في عام 2016، خاض دونالد ترامب حملته الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة على وعد بهزيمة الصين. وبمجرد توليه منصبه بعد فوزه بالرئاسة، أطلق ترامب وابلاً من التعريفات الجمركية وضوابط التصدير غير المسبوقة ضد المنتجات والبضائع الصينية.
والآن وفي حملته لعام 2024، تعهد ترامب وفي حال فوزه بالذهاب في حربه التجارية ضد الصين إلى أبعد مما ذهب إليه خلال فترة رئاسته الأولى، مهدداً بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60 في المئة على جميع الواردات الصينية إلى أميركا.
وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" وأطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى والتي بلغت 25 في المئة على واردات بقيمة 350 مليار دولار من الصين، وجّهت بالفعل ضربة قوية للتجارة الثنائية بين البلدين، حيث انخفضت حصة الصين من الواردات الأميركية من 21 في المئة عندما انتُخِب ترامب إلى 14 في المئة في عام 2023، في حين يرجح تحليل أجرته خدمة "بلومبرغ إيكونوميكس" واعتمد على نموذج منظمة التجارة العالمية، أن يؤدي المقترح الجديد بفرض تعريفات بنسبة 60 في المئة، إلى خنق الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بالكامل تقريباً.
تداعيات الرسوم الجديدة
ومن المؤكد أن هذا الإجراء من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد الصيني، الذي يمر بالفعل بحالة انهيار بطيء في سوق العقارات، فبحسب أحد خبراء الاقتصاد المحليين في الصين، فإن أسعار العقارات في شنغهاي انخفضت بنسبة 20 في المئة عن ذروة عام 2021، وهذه النسبة تعادل تقريباً متوسط حجم انخفاض سوق العقارات على مستوى أميركا خلال انهيار سوق الإسكان في البلاد، في حين أن الصادرات المزدهرة هي من العوامل الوحيدة التي تمنع اقتصاد الصين من الانزلاق إلى الركود بحسب "بلومبرغ".
وفي الوقت عينه، من شأن تصعيد ترامب للحرب التجارية أن يكون مدمراً أيضاً للولايات المتحدة، فبناءً على نمط "العين بالعين" الذي اعتمدته الصين خلال فترة ولاية ترامب الأولى، يمكن التوقع أن ترد بكين بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة على الشحنات الأميركية إلى الصين، وهذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى خفض مبيعات الولايات المتحدة إلى الصفر، بخسارة سنوية تبلغ نحو 150 مليار دولار.
وتزعم الجماعات الأميركية التي تدعو إلى اتخاذ موقف قوي وعدواني، بشأن قضايا الأمن القومي، أن التكاليف الاقتصادية الكبيرة التي ستتحملها أميركا، نتيحة قرار ترامب ستكون ثمناً يستحق الدفع لدرء التهديد الوجودي الذي يفرضه صعود الصين، فموجة التعريفات والعقوبات التي تم اقرارها خلال العهد الأول لترامب كانت سبباً في إبطاء تقدم الصين في عالم التكنولوجيا.
وتدرك الولايات المتحدة جيداً، أن الاقتصادات الكبرى ذات الروابط العالمية الواسعة لا يمكن إسقاطها بسهولة حتى من قبل أقوى دولة في العالم، وهذا الأمر ينطبق على الصين، فتهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة من شأنه أن يلقي المزيد من الحصى في عجلات الصين، ولكنه لن يمنعها من التقدم.
إلى أي مدى سترتفع الأسعار في أميركا؟
رغم أن وجهة نظر ترامب تقول إن الرسوم الجمركية هي بمثابة ضريبة على الصين، لكنها في الواقع أيضاً ضريبة على المستهلكين الأميركيين، إذ ستؤدي إلى زيادة أسعار كل شيء من الألعاب إلى الأجهزة اللوحية.
ففرض تعريفات جمركية بنسبة 60 في المئة على البضائع الصينية، إضافة إلى تعريفات جمركية أخرى يهدد ترامب بفرضها على بقية دول العالم، سيدفع الأسعار في أميركا إلى الارتفاع بنحو 4 في المئة بحلول موعد انتخابات عام 2028، بحسب نموذج منظمة التجارة العالمية.
ولكن بطبيعة الحال، ليس من الضروري أن تكون الافتراضات التي يتم التوصل إليها دقيقة، فعندما فرض ترامب المجموعة الأولى من التعريفات الجمركية على الصين في عام 2018، كان من الصعب تحديد تأثير ذلك على تضخم الأسعار، فحينها انخفضت قيمة العملة الصينية، اليوان، نسبة إلى الدولار، مما أدى إلى تعويض بعض الزيادة في تكلفة الواردات. في المقابل اختار العديد من تجار التجزئة الأميركيين، تحمل النفقات الإضافية بدلاً من إثقال كاهل عملائهم. ومع ذلك، فإن قفزة التعريفات الجمركية من نسبة 25 إلى 60 في المئة على جميع الشحنات، من شأنها أن تشكل عبئاً كبيراً جداً.
قطاعات في مرمى النيران
وبحسب تقرير "بلومبرغ"، الذي اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه من المؤكد تقريباً أن المزارعين الأميركيين، الذين يعتبرون الصين أكبر سوق لصادراتهم، سوف يقعون في مرمى النيران المتبادلة، كما حدث خلال المرحلة الأولى من حرب ترامب التجارية. وقد تجد الشركات الأميركية التي لم تمسها العقوبات من قبل، نفسها منجرفة في الصراع الجديد. بما في ذلك شركة آبل وشركة تيسلا، اللتان تستمدان نحو خمس مبيعاتهما من الصين.
وسواء كان ترامب أو كانت هاريس من سيفوز بالانتخابات، يشير تقرير "بلومبرغ" إلى أنه من المستحسن أن يقضي الرئيس الأميركي الجديد، المزيد من الوقت والطاقة في تسريع تقدم أميركا ووقت أقل في محاولة إبطاء تقدم الصين، ولكن في الوقت عينه فإنه لا يحق للصين الحفاظ على الحواجز الحمائية في السوق المحلي، بينما تتمتع البلاد بالوصول المفتوح إلى الأسواق الخارجية، فهذا السلوك السيئ يتطلب استجابة من قبل السلطات.
ويقول الخبير المصرفي بهيج الخطيب في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة جديدة، سيكون ضررها أكثر حدة على الاقتصاد الصيني مقارنة بما حصل خلال ولايته الأولى، فنسبة الرسوم الجمركية التي يهدد ترامب بفرضها على الصين، وفي حال أصّر على تطبيقها، ستتسبب بخضّة كبيرة للتجارة العالمية، لم نشهدها منذ قرون، مشيراً إلى أن اقتصاد الصين هو أكثر عرضة للخطر في الفترة الحالية، حيث يعاني من صعوبات نتيجة أزمة العقارات في البلاد.
ووفقاً للخطيب فإن ترامب وخلال جولاته الانتخابية يتباهى بأن التعريفات الجمركية التي فرضها على الصين خلال ولايته السابقة، أدت إلى تعزيز الصناعة المحلية وجمعت مئات المليارات من الدولارات، التي تدفقت مباشرة إلى خزائن الحكومة الفدرالية، وهو لذلك يخطط للقيام بإصلاح جذري لسياسة التعريفات الجمركية الأميركية في حال فوزه، لافتاً إلى أن ترامب يرفض تماماً آراء الاقتصاديين، الذين يقولون إن ما قام به رفع التكاليف على المستهلكين والمنتجين الأميركيين.
تهديدات تواجه الصين
وبحسب الخطيب فإن تعرفة الـ 60 في المئة الجديدة المزمع فرضها من قبل ترامب، ستشمل جميع الواردات الصينية إلى أميركا دون استثناء، وهذه الخطوة ستؤدي بكل تأكيد إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة، إلا أنها ستشكل في الوقت عينه ضربة كبيرة للقطاع الصناعي الصيني، الذي يعتمد عليه حالياً اقتصاد البلاد، فاقتراح ترامب سيؤدي إلى خفض النمو الاقتصادي الصيني بنحو 1.4 نقطة مئوية العام المقبل، وهو ما من شأنه أن يخفض النمو في عام 2025 إلى حوالي 3.4 في المئة من نسبة الـ 4.8 في المئة المتوقعة، كما أن ضربة ترامب قد تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي للصين، بنسبة 2 بالمئة في غضون 12 شهراً بعد فرضها، وهذا الأمر مرده إلى أن التعريفات الجمركية الجديدة، ستضر بصادرات بكين إلى أميركا، فالصين هي ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وتمثل 11.7 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية للولايات المتحدة.
ويرى الخطيب أن خيارات ترامب الجمركية، ستؤدي إلى اضطرابات هائلة في الاقتصاد الصيني، وستقلب التجارة العالمية، فالرئيس الأميركي السابق طرح أيضاً فكرة فرض تعريفات بنسبة 10 في المئة، على ما يقرب من 3 تريليونات دولارات من الواردات السنوية إلى اميركا، من جميع دول العالم، معتبراً أن الخاسر الأكبر مما سيقوم به ترامب في حال فوزه، ستكون الصين التي ستعاني صادراتها وأرباح شركاتها من ضغوط، في حين ستتضرر ثقة الأعمال والمستهلكين، وسيخف الاستثمار والتوظيف هناك.
من جهته يقول المحلل المالي محمد سعد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أميركا تشهد حالياً جدلاً بين أوساط صانعي القرارات الاقتصادية في البلاد، بشأن الجهة التي ستتحمّل تكاليف الرسوم الجمركية الجديدة المزمع فرضها، فهناك من يرى أن الصين هي الخاسر الأكبر من هذا القرار، وهناك من يؤكد أن التكاليف الجديدة سيتم دفعها في المقام الأول من قبل المستهلكين والشركات الأميركية، في حين توقع تقرير لشركة "أكسفورد إيكونوميكس" أن يتسبب إنهاء أميركا لعلاقاتها التجارية الطبيعية مع الصين، بتكبد الاقتصاد الأميركي لخسارة بقيمة 1.6 تريليون دولار وفقدان أكثر من 700 ألف وظيفة.
شكل الانتقام الصيني
ويؤكد سعد أنه في حال فاز ترامب وقرر المضي قدماً في خططه الاقتصادية، فإن مالية الحكومة الصينية ستتعرض لضغوط شديدة، في ظل الانهيار العقاري الحاصل في البلاد، فاعتماد الاقتصاد الصيني على التصنيع والصادرات، يجعل بكين أكثر حساسية لتصعيد الحرب التجارية مع أميركا، ولكن من بين الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها الصين، هي السماح بإضعاف قيمة العملة الصينية بشكل أكبر نسبة إلى الدولار، إضافة إلى تخفيض الضرائب والفوائد ومنح المُصدّرين امتيازات، كما يمكن للصين أن تنتقم من أميركا، عبر رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية، وحجب إمدادات المعادن الحيوية، وربما بيع الأصول الأميركية، مثل سندات الخزانة.
ويرى سعد أنه بينما يتنافس كل من هاريس وترامب على منصب الرئاسة، فإن المرشحين تجمعهما وجهة نظر واحدة، بشأن ضرورة فرض مزيد من التعريفات الجمركية على السلع الصينية المستوردة، وذلك لتعزيز أوجه التصنيع المحلي، ولكن الفارق هو أن هاريس تتمسك بسياسة تعريفات جمركية أكثر انتقائية، قد تؤدي إلى خفض النمو الاقتصادي الصيني بنحو 0.03 نقطة مئوية العام المقبل، وهو أمر من الممكن للصين استيعابه سريعاً، في حين أن مفاعيل خطة ترامب من شأنها هز الاقتصاد الصيني على نطاق واسع وخلق ارتدادات عنيفة.