يعيش العالم حالة من الترقب والقلق على خلفية "الرد الإيراني" المحتمل على عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران.
هذا الحدث المثير يضع إيران في بؤرة الاهتمام الدولي ويثير تساؤلات حول ردود الأفعال المحتملة وتوقيتها، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات التي قد تتخذها إيران أو أذرعها ضد إسرائيل.
وبينما يسعى العالم لفهم ملامح التصعيد المحتمل، يترقب الإيرانيون في الداخل بمزيد من القلق قرارات حكومتهم وتأثيرها على الأوضاع الداخلية والخارجية.
يعاني الاقتصاد الإيراني من ضغوطات متعددة، بدءاً من العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى، وصولاً إلى الأزمات الهيكلية والمالية الداخلية.
وتُعتبر العقوبات الدولية من أبرز العوائق التي تقيد نمو الاقتصاد الإيراني، لا سيما أنها تؤثر على قطاعات حيوية مثل النفط، مما يؤدي إلى تقليص الإيرادات وتدهور قيمة العملة المحلية. جنباً إلى جنب ومعاناة طهران من مشكلات مالية متعلقة بالديون والتضخم، ما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من حدة الأزمات الاقتصادية.
تفرض تلك الأوضاع نفسها على حسابات الإيرانيين قبل الدخول في حرب واسعة، ذلك أنه في حال تفاقم الصراع إلى حرب شاملة مع إسرائيل سيواجه الاقتصاد الإيراني تداعيات وخيمة بشكل أوسع، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أزمات متراكمة
من جهته، قال الباحث في الشؤون الإيرانية، حسن هاشميان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "الاقتصاد أصبح منهاراً تماماً في إيران، ويعاني أزمات ومشاكل عميق"، مستعرضاً عدد من الأزمات التي يعانيها اقتصاد طهران في تلك المرحلة، من بينها:
- التضخم المرتفع سنوياً بمعدلات قياسية.
- تراجع قيمة الريال الإيراني أمام الدولار بشكل حاد.
- تداعيات السياسات المتبعة من جانب الحكومة، بما في ذلك الصراعات والحروب في المنطقة، والتي كلفت إيران مليارات الدولارات.
- كلفة الأزمات مع دول الجوار وكذلك مع الدول الأوروبية بسبب الملف النووي، إضافة إلى علاقتها المتوترة مع الولايات المتحدة الأميركية.. جميعها عوامل لها مردود سلبي على الاقتصاد.
- تزايد الإنفاق على مشاريع غير اقتصادية ليس لها مردود مالي على الاقتصاد والشعب الإيراني.
وفي ظل الأزمات الحالية وتزايد المخاوف من صراع مسلح، يواجه الاقتصاد الإيراني تحديات جسيمة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية القائمة.
قد يجد الاقتصاد الإيراني نفسه في مواجهة أعباء ثقيلة نتيجة للآثار المترتبة على حرب محتملة، مما يستدعي استجابة حازمة وسريعة من الحكومة الإيرانية لمواجهة هذه التحديات وحماية استقرار الاقتصاد الوطني.
ويشار في هذا السياق إلى أن صندوق النقد الدولي كان قد حذر أخيراً من ارتفاع قياسي في معدلات التضخم في إيران بسبب العقوبات الأميركية، بينما يرزح اقتصاد طهران تحت وطأة ضعف العملة والعقوبات الأميركية على صادرات النفط.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" قبل أيام عن مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، جهاد أزعور، قوله إن معدلات التضخم قد ترتفع إلى 50 بالمئة هذا العام بعد تحرك الولايات المتحدة لإنهاء الإعفاءات الممنوحة لبعض الدول التي تشتري النفط الإيراني. يأتي ذلك في الوقت الذي توقع فيه الصندوق في وقت سابق أن تصل معدلات التضخم للعام الجاري 2024 في إيران إلى 37 بالمئة.
وظلت معدلات التضخم تحوم حول 40 بالمئة أو أعلى منها لسنوات، رغم تباطؤها قليلاً في الأشهر الأخيرة. وقد أثر ذلك على كل جانب من جوانب الاقتصاد.
وانخفض المعدل إلى رقم أحادي في العامين اللذين أعقبا توقيع إيران على الاتفاق النووي في عام 2015 مع القوى العالمية، حيث أدى رفع العقوبات إلى تعزيز التجارة والاستثمار والسياحة. لكنه ارتفع إلى مستويات قياسية مرتفعة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق.
وبحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز"، فقد أدى الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء والإسكان والرعاية الصحية والنقل، مع بقاء الأجور منخفضة، إلى دفع الناس إلى الفقر. وأن أكثر من 30 بالمئة من السكان كانوا يعيشون في فقر في العام حتى مارس 2022.
وبالعودة لحديث هاشميان، فإنه أشار في الوقت نفسه إلى العجز المتواصل في الميزانية، وغياب الاستثمارات الأجنبية، موضحاً أن تلك المؤشرات جميعها تعكس فاتورة سياسات الحكومة الإيرانية التي وصفها بـ "الخاطئة"، لا سيما وأن التعافي الاقتصادي يستلزم وضعاً سياسياً مستقر في الداخل وهو غير موجود الآن في ظل الاحتجاجات المتكررة.
وأفاد بأن:
- الدخول في حالة حرب يحتاج إلى اقتصاد وطني قوي وصناعات ذاتية نابعة من المجتمع بالداخل، وهو ما تفتقده إيران واقتصادها.
- حال فُرضت عقوبات جديدة على النفط الإيراني فإن إيران سوف تخسر كل مواردها الاقتصادية.
- الدخول في حرب جديدة يمثل كارثة على الاقتصاد الإيراني والحكومة.
طهران تعد ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بحجم إنتاج يقدر بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً. فيما ترزح طهران تحت وطأة العقوبات الأميركية التي تغل يد القطاع فيها.
خلال الربع الأول من العام الجاري 2024، بلغت صادرات إيران النفطية أعلى مستوى لها خلال ست سنوات. وبحسب بيانات نشرتها صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فإن إيران صدرت ما متوسطه 1.56 مليون برميل يومياً في الأشهر الأولى من العام (أغلبها كان للصين) وهو ما يشكل أعلى مستوى منذ عام 2018 وفق بيانات فورتيكسا.
مزيد من الكوارث
وفي السياق، أوضح الباحث في الشؤون الإيرانية، علي عاطف، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- الاقتصاد الإيراني يواجه أزمات قائمة في الوقت الراهن تتمثل في نسبة التضخم المرتفعة التي تصل لأكثر من 40 بالمئة، فضلا عن مستوى البطالة الذي بلغ نحو 9 بالمئة.
- طهران تعاني من تدهور في قيمة العملة المحلية (الريال) أمام الدولار، حيث يشارف كل دولار أميركي واحد على حدود الـ 700 ألف ريال إيراني.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى بلوغها نسبة 8.9 بالمئة خلال العام الجاري 2024 انخفاضاً بشكل طفيف جداً عن نسبة 9 بالمئة المسجلة في العامين الماضيين، ونسبة 9.2 بالمئة في 2021 .
وانخفض الريال بشكل حاد مقابل الدولار الأميركي على مدى العقد الماضي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الواردات وتآكل القوة الشرائية.
فيما أدت الاضطرابات العسكرية والسياسية العالمية والإقليمية، بما في ذلك الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى ارتفاع قيمة الدولار، مما فرض ضغوطاً إضافية على الاقتصاد.
وبالتالي فإن "دخول إيران بالأساس في مواجهة أو صراع أو حرب شاملة مع إسرائيل والقوى الغربية سوف يدفع اقتصادها نحو المزيد من الكوارث وليس فقط الأزمات، وهو ما تخشى منه إيران بالفعل"، بحسب عاطف.
وأكد أن سيناريو الدخول في حرب سوف يثير استياء الشارع الإيراني وقد يدفع إلى اندلاع احتجاجات أخرى لا ترغب فيها حتماً الحكومة الإيرانية التي تريد في الوقت الحالي تحقيق نمو اقتصادي محلي عن طريق التوصل لاتفاق نووي يتيح للشركات الأجنبية الاستثمار في السوق الإيرانية.
وأضاف أنه إلى جانب قلق إيران من التداعيات العسكرية والأمنية عليها من جراء رد قوى للغاية على إسرائيل بعد عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران، فإن الأخيرة تحسب أيضاً ألف حساب للتداعيات الاقتصادية لمثل هذا الرد على إسرائيل.