شهدت الأسواق العالمية موجة بيع قوية طالت مختلف القطاعات، فيما كان للقطاع التكنولوجي نصيب الأسد من هذه التراجعات الحادة.
ففي فترة قصيرة، تأثرت أسهم التكنولوجيا بشكل ملموس، حيث نالها نصيب كبير من الانخفاضات التي ضربت قيمتها السوقية، لا سيما في جلسة الاثنين، حين تصاعدت حدة هذه التراجعات بشكل خاص، وقد اقتربت فاتورة الخسائر في أسهم التكنولوجيا من تريليون دولار عند الافتتاح (قبل أن تقلص الخسائر لاحقاً)، وهو ما يعكس مدى التأثير الكبير للموجة البيعية على هذا القطاع.
أغلقت بورصة وول ستريت على انخفاض حاد في جلسة الاثنين، لتنهي بذلك موجة هبوط في السوق العالمية شهدت معاناة المؤشر الرئيسي للأسهم اليابانية من أسوأ يوم له منذ 37 عاما.
انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي في وول ستريت بنسبة 3 بالمئة، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ سبتمبر 2022، في حين انخفض مؤشر ناسداك المركب الذي تهيمن عليه شركات التكنولوجيا بنسبة 3.4 بالمئة.
كانت عمليات البيع واسعة النطاق، حيث هبطت أكثر من 95 بالمئة من أسهم مؤشر ستاندرد آند بورز 500، لكن شركات التكنولوجيا الكبرى التي قادت معظم ارتفاع السوق في وقت سابق من هذا العام كانت من بين الأكثر تضررا. وهبطت أسهم إنفيديا بنحو 15 بالمئة في التعاملات المبكرة، قبل أن تغلق منخفضة بنسبة 6 بالمئة.
تأثرت هذه التراجعات بالتقييمات المرتفعة التي كانت قد سجلتها أسهم التكنولوجيا في السابق، حيث زاد التفاؤل المفرط حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي من حجم التطور الذي أصبح السمة البارزة في هذا القطاع. هذا التفاؤل، الذي دفع قيم الأسهم إلى مستويات مرتفعة بشكل غير مبرر، جعلها أكثر عرضة للتقلبات الشديدة في ظل أي تغيرات في معنويات السوق.
في قطاع التكنولوجيا، كان المستثمرون يشعرون بالتوتر لأسابيع. فقد انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 3.4 بالمئة الأسبوع الماضي، ليختتم بذلك أسوأ فترة ثلاثة أسابيع له في عامين، قبل أن يخسر 3.4 بالمئة أخرى يوم الاثنين. كما أبدت أمازون وألفابت ومايكروسوفت أسبابًا للقلق في تقاريرها، مما أسهم في انزلاق أقرانها.
وهذا يمثل تغييراً حاداً عما حدث قبل بضعة أشهر، عندما هتف المستثمرون عندما قال الرئيس التنفيذي لشركة Meta مارك زوكربيرج والرئيس التنفيذي لشركة Google ساندر بيتشاي إن شركتيهما تنفقان بكثافة لبناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وفق تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
تراجعات وول ستريت
تراجعت أسهم شركة "أبل" بنهاية تعاملات الاثنين بنسبة 4.82 بالمئة، لتستقر قيمتها السوقية عند 3.181 تريليون دولار، كذلك تراجعت القيمة السوقية لشركة "مايكروسوفت" إلى 2.937 تريليون دولار، مسجلة انخفاضاً بنحو 3.27 بالمئة بنهاية تعاملات اليوم الأول في الأسبوع.
أما شركة "إنفيديا" والتي بلغت القيمة السوقية لها 2.470 تريليون دولار، فقد تراجعت أسهمها بشكل حاد بنسبة 6.36 بالمئة. وتراجعت أسهم ألفابت بنسبة 4.61 بالمئة (وقد عزز ذلك التراجع الإعلان الاثنين عن خسارة غوغل قضية الاحتكار في الولايات المتحدة الأميركية)، كذلك تراجعت أسهم أمازون بنسبة 4.10 بالمئة لتتراجع قيمتها السوقية إلى 1.690 تريليون دولار. كذلك شركة ميتا فقد منيت أسهمها بخسائر بنحو 2.54 بالمئة.
أسباب الخسائر
من جهته قال خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الخسائر التي ضربت الشركات الأميركية أخيراً لم تضر بشركات التكنولوجيا فقط، وإنما ضربت الأسواق العالمية عموماً، مرجعاً السبب وراء خسائر الأسواق إلى عدة عوامل.
- أهم تلك العوامل التقارير الأخيرة المرتبطة بالاقتصاد الأميركي والتي تشير لاحتمال حدوث ركود، وعلى رأسها تقرير الوظائف الضعيف (الصادر يوم الجمعة).
- شركات التكنولوجيا كانت قد صعدت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، فبالتالي محافظ أكبر الشركات حققت مكاسب ملحوظة، وعليه عندما حدثت موجة بيع عنيفة كانت من أكبر الخاسرين.
- نتائج أعمال شركات التكنولوجيا كانت في مجملها إيجابية، لكن بعضها جاء أقل من توقعات المحللين (وهو ما أثر أيضاً على أداء أسهمها التي تعرضت لموجات بيع عنيفة).
أظهرت بيانات وزارة العمل، أن الاقتصاد الأميركي أضاف 114 ألف وظيفة خلال يوليو الماضي، بأقل كثيرا من التوقعات البالغة 176 ألف وظيفة. كما عدلت البيانات عدد الوظائف التي أضافها الاقتصاد الأميركي في يونيو بالخفض إلى 179 ألف وظيفة.
وارتفع معدل البطالة في أكبر اقتصاد بالعالم ليصل إلى 4.3 بالمئة في يوليو، مقابل 4.1 بالمئة في يونيو الماضي. وتباطأ متوسط نمو الأجور في الساعة بأكثر من المتوقع إلى 3.6 بالمئة في يوليو، من 3.8 بالمئة في يونيو الماضي.
خسائر حاد
وذكر سعيد أن شركة "إنتل" على سبيل المثال خسرت ربع قيمتها في يوم واحد (يوم الجمعة الماضي بختام تعاملات الأسبوع)، في خسارة كبيرة لم تحدث منذ عشرات السنين، في وقت تثار فيه علامات استفهام حول نتائج أعمال الشركة الضعيفة، والتي تبدو وأنها خرجت من المنافسة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والسوق، خاصة بعد إعلانها تعليق توزيع أرباح أسهمها لخفض التكاليف والاحتفاظ بالسيولة، إضافة إلى الإعلان عن تسريح 15 بالمئة من موظفيها بهدف تصحيح أوضاعها، وهو حدث كبير على مستوى السوق الأميركية وليس شركات التكنولوجيا فقط.
ومؤخرًا أعلنت شركة "إنتل" التي تضم نحو 125 ألف موظف في نهاية العام 2023، عن خطة كبيرة لخفض تكاليفها بمقدار 10 مليارات دولار.
وحققت المجموعة إيرادات بـ12.8 مليار دولار في الربع الثاني من السنة، في نتيجة جاءت أقل مما كان يتوقعه المحللون وسجلت انخفاضاً بنسبة 1 بالمئة على أساس سنوي. وتكبّدت "إنتل" خسارة صافية بـ1.6 مليار دولار، في الربع الثاني مقابل 1.5 مليار صافي أرباح حققته قبل عام.
وتوقع خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، أن يشهد الأسبوع الجاري أداءً أفضل لشركات التكنولوجيا بالسوق الأميركية بعد موجة البيع الأخيرة، على الرغم من الصدمات الواسعة في جلسة الاثنين.
ويشير إلى أن الأنظار مسلطة على موقف الفيدرالي الأميركي، والذي يمكن أن يعقد جلسة استثنائية قبل موعد اجتماعه الدوري القادم في سبتمبر، على أن تشهد تلك الجلسة الاستثنائية صدور قراره المؤجل منذ فترة بتخفيض الفائدة ليصحح بذلك الأوضاع وتعوض الخسائر خلال أيام. فيما إذا لم يتم عقد الجلسة الاستثنائية للفيدرالي الأميركي سوف تصحح السوق نفسهت لكن بشكل أبطأ.
وفي الأسبوع الماضي أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على معدلات الفائدة دون تغيير، وذلك للمرة الثامنة على التوالي، لتظل معدلات الفائدة عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة.
تعويض الشركات للخسائر
ومن الولايات المتحدة، أوضح خبير تكنولوجيا المعلومات، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن شركات التكنولوجيا بطبيعتها حساسة للغاية للتغيرات الاقتصادية والعالمية.
وأوضح أن أي تقلب في أسعار الفائدة، أو تهديد جيوسياسي، أو حتى تغير في سياسات الحكومات تجاه التكنولوجيا يمكن أن يؤثر عليها بشكل كبير، مضيفًا أن شركات التكنولوجيا الكبرى كانت تُقدر بقيم سوقية هائلة في السنوات الأخيرة، مما جعلها أكثر عرضة للتصحيحات الحادة.
وأفاد بأن قيم هذه الشركات تستند بشكل كبير على توقعات المستثمرين بشأن نموها المستقبلي، أي أن تغيير في هذه التوقعات يؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعار أسهمها، مؤكداً أنه يمكن أن تعوض شركات التكنولوجيا هذه التراجعات، مشيرًا إلى أنه تاريخياً، شهدت الأسواق التقنية عديداً من الدورات الصعودية والهبوطية.
واستعرض بعض العوامل التي يمكن أن تساعد شركات التكنولوجيا في التعافي، وهي:
- الابتكارات الجديدة: فإذا استطاعت هذه الشركات تقديم منتجات وخدمات مبتكرة تلبي احتياجات السوق، فإنها ستستعيد ثقة المستثمرين.
- تحسن الأوضاع الاقتصادية: إن تحسن الاقتصاد الكلي وزيادة الإنفاق الاستهلاكي يعززان أداء هذه الشركات
- تعديل التقييمات: قد تشهد الشركات تعديلات في تقييمها، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين
- السيولة العالية: تمتلك هذه الشركات سيولة كبيرة في ميزانيتها تمكنها من الاستثمار في فرص نمو جديدة والتكيف مع التحديات الاقتصادية.
- الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية: الشركات الكبرى تستثمر بكثافة في البنية التحتية التكنولوجية، مما يمكنها من الحفاظ على مكانتها التنافسية والتوسع في أسواق جديدة
وأكد أنه من الصعب التنبؤ بدقة بما سيحدث في الأسواق المالية، خلال الفترة المقبلة ومع ذلك، يمكن القول إن هناك عدة عوامل ستؤثر على أداء أسواق التكنولوجيا في الفترة القادمة، منها:
- قرارات البنوك المركزية.
- التطورات الجيوسياسية.
- النتائج المالية للشركات في الربعين التاليين.
الرهانات طويلة الأجل
وذكر أن الاستثمار في الأسهم يعد لعبة طويلة الأمد، لذا يجب على المستثمرين التحلي بالصبر وعدم اتخاذ قرارات عاطفية، وتنويع استثماراتهم لتقليل المخاطر، إضافة إلى استعانة المستثمرين بـ خبراء الاستثمار للحصول على المشورة اللازمة.
وبيّن أنه في ظل موجة البيع العنيفة، تظل شركات التكنولوجيا الكبرى عرضة للضغوط، لكن قدرتها على التعافي تعتمد على الابتكار المستمر، والسيولة العالية، والاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، خاصة وأن تقلبات الأسواق متوقعة، لكن الأداء المالي الجيد قد يساعد في تعويض جزء من الخسائر
وأكد بانافع أن ما شهدته الأسواق خلال الأيام الأخيرة جزءاً طبيعياً من دورة السوق، مشددًا على أن التقنية هي قطاع حيوي وواعد، وأن الشركات الكبرى فيه لديها القدرة على التعافي والنمو في المستقبل.