تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن نقص الاستثمار في خلق فرص التعليم والعمل للشباب قد يكلف الاقتصاد العالمي 83 تريليون دولار بحلول العام 2030، وذلك في الوقت الذي يعاني فيه واحد من كل خمسة شباب من عدم الحصول على عمل أو تعليم أو تدريب.
وبحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، تشير الأبحاث إلى أن 4 من كل 10 من الشباب لا يمتلكون المهارات أو المؤهلات أو الخبرات المناسبة لدخول سوق العمل أو بدء عمل تجاري.
ويضيف التقرير أن عدم التوافق بين المهارات التي تحتاجها أماكن العمل والمهارات التي يتم تطويرها بالفعل أمر معروف جيداً، وخاصة مع استمرار تغير مشهد العمل بسرعة.
وتشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن ما يقرب من نصف هذه "المهارات الأساسية" من المتوقع أن تتغير في السنوات الخمس المقبلة.
ويوضح أن الفجوة الأكبر تتمثل في المهارات الرقمية.
ووجد بحث موازٍ أجرته شركة ديل تكنولوجيز أن 44 بالمئة فقط من الشباب لم يتلقوا سوى مهارات رقمية "أساسية للغاية"، في حين لم يتلق 12 بالمئة منهم أي تدريب على الإطلاق.
كما أن ثلاثة من كل عشرة شباب يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة في بلدانهم، وأن نفس النسبة لا يحصلون على الدعم المناسب لمساعدتهم في الحصول على عمل أو تأسيس أعمال تجارية.
ووفق التقرير، فإن عمل الشباب ورفاهتهم لا يزال يتأثر بأربعة عوامل: كوفيد-19، والصراع، وتغير المناخ، وتكلفة المعيشة.
وتظهر الأبحاث بوضوح أن البرامج والأساليب الحالية للتعامل مع تحدي البطالة بين الشباب مجزأة: فهي لا تلبي احتياجات الشباب وتحد من قدرتهم على تحقيق إمكاناتهم.
ولعل الأهم من ذلك كله هو أن هذا يشير إلى أن الشباب يتطلعون إلى القيام "بعمل ذي معنى".
وهذا العمل يتضمن ضمانات وتجارب عمل مثرية وممكنة تعزز مهاراتهم وآفاقهم في حين تسمح لهم بالمساهمة في تعزيز الشعور بالهدف والتأثير على المجتمع.
إذن، إلى أين نتجه من هنا لمواجهة تحديات التشغيل ونقص فرص العمل والبطالة بين الشباب؟
وفق التقرير، فإن العمل الهادف هو "العمل العادل والمُرضي، والذي يؤثر بشكل إيجابي على نمو ورفاهية الشباب ومجتمعاتهم"، كما أخبر المستجيبون في استطلاع المنتدى عن شكل هذا العمل في الممارسة العملية، وهو الاستطلاع الذي استخلص 12 معيارًا للعمل الهادف لمشاركتها مع منظمة العمل الدولية والشركاء العالميين الآخرين.
سمات العمل اللائق
ويضيف التقرير: إن المكونات السحرية للعمل اللائق هي أنه يجب أن يكون صحيًا ومكافئًا وأخلاقيًا وحمائيًا وشاملًا ومعززًا للنمو ومشتركًا ومتوازنًا ومنتجًا ومستدامًا وهادفًا، ومتصلًا.
ووفق التقرير، فإن:
- الجميع لديهم دور يلعبونه، بدءاً بالحكومات التي يمكنها استخدام هذه المعايير لمواءمة جهودها والسماح للشباب بالتعبير عن آرائهم في القرارات التي تؤثر على مستقبلهم.
- يمكن لأصحاب العمل استخدامها في التوظيف وتعزيز ثقة العمال، والتحفيز، والاحتفاظ بالموظفين، والتدريب والتطوير.
- يمكن للشباب أنفسهم استخدام المعايير لمساعدتهم على التنقل في حياتهم المهنية.
- إن معاناة ملايين الشباب من العمل لا تؤثر على رفاهتهم فحسب، بل وتعرقل النمو الاقتصادي في المستقبل.
ولا يقتصر العمل الهادف على الأجور والمزايا العادلة فحسب، بل يشمل أيضًا الشعور بالهدف وفرص النمو والتوازن الصحي بين العمل والحياة. كما يهدف إلى تحقيق المنفعة للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء.
"المهارات" المحك الرئيسي
من جانبها، أشارت الخبيرة الاقتصادية، حنان رمسيس، إلى أنه في بداية الحياة المهنية، قد يجد الشاب نفسه غير قادر على فرض شروطه، وعليه قبول العمل بالمكان والراتب المحددين له.
لكنها أوضحت أن الوضع يختلف إذا كان الشخص يتمتع بموهبة ومهارة بارزة، حينها يمكنه التفاوض على راتب أعلى والعمل في شركة تتيح لأصحاب الأفكار الفرصة للمشاركة الفعّالة في الفريق.
وأضافت لدى حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": بيئات العمل تختلف بين شركات تمنح الشباب الفرصة لإبراز مهاراتهم، وأخرى تقليدية قد لا توفر هذه الفرص، إلى جانب شركات تهدف إلى تطوير المواهب الكامنة لدى الشباب من خلال خطط إعادة الهيكلة التي تعتمد على قسم الموارد البشرية في اكتشاف المهارات الشخصية وتوجيهها وفقًا لاحتياجات الشركة.
وأوضحت رمسيس أنه في حال كان الشاب يفتقر إلى المهارات الواضحة، فقد يضطر للقبول بوظيفة معينة نتيجة الظروف الاقتصادية أو نقص الدعم الأسري.
لكنها أشارت إلى أن اكتساب الخبرة في هذا السياق قد يمكّن الشخص من الانتقال لاحقًا إلى مكان آخر يحقق فيه طموحاته.
وفيما يتعلق ببيئة العمل، شددت الخبيرة الاقتصادية على أهمية أن تكون بيئة العمل خالية من الشائعات، وأن يلتزم الشاب بالمواعيد وبالمظهر المهني اللائق. وأشارت إلى أن بعض الشركات الحديثة قد تتجاوز مسألة الالتزام الصارم بالمواعيد وتضع التركيز الأكبر على إنجاز المهام.
كما شددت على أهمية الحصول على دورات تدريبية، خاصة لمن يعملون في مجالات غير تخصصاتهم، موضحة أن الشعور بالراحة في مكان العمل يعدّ عنصرًا حاسمًا للاستمرارية. وخلصت إلى أن السعي المستمر نحو مكان عمل أفضل وبراتب أعلى هو أمر ضروري.
واختتمت رمسيس تصريحها بالإشارة إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية دفعت الشباب للتركيز على الجانب المالي في المقام الأول، ثم تأتي بعد ذلك الراحة النفسية. وأكدت على أهمية العلاقات الاجتماعية الجيدة في بيئة العمل، وتقليل الضغوط، مع ضرورة أن يكون الراتب معقولًا لتحقيق التوازن بين العمل والحياة.
عوامل رئيسية
من جانبه، أفاد الخبير الاقتصادي، ياسين أحمد، بأن بداية الحياة المهنية لأي شاب أو طالب عمل يجب أن تركز على مجموعة من العوامل الأساسية التي تسهم في بناء بيئة مهنية مستدامة.
- أولى هذه العوامل هي بيئة العمل الإيجابية.. يتعين أن تشجع بيئة العمل على التعاون والتواصل المفتوح وتقديم الدعم، حيث تُعتبر هذه العناصر أساسية لبناء بيئة مهنية مثالية.
- ثقافة الشركة يجب أن تدعم روح الفريق وتسعى لتجنب النزاعات والصراعات الداخلية، مما يرفع من مستوى الرضا والمعنويات لدى الموظفين.
- فيما يتعلق بالاستقرار والأمان الوظيفي، من الضروري أن توفر الشركة بيئة عمل مستقرة ومضمونة.
ونصح بضرورة البحث عن شركات تتمتع باستقرار مالي وسجل قوي في الاحتفاظ بالموظفين، مما يعزز من أمان الوظيفة ويقلل من مخاطر التسريح.
وفي سياق متصل، شدد أحمد على أهمية التفاوض على راتب يناسب المستوى الأول في المجال، مع التأكد من وجود آفاق للزيادة التدريجية في الراتب بناءً على الأداء والتقدم المهني، مضيفاً أن الحصول على راتب تنافسي هو عنصر حاسم في تحقيق رضا الموظف واستمراريته في العمل.
وفيما يخص التوازن بين الحياة والعمل، أشار إلى ضرورة أن تكون ساعات العمل مرنة ومعقولة بحيث لا تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية. وأكد أن العمل في بيئة تشجع على تحقيق توازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية يُعتبر ميزة ضرورية لأي وظيفة ناجحة.
كما أوضح أن الفرص التدريبية والتطويرية تُعد من العوامل الرئيسية التي يجب أن يبحث عنها الموظفون في بداية حياتهم المهنية. وبيّن أن الشركات التي توفر دورات تدريبية داخلية أو فرصًا خارجية لتوسيع المهارات والمعرفة تتيح للموظفين فرصًا أكبر للترقية والنمو الوظيفي.
وفيما يتعلق بالمرونة في التعيينات، لفت أحمد إلى أهمية النظر في فرص العمل عن بُعد أو العمل الهجين، حيث يسهم التنوع بين العمل المكتبي والمنزلي في تقليل الملل وتعزيز الإنتاجية.
واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة أن يتأكد الشباب من أن الشركة التي يعملون بها توفر تأمينًا صحيًا واجتماعيًا مناسبًا، باعتباره عنصرًا أساسيًا في حماية صحتهم ومستقبلهم المهني.