرك. والخطوة الأولى هي فهم عاداتك المالي.
الصراحة والشفافية
خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، أشارت إلى أهمية الصراحة والشفافية بين الزوجين في إدارة الأمور المالية للأسرة، مشددة على ضرورة مناقشة الإمكانات الحالية ووضع ميزانية تُراعى فيها الأولويات، مع تخصيص جانب للادخار لمواجهة الظروف الطارئة. كما شددت أيضاً على أن الاستدانة المستمرة ليست حلاً مستدامًا، بل يتطلب الأمر البحث عن وسائل لزيادة الدخل، مثل العمل الإضافي.
وأضافت أنه على الزوجة المساهمة في مسؤولية المنزل، ولو بشكل جزئي من دخلها، لكن من دون أن تشعر بأن كل دخلها مخصص للمنزل، مع ترك حرية الاختيار لها.
وبالمقابل، يتعين أن يكون الزوج داعمًا ولا يفرض عليها الالتزام الكامل. ذلك أن المشاركة المالية تكون طبيعية حين تلمس الزوجة الصعوبات التي تواجه الأسرة.
وتطرقت إلى أهمية الادخار من أي دخل إضافي، مع إمكانية استثماره في أصول مثل الذهب أو البورصة أو أصول ثابتة، إن كانت الإمكانات متاحة.
وأما الأسر ذات الإمكانات المحدودة، فيتعين أن تركز على الأساسيات وتتجنب الكماليات.
وأشارت رمسيس إلى أن الصراحة المطلقة في معرفة مصادر الدخل بين الزوجين تسهم في تجنب المشاكل المالية، ذلك أن عدم الشفافية قد يقود إلى صدامات.
وأضافت أن الخلافات المالية تُعد أمرًا شائعًا حتى في العلاقات التي بدأت بالحب والتفاهم، ولذلك على الزوجة أن تكون حكيمة في تصرفاتها، خاصة إذا كانت معتادة على مستوى حياة مختلف في منزل والدها.
وأوضحت أن النجاح في إدارة المنزل يعتمد على التنظيم الدقيق، بتدوين المصروفات والإيرادات كما تُدار ميزانية أي شركة.
الثقافة المالية
مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية أكد على أن إدارة الأمور المالية تبدأ من غرس مفهوم "الثقافة المالية"، وهو مفهوم غير منتشر على نطاق واسع في ثقافات عديد من الفئات المجتمعية، موضحاً أن المناهج الدراسية في المراحل الأساسية، مثل الابتدائية والإعدادية، تفتقر إلى تعليم الطلاب كيفية التعامل مع المال. حيث لا يتم تعليمهم المفاهيم البسيطة مثل أن "الدخل يساوي الإنفاق زائد الادخار زائد الاستثمار"، وهو ما يعزز الفهم المالي الضروري لإدارة الدخل بشكل متوازن.
وأضاف أن من المهم تعليم الأطفال تقسيم مصروفهم إلى ثلاثة أجزاء: جزء للادخار، وجزء للإنفاق، وآخر للاستثمار، حتى وإن كان الاستثمار بسيطًا. الفكرة ليست فقط في الادخار أو الإنفاق، بل في تعلم كيفية إدارة المال بذكاء.. ومن هنا تبدأ التربية المالية السليمة، والتي تعين لاحقاً الأفراد على إدارة شؤون أسرهم.
فيما يتعلق بالأمور المالية بين الزوجين، أوضح مدير مركز رؤية أن تلك الأمور تتشكل منذ الطفولة، وتنمو مع الفرد.
وأشار إلى أن الأزمات المالية لا تبدأ بعد الزواج، بل من مرحلة الطفولة بسبب غياب التوجيه الصحيح حول الادخار والإنفاق والاستثمار واتخاذ القرارات الشرائية.
كما تطرق إلى مشكلة ارتفاع تكاليف الزواج في المجتمعات العربية نتيجة المتطلبات المادية المتزايدة، مثل الأثاث ذو العلامات التجارية الفاخرة والأجهزة الكهربائية المتعددة. وأكد أن هذه التكاليف العالية، بجانب الرواتب المنخفضة وارتفاع الأسعار، تؤدي إلى تأخير سن الزواج وزيادة معدلات العنوسة.
ونصح بضرورة تجنب الاستدانة والعيش ببساطة في بداية الحياة الزوجية. كما شجع الزوجين على العمل الإضافي أو بدء مشاريع صغيرة، حتى من المنزل، باستخدام التجارة الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي، كوسيلة لتحقيق الاستقرار المالي والوصول إلى مستوى من الثراء تدريجيًا.