لأول مرة منذ جائحة كوفيد-19، تسجل دخول الأسر الأميركية ارتفاعاً ملحوظًا بنسبة 4 بالمئة في عام2023 ما يعكس التحسن في الأوضاع الاقتصادية نتيجة تراجع التضخم، حيث يأتي ذلك في وقت حاسم سياسياً، إذ تشهد البلاد منافسات الانتخابات الرئاسية مع تصدر الاقتصاد وقضايا التضخم للمشهد.
وبينما تشير البيانات إلى عودة الدخول لمستويات ما قبل الجائحة، يبقى التساؤل: هل يمثل هذا الارتفاع بداية لانتعاش طويل الأمد للأسر الأميركية واستعادتها لتوازنها المالي، أم أنه مجرد استراحة قصيرة في ظل الضغوط الاقتصادية المستمرة؟
وذكر تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية أن متوسط دخل الأسرة المعدل حسب التضخم كان 80.610 دولار في عام 2023، بزيادة 4 بالمئة عن التقدير لعام 2022 الذي كان 77.540 دولار، بحسب البيانات الصادرة عن مكتب التعداد الأميركي في تقريره السنوي عن الرفاهية المالية للأسر.
وأشار إلى أن هذه الخطوة أعادت الدخول إلى ما كان عليه تقريباً في عام 2019، وهو الذروة التي تم الوصول إليها قبل الجائحة مباشرة، لافتاً إلى أن تقرير التعداد أظهر أن النساء حققن مكاسب في الدخل أقل من الرجال العام الماضي.
ويعد تقرير التعداد مقياساً مهماً لمحافظ الأميركيين. ويعتمد على مسح وطني أجري في مارس 2024 حول الدخل قبل الضريبة من مصادر عديدة في عام 2023.
وأرجع اقتصاديون سبب ارتفاع الدخل إلى سوق العمل القوي العام الماضي - الذي بدأ للتو في البرود - وكذلك التضخم المتراجع، وفقاً لتقرير الصحيفة الأميركية الذي نقل عن بيث آن بوفينو، كبير الاقتصاديين في U.S. Bank، تحذيرها من أن الأميركيين لا يزالون يشعرون بالضغط من الآثار التراكمية لزيادة الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة، وقالت، في إشارة إلى آثار التضخم المتراجع، "بالنسبة للعديد من الأسر، لا يزالون لا يشعرون بذلك"
كما أن الولايات المتحدة تعود فقط إلى ذروة متوسط الدخل في عام 2019 بعد انقطاع طويل، بدلاً من مواصلة الزيادات التي سبقت الجائحة، كما يقول إريك هيرست، أستاذ الاقتصاد في كلية الأعمال بوث في جامعة شيكاغو، وقال: "ما زلنا بعيدين عن المكان الذي كان ينبغي أن نكون فيه".
وكان التضخم في الولايات المتحدة قد ارتفع إلى أعلى المستويات في أكثر من 40 عاماً إلى 9.1 بالمئة في يونيو 2022، حيث حاول الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الأخيرة إبطاء من خلال رفع أسعار الفائدة، ليصل إلى 2.5 بالمئة في شهر أغسطس الماضي.
وتتراوح الفائدة في البلاد عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، حيث يحافظ الفيدرالي الأميركي منذ أشهر على سعر الفائدة عند أعلى مستوياته منذ 22 عاما للحد من الإقراض وتهدئة زيادة الأسعار.
ولفت التقرير إلى أن "صناع السياسات كانوا يستوعبون الأخبار التي تفيد بأن التوظيف خفّ هذا الصيف، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يبدأ الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في اجتماعه الأسبوع المقبل، حيث ركزت الأسواق مؤخراً على علامات تباطؤ في التوظيف ومسار معدل البطالة كان أعلى من 4 بالمئة في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أنه انخفض قليلاً إلى 4.2 بالمئة في أغسطس".
ارتفاع الدخل غير متجانس
في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أكد الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY" الدكتور نضال الشعار أن هذه الزيادة في الدخل منذ الجائحة قد تكون مكنت المستهلك من أن يواكب الارتفاع في المستوى العام للأسعار مع فائض لا يذكر لكن لا يمكن اعتباره تحسناً كبيراً في المستوى المعيشي، مشيراً إلى أن ارتفاعات الدخل لم تكن متجانسة عبر جميع القطاعات، إذ أن قطاع الترفيه والمطاعم والضيافة على سبيل المثال شهد أكبر زيادة في الوقت الذي لم يشهد فيه قطاع المكاتب وحتى الإداريين نفس مقدار الزيادة.
لا شك أن الارتفاع في مستوى الدخل كان سببه الأول هو سوق العمل القوي الذي تشكل في نهايات الجائحة وتجاوز إلى حد كبير كمية المعروض من الأيدي العاملة الجاهزة والراغبة في العمل، بحسب الدكتور الشعار الذي أوضح أن معدل البطالة كان نحو 6.4 بالمئة على سبيل المثال عندما استلم جو بايدن الرئاسة الأميركية وانخفض إلى نحو 3.4 بالمئة منذ فترة والآن يتراوح بين 4 إلى 4.3 بالمئة.
واعتبر أن هذه المعدلات لا تزال تاريخية وغير مسبوقة وبشكل خاص مقارنة مع أوقات الجائحة حيث وصل معدل البطالة إلى 15 بالمئة وخلال السنوات الماضية على سبيل المثال كان هناك 1.5 وظيفة شاغرة لكل طالب عمل، ولكن هذا الزخم بدأ بالتراجع بحسب الأرقام الأخيرة للوظائف الجديدة والتي يتم بشكل مستمر تعديلها نحو الانخفاض.
معاناة مستمرة في قطاع السكن
"أما فيما يخص قطاع السكن وهو مؤشر أساسي على المستوى المعيشي فلا يزال في معاناة مستمرة بشكل خاص على الأفراد الذين يرغبون بشراء منزل وقد انخفض معدل القدرة على الشراء مقارنة مع متوسط الدخل اللازم لشراء مسكن نحو 15 بالمئة وأيضاً وعبر عدد كبير من الأماكن فعلى سبيل المثال فإن صاحب الدخل المتوسط لم يعد قادراً على شراء منزل في 60 بالمئة من مناطق ومدن الولايات المتحدة بينما في الماضي كان قادراً على شراء منزل في 09 بالمئة من مناطق ومدن الولايات المتحدة.، طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور الشعار.
وأضاف فيما يتعلق بتكاليف الغذاء بأنها "ارتفعت بمقدار 25 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية فعلى سبيل المثال ارتفاع وسطي الأسعار في منافذ التجزئة الاستهلاكية في شهر مايو حوالي 1.2 بالمئة ولدى المطاعم حوالي 4.6 بالمئة هذا الارتفاع يؤثر بشكل شديد على الأفراد من أصحاب الدخل المنخفض الذين يستخدمون 35 بالمئة من دخلهم على الغذاء فيما أن متوسط الإنفاق عبر البلاد يبلغ 11 بالمئة على الغذاء إضافة إلى ذلك فقد ارتفعت تكاليف الطاقة بسبب التوترات الجيوسياسية وبشكل خاص الحرب الروسية الأوكرانية حيث وصل سعر الجالون الواحد من البنزين بمعدل وسطي 4.7 دولار وفي بعض الولايات تجاوز الـ 5.5 دولار".
تحسن الدخل طفيف وغير مستدام
ويختم كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" أن "سوق العمل بدأ بالتراجع متزامناً مع عناد واضح في معدلات التضخم، وإن ثبات معدل التضخم في أغسطس دليل على ذلك على الرغم من الارتفاع في مستوى الدخل لكن هذا الوضع لا يمكن الاستمرار فيه ولا يمكن استدامته ويبدو أن حجم الطلب الكلي العالمي بدأ بالتراجع وهذا ينذر بتراجع في مستويات الدخل وبالتالي تراجع في المستوى المعيشي الذي يمكن اعتباره أنه قد شهد تحسناً طفيفاً في السنوات الماضية، ولكن لا أعتقد أن استمرار ذلك ممكناً على الأقل على المدى القصير أو المتوسط".
من جانبه قال الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن جيوب الأميركيين تعافت إلى حد ما، حيث عاد متوسط دخل الأسرة إلى مستويات عام 2019. ومع ذلك، فإن العديد من الأميركيين لا يزالون يشعرون بضائقة التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة. لذا، في حين زادت الدخول، فإن التعافي لم يكتمل بعد. حيث تظهر استطلاعات ثقة المستهلك أن العديد من الأميركيين قلقون بشأن الاقتصاد ومستقبلهم المالي. ويمكن أن يؤدي هذا الافتقار إلى الثقة لتثبيط الإنفاق وإبطاء النمو الاقتصادي".
الأسر لم تستعد توازنها المالي
وفي حين أن بعض المؤشرات الاقتصادية إيجابية، مثل انخفاض معدل البطالة، فإن العديد من الخبراء قلقون بشأن التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وإمكانية الركود، إذ تؤثر هذه العوامل بشكل كبير على مالية الأسر، بحسب تعبيره.
ورداً على سؤال فيما إذا كانت الأسر الأميركية قد استعادت توازنها المالي أجاب الدكتور المصبح: "إن الزيادة في متوسط الدخل هي علامة إيجابية، لكن استمرار الفقر، كما يقاس بمعدل الفقر الرسمي والمقياس الأوسع، يشير إلى أن العديد من الأسر لا تزال تكافح.، كما أن التفاوت في الدخل لا يزال مرتفعاً، حيث يحصل الخمس الأعلى من الأسر على 51.9 بالمئة من إجمالي دخل الأسرة في عام 2023، بينما يحصل الخمس الأدنى على 3.1 بالمئة بالمئة فقط. وبشكل عام فإنه في حين أحرزت الأسر الأميركية بعض التقدم في التعافي من التأثيرات المالية للجائحة، إلا أنها لم تستعد توازنها المالي بالكامل".
وأضاف: "كما أن عدم المساواة في الدخل لا يزال يشكل مشكلة كبيرة، حيث يستفيد أغنى الأميركيين بشكل غير متناسب من النمو الاقتصادي. وهذا يعني أن العديد من الأميركيين، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى شرائح الدخل المنخفض، لا يشهدون نفس مستوى التعافي".