الحرب المستمرة في غزة منذ السابع من شهر أكتوبر من العام 2023 كبدت إسرائيل خسائر اقتصادية واسعة، لا سيما في ظل زيادة ملحوظة في النفقات العسكرية، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الاقتصاد على تحمل توسعة دائرة الصراع، إذ تلوح في الأفق مخاطر التحول إلى حرب إقليمية شاملة، بما يزيد من التحديات التي تجابه الاقتصاد الإسرائيلي.

ارتفعت النفقات العسكرية بشكل كبير نتيجة استمرار الحرب منذ أكتوبر، مما أضاف عبئاً ثقيلاً على الميزانية العامة. كما أن هذه الزيادة في النفقات قد تؤدي إلى تقليص الإنفاق على القطاعات المدنية الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تكاليف تعويض المجندين والأضرار الناتجة عن الحرب قد تتجاوز بكثير التقديرات الأولية، مما يفاقم من الأزمة الاقتصادية، علاوة على نقص العمالة في عديد من القطاعات مع عمليات التجنيد.

أخبار ذات صلة

ماذا سيحدث إذا دمر حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية؟
لحظات مفصلية.. هل سيتحمل اقتصاد لبنان آثار النزاع الواسع؟

في ظل هذه الظروف، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات كبيرة تتعلق بالنمو الاقتصادي، لا سيما وأن الحروب والنزاعات تخلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، مما يؤثر سلبًا على الاستثمارات الأجنبية والمحلية، خاصة في القطاعات الرئيسية كالسياحة والتكنولوجيا.

المخاوف تتصاعد من إمكانية توسع النزاع ليشمل أطرافًا أخرى في المنطقة، خاصة إيران، في ظل التصعيد العسكري الأخير والاغتيالات التي شهدتها المنطقة، من بينها اغتيال إسماعيل هنية وقيادي في حزب الله اللبناني.

تحول النزاع إلى حرب إقليمية شاملة من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الاقتصاد الإسرائيلي، فيما رهانات على الجانب الآخر من قبل بعض المحللين على الدعم الخارجي، لا سيما الأميركي، في دعم استقرار اقتصاد إسرائيل.

* بحسب البيانات الرسمية، فإن كلفة الإنفاق العسكري في إسرائيل بلغت 19 مليار دولار منذ بدء الحرب في غزة في السابع من شهر أكتوبر الماضي.

* العجز المالي في الميزانية ارتفع إلى 13 مليار دولار منذ بداية العام.

* من المتوقع أن تصل تكلفة الحرب الإجمالية إلى 67 مليار دولار بحلول العام 2025.

* هذه التكلفة ستكون الأكبر من بين حروب إسرائيل المختلفة بسبب الإنفاق العسكري الضخم واستدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين يمثلون القوى العاملة في قطاعات رئيسية مثل السياحة والتكنولوجيا.

* تبعات الحرب تثير مخاوف الاقتصاديين من تكرار سيناريو "العقد الضائع" الذي  شهدته إسرائيل بعد حرب العام 1973.

* لكن هناك من يرى أن الاقتصاد الإسرائيلي قادر على الصمود بسبب الموارد المتنوعة التي يتمتع بها والدعم الخارجي.

وفق وزارة المالية الإسرائيلية، بلغت استدانة إسرائيل بسبب الحرب في غزة حوالي 43 مليار دولار عام 2023، وامتدت إلى عام 2024. وثمة توقعات ببلوغ هذا الدَّين مستوى 67 بالمئة هذا  العام.

هل يتحمل اقتصاد إسرائيل تكلفة حرب جديدة؟

أزمات الاقتصاد الإسرائيلي

من جهته، أكد الأكاديمي والمحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد الإسرائيلي يؤكد حالة المعاناة التي يعيشها، مستعرضاً عدة أزمات يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي، والتي من شأنها أن تعكس حالة التدهور التي أصبح عليها، ومنها:

* عدم عودة العمالة الأجنبية إلى إسرائيل خاصة من تايلاند وشرق آسيا.

* حالة الضغط على سوق العمل بسبب طول أمد فترات استدعاء قوات الاحتياط في جيش إسرائيل.

* الضغط على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب عدم وجود أي نشاط سياحي، فالقطاع يترنح، ومثله قطاع الزراعة أيضاً والقطاعات الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاد.

* معاناة ميناء إيلات الذي يعد منفذاً رئيسياً لإسرائيل على البحر الأحمر.. هناك خسائر شهرية يتكبدها الميناء بالملايين بسبب شل الحركة فيه مع الاستهداف المستمر من قبل الحوثيين للسفن المتجهة إليه، وهو ما دفع إدارة الميناء للتخلص من العمالة التي وصل حجمها 10 بالمئة من حجم العمالة الأساسية، في ظل استمرار الخسائر وعدم وجود نشاط ودخل للميناء.

* غياب العمالة وأصحاب رأس المال أدى إلى إغلاق النشاط العام والقطاع التجاري الخاص أبوابه بسبب استدعائهم في الاحتياط.

وأفاد المحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، أنه بعد مرور أكثر من 300 يوم من الحرب على غزة، إضافة إلى المخاوف المتواترة بخصوص اندلاع حرب إقليمية محتملة، وانعدام الثقة في الدفاعات الجوية الإسرائيلية ومدى جهوزية الجيش هناك، فضلًا عن استمرار الخلافات الداخلية، فإن هذه البيئة طاردة للاستثمار سواء الخارجي أو الداخلي، ومن شأنها أن تصيب الاقتصاد المترنح في مقتل.

* بحسب بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن كلفة الحرب اليومية منذ 7 أكتوبر حتى نهاية ديسمبر 2023، بلغت مليار شيكل يوميا (270 مليون دولار)، قبل أن تنخفض خلال العام 2024 لتصل إلى 350 مليون شيكل (94 مليون دولار)، حيث سجل الاقتصاد الإسرائيلي خسائر باهظة.

* خفضت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال، في أبريل الماضي، التصنيفات طويلة الأجل لإسرائيل من AA- إلى A+ وسط تصاعد المواجهة مع إيرانو وفي ظل المخاطر الجيوسياسية المرتفعة بالفعل لإسرائيل. وقالت في بيان "نتوقع أن يتسع العجز الحكومي العام لإسرائيل إلى 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي".

* ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 36 بالمئة تقريبا عام 2024، حيث استحوذت نفقات الدفاع على ثلثها تقريبا، بينما انخفضت الإيرادات بنسبة 2.2 بالمائة جراء تراجع مدفوعات الضرائب.

الحرب بين لبنان وإسرائيل.. فاتورة باهظة سيدفع ثمنها الجميع

خسائر إسرائيلية

وفي السياق، أكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الحرب التي بدأت منذ أكتوبر من العام الماضي "رصاصتها الأولى أطلقت على الاقتصاد الإسرائيلي وأصابته في مقتل"، على حد تعبيره.

وأوضح أن إسرائيل تتكبد خسائر يومية كبيرة بسبب الحرب المباشرة في قطاع غزة أو في حربها مع حزب الله بلبنان، كما تتكبد خسائر أيضاً على المستوى غير المباشر للاقتصاد على سبيل المثال:

* قطاع الزراعة في إسرائيل تضرر كثيراً بسبب أن أغلب الأراضي التي كانت تعتمد عليها إسرائيل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية تقع في منطقة غلاف غزة، وفي مستوطنات مجاورة للبنان والتي حدث فيها تهجير وتوقف شبه كامل للحياة، ما أدى إلى توقف الأنشطة الزراعية بشكل كبير.

* حرمان أكثر من 140 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون في الزراعة من الدخول إلى إسرائيل عقب اندلاع الحرب، إضافة إلى هجرة العمال التايلانديين وعمال شرق آسيا، وهو ما أثر سلباً على اقتصاد إسرائيل.

* قطاع التكنولوجيا الذي كان يمثل عمود الخيمة في صادرات إسرائيل تأثر بشدة من خلال تجنيد أغلب العاملين بالقطاع وقطاعات أخرى كجنود احتياط لدى الجيش الإسرائيلي، ما أثر بالسلب على القطاع وتوقف كثير من أنشطته.

* العلامة التجارية للصناعات العسكرية تضررت بشدة لأن إسرائيل كانت تبيع منتجات أمنية وتجسسية لدول العالم بشكل كبير وبمليارات الدولارات، وهو ما تضرر نظرا لضعف هذه الأجهزة عن اكتشاف عمليات الفصائل الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر الماضي وما تلاه من عمليات، كذلك الأمر بالنسبة للمعدات العسكرية التي لم تثبت جدارة وفقًا للدعاية الإسرائيلية  التي أطلقتها في السنوات الماضية.

* الكثير من القطاعات كالسياحة والطاقة  توقفت، إضافة إلى أعباء إضافية كالمستوطنين المهجرين من الشمال والجنوب أصبحوا يقيمون على نفقة الدولة وتصرف لهم تعويضات، كذلك تنفق الدولة على أكثر من 350 فرداً من جنود الاحتياط القادمون من أعمال مدنية عطلت بسبب الحرب.

* تهاوي الشيكل الإسرائيلي إلى مستويات خطيرة، ليصبح ثاني أسوأ عملة أداءً على مستوى العالم، رغم إنفاق البنك المركزي الإسرائيلي ما يقرب من 30 مليار دولار لانقاذه، وبيع حوالي 15 مليار دولار في فترة لاحقة لانقاذه، لكن استمرار الحرب يضر كثيرا بالعملة الإسرائيلية.

* تراجع الاستثمارات وهروب شركات كانت تتخذ من إسرائيل مقرا لها إلى دول أخرى من دول المنطقة، وهجرة رجال الأعمال والمستثمرين لخوفهم من الإقامة في إسرائيل.

سجل قطاع البناء حوالي 644 مليون دولار خسائر إسبوعيا ونقص في العمالة في هذا القطاع يصل إلى 140 ألف عامل بالإضافة إلى تراجع دخل الإسرائيليين بنسبة 20 بالمئة، بجانب 15 بالمئة خسائر في الاستثمارات بقطاع التقنية الفائقة مع تراجع كبير في قطاعات السياحة والزراعة والطيران.

الشرق الأوسط في عين العاصفة

تصاعد المخاطر

وأكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، أن احتدام الصراع عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وكذلك القيادي في حزب الله فؤاد شكر، إضافة إلى تهديد إيران وحزب الله والفصائل المرتبطة بهم بشن حرب شاملة على إسرائيل، أوقف الحياة الاقتصادية بشكل كبير في إسرائيل، خاصة بعد أن رفعت حالة التأهب القصوى وحولت الميزانيات من الإنفاق الاستثماري للحكومة في القطاعات المدنية إلى إنفاق عسكري، ووضعت كل جيشها ومجتمعها على المحك وتوقفت الأنشطة الاقتصادية لديها منذ أسبوع لتصبح في شلل اقتصادي تام.

وأضاف أن إسرائيل تضع يدها على الزناد خوفا من ضربة مفاجئة من إيران وحلفائها في المنطقة، لذا فإنها توجه كل الدعم للإنفاق العسكري، ليكون الاقتصاد في هذا الحال الضحية، وهو ما سيرهق الاقتصاد بشكل كبير حال استمراره.

وعن ما إذا وقعت الحرب وتوسعت وأصبحت حربا شاملة، أكد أنها ستكون مصيبة أكبر  على الاقتصاد الإسرائيلي الذي بات ضحية سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في المنطقة التي يحاول إشعالها وفتح الصراع على جبهات متعددة على حساب الاقتصاد والمواطن الإسرائيلي من أجل مستقبله الشخصي.