يراقب المستثمرون عن كثب ندوة السياسات الاقتصادية للبنك الفيدرالي في كانساس سيتي، التي ستُعقد في جاكسون هول في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس الجاري؛ بحثاً عن إشارات حول توقيت تخفيضات أسعار الفائدة الأميركية، بعد تقلبات كبيرة في البيانات الاقتصادية الأخيرة.
بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أدى تقرير الرواتب الأميركي الأضعف من المتوقع الصادر في أوائل أغسطس إلى إثارة مخاوف من حدوث ركود، مما دفع المستثمرين لزيادة رهاناتهم على تخفيضات أسعار الفائدة الوشيكة، وتسبب ذلك في تراجع كبير في الأسواق العالمية.
البيانات اللاحقة، بما في ذلك أرقام التضخم الأكثر مرونة وتقرير مبيعات التجزئة القوي، قد خففت من التوقعات بتخفيض كبير بمقدار 0.5 نقطة مئوية في سبتمبر وهدأت مخاوف المستثمرين بشأن صحة الاقتصاد.
نقلت الصحيفة عن رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في بنك أوف أميركا مارك كابانا، توقعاته بأن:
- يشير الفيدرالي في جاكسون هول إلى أن التخفيض مرجح في الاجتماع التالي، بشرط أن يستمر التقدم في مكافحة التضخم.
- إن حجم التخفيض، بالإضافة إلى وتيرة التخفيضات المستقبلية، سيعتمد على البيانات الاقتصادية.
- الفيدرالي سيغلق الباب أمام إمكانية إجراء تخفيضات أكبر إذا بدا ذلك ضروريًا - لكن من غير المحتمل أن يقوم بالكثير للإشارة إلى أن ذلك سيحدث.
ومن المقرر أن يتم اتخاذ قرار الفائدة القادم للفيدرالي في 18 سبتمبر، وتسعر الأسواق حالياً بين ثلاث وأربع تخفيضات بمقدار ربع نقطة هذا العام من النطاق الحالي الذي يتراوح بين 5.25 و 5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى في 23 عاماً.
ما الذي يُمكن أن تقدمه الندوة؟
من جانبه، أوضح كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن ندوة واجتماعات جاكسون هول لمجلس الفيدرالي دائماً ما تتسم بالجدية والعمق؛ إذ يتم خلالها تداول الوضع الاقتصادي العالمي وبشكل خاص توجهات السياسة النقدية للدول والبحث فيما تم تنفيذه وآثاره على الوضع الاقتصادي العام.
وتوقع أن تتخذ اجتماعات هذا العام منحى مختلفاً؛ خاصة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، لتكون اجتماعات احتفالية؛ لتتمحور أغلب التصريحات حول انتصار المصارف المركزية على ارتفاع معدلات التضخم ونجاح السياسات النقدية التي تم اتباعها من قبلها من أجل كبح جماح التضخم العنيد.
وأضاف كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، أنه من المتوقع أن يتم تجاهل العوامل الاقتصادية الأخرى التي أدت إلى انخفاض معدلات التضخم، لعل أبرزها الانخفاض الطبيعي في حجم الطلب الهائل الذي تكوَّن أثناء الجائحة وبدأ بالتناقص، مشددًا على أنه كان على المصارف المركزية التنبؤ بذلك قبل المبالغة في رفع معدلات الفائدة بشكل سريع وصادم ومرتفع.
واستبعد أن تشهد الاجتماعات نقاشًا عميقًا حول الخلل الاقتصادي الذي يحصل في أغلب اقتصادات العالم، ومنه على سبيل المثال:
- التناقض الصريح والواضح بين الاقتصاد الحقيقي والتعاملات النقدية والمالية.
- التدهور الذي تشهده أسواق العمل في أغلب البلدان.
- التدهور الواضح في المستوى المعيشي.
- معدلات البطالة التي لها طابع السرعة والتزايد المطرد، كما أن معالجتها ليست بالسهلة سواء كانت من خلال السياسة النقدية أو المالية.
نهج تدريجي
وفي سياق متصل، قال أحد كبار مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إن البنك يحتاج إلى اتباع نهج تدريجي لخفض تكاليف الاقتراض، وذلك في الوقت الذي يستعد فيه كبار محافظي البنوك المركزية في العالم لهذا الاجتماع السنوي المرتقب في وايومنغ.
وقالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، لصحيفة فاينانشال تايمز، إن البيانات الاقتصادية الأخيرة أعطتها "مزيداً من الثقة" في أن التضخم تحت السيطرة. وأضافت أن الوقت قد حان للنظر في تعديل تكاليف الاقتراض من نطاقها الحالي البالغ 5.25 إلى 5.5 بالمئة.
جاءت دعوتها إلى اتباع نهج "حكيم" رداً على مخاوف الاقتصاديين من أن أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو تباطؤ حاد يستدعي خفض أسعار الفائدة بسرعة.
- وسوف تكون السرعة التي ستتراجع بها أسعار الفائدة الأميركية عن أعلى مستوياتها في 23 عاما سؤالا محوريا على شفاه صناع السياسات عندما يجتمعون في وقت لاحق من هذا الأسبوع في الاجتماع السنوي لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي في جاكسون هول بولاية وايومنغ.
- وسوف يكون خطاب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الذي سيلقيه يوم الجمعة محل تدقيق وثيق من جانب المستثمرين الحريصين على سماع خططه لتحقيق هبوط ناعم، واستكمال المعركة ضد التضخم دون انهيار الاقتصاد.
وقللت دالي ، التي تصوت في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، من أهمية الحاجة إلى استجابة دراماتيكية لعلامات ضعف سوق العمل، قائلة إن الاقتصاد الأميركي لا يُظهِر سوى القليل من الدلائل على أنه يتجه نحو تباطؤ عميق. وأضافت أن الاقتصاد "ليس في وضع عاجل".
ما الذي سيقدمه جيروم باول؟
وبشأن خطاب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، توقع الشعار ما يلي:
- أن يقوم (باول) خلال خطابه بالتلميح إلى أن الوقت قد حان لاتباع سياسة نقدية أكثر توسعاً (تيسيراً) على أن لا يقول سياسة نقدية توسعية بشكل مباشر.
- استبعاد التصريحات التي تثير حفيظة الأسواق المالية اعتقاداً منه بأن الأسواق المالية تسير لمصلحة الفيدرالي وهي في المكان المناسب لتكريس مفهوم انتصاره على معدلات التضخم.
- لن يقوم بنقاش عميق وهيكلي لما قد يحدث للاقتصاد الأميركي.
- لن يتطرق إلى الأزمات الجيوسياسية بشكل مفصل.
- لن يتطرق لمآلات الانتخابات الأميركية، ليكتفي بأن يكون حاكماً للمصرف المركزي الأميركي فقط، متجنباً الانسياق إلى أمور قد تسبب له إحراج أو شعور بالعجز عن الجواب.
سوق العمل
وإلى ذلك، قال رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الفيدرالي الأميركي بعد آخر اجتماع له كانت هناك تأكيدات للاتجاه نحو خفض الفائدة، وهو ما أحدث ردة فعل عنيفة بالأسواق خاصة مع خروج أرقام سوق العمل بعد ذلك (بما أثار اعتقاداً بأن الفيدرالي تأخر في عملية الخفض وتكهنات بخفض استثنائي حينها).
بحسب بيانات وزارة العمل، أضاف الاقتصاد الأميركي 114 ألف وظيفة خلال يوليو الماضي، بأقل كثيرا من التوقعات البالغة 176 ألف وظيفة.
وأفاد بأن المركزي الأميركي أصبح يركز على الموازنة بين سوق العمل والتضخم الذي انخفض ووصل لأقل مستوياته منذ العام 2021 واقترب من مستهدفات الفيدرالي الأميركي عند 2 بالمئة.
وأشار إلى أن العامل الأساسي الذي يحرك خفض الفائدة هو تقرير الوظائف الذي سيصدر في سبتمبر المقبل ليحسم ما إذا كانت ستخفض بقيمة 25 نقطة أساس أو 50 نقطة، متوقعًا أنه إذا كانت أرقام سوق العمل إيجابية بحوالي 150 ألف فرصة عمل إضافية سيكون التخفيض 25 نقطة أساس.
أظهرت أرقام أسعار المستهلكين (التضخم) الأسبوع الماضي أن التضخم انخفض إلى 2.9 بالمئة في العام حتى يوليو، وهو أدنى مستوى في ثلاث سنوات.
ارتفع مقياس بنك الاحتياطي الفيدرالي المفضل لضغوط الأسعار الأساسية، مؤشر الأسعار على نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية، بمعدل سنوي بلغ 2.6 بالمئة في يونيو. وسجل تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي الرئيسي، الذي يستند إليه هدف الفيدرالي عند 2 بالمئة، 2.5 بالمئة في يونيو.