اعتبر صندوق التحوط "إليوت مانجمنت" أن شركة إنفيديا في "فقاعة"، وأن تقنية الذكاء الاصطناعي التي تحرك سعر سهم شركة صناعة الرقائق العملاقة "مبالغ فيها".
الشركة التي يقع مقرها في فلوريدا، والتي تدير أصولاً بقيمة 70 مليار دولار، ذكرت في رسالة حديثة للعملاء أن أسهم التكنولوجيا ذات القيمة السوقية الضخمة، وخاصة إنفيديا، في فقاعة.
الشركة أفادت بأنها "متشككة" في أن شركات التكنولوجيا الكبرى ستستمر في شراء وحدات معالجة الرسومات الخاصة بصانع الرقائق بأحجام كبيرة، وأن الذكاء الاصطناعي "مبالغ فيه مع عدم جاهزية عديد من التطبيقات للاستخدام في الوقت المناسب"، وفق التقرير الذي نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز".
وأضافت أن عديداً من الاستخدامات المفترضة للذكاء الاصطناعي "لن تكون فعالة من حيث التكلفة، ولن تعمل بشكل صحيح على الإطلاق، وستستهلك قدراً كبيراً من الطاقة، أو ستثبت أنها غير جديرة بالثقة"، وذلك في معرض شرح العوامل التي دفعتها لذلك التقييم المذكور.
يأتي تحذير "إليوت مانجمنت" في الوقت الذي تتراجع فيه أسهم الرقائق، التي شهدت ارتفاعاً هائلاً مدفوعاً بحماس المستثمرين بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بسبب المخاوف بشأن ما إذا كانت الشركات الكبرى ستستمر في الإنفاق بكثافة على الذكاء الاصطناعي.
يشار في هذا السياق، إلى أن أسهم شركة إنتل كانت قد سجلت "أسوأ أداء يومي" في وول ستريت منذ 50 عاماً بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، وهبطت لأدنى سعر في أكثر من عقد، وذلك بعد أن كشفت شركة صناعة الرقائق عن خطط لخفض حوالي 15 ألف وظيفة.
وتسيطر شركة إنفيديا على سوق المعالجات القوية اللازمة لبناء ونشر أنظمة الذكاء الاصطناعي الكبيرة مثل التكنولوجيا وراء "تشات جي بي تي" من "أوبين إيه آي".
وأنفقت شركات مثل مايكروسوفت وميتا وأمازون عشرات المليارات من الدولارات لبناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الأشهر الأخيرة، حيث ذهب معظم هذا رأس المال إلى إنفيديا. وفي الوقت نفسه، يقوم عديد من أكبر عملائها أيضاً بتطوير رقائقهم المنافسة.
انخفضت أسهم الشركة بأكثر من 20 بالمئة منذ أواخر يونيو، بعدما أصبحت لفترة وجيزة أكبر شركة في العالم بقيمة سوقية تزيد عن 3.3 تريليون دولار، مع سيطرة القلق بشأن استدامة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على وول ستريت.
ومع ذلك، لا تزال أسهم شركة صناعة الرقائق مرتفعة بنحو 115 بالمئة هذا العام ونحو من 600 بالمئة منذ بداية العام الماضي.
تقييم مرتفع
بدوره، يوضح استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- شركة إنفيديا تثير جدلاً واسعاً حول تقييمها المرتفع.
- صحيح أنها تُعتبر حالياً الرائدة في مجال الرقائق الإلكترونية التي تدعم الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك منافسين أقوياء مثل شركة Graphcore (شركة بريطانية لأشباه الموصلات تعمل على تطوير مسرعات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي) التي يدعمها سام ألتمان، مؤسس OpenAI.
- تسعى OpenAI جاهدة لتطوير رقائق مخصصة لها، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في هذا المجال. ومع ذلك، فإن إنفيديا لا تزال تحتفظ بميزة تنافسية كبيرة بفضل نطاق أعمالها الواسع وقدرتها على الإنتاج الضخم.
- الشركات التقليدية مثل Intel و AMD تحاول اللحاق بركب NVIDIA، بينما تظهر شركات ناشئة مثل Cerebras Networks بتقنيات واعدة. على الرغم من ذلك، فإن NVIDIA لا تزال تحتل مكانة الصدارة.
وفي تعليقه على التوقعات المرتبطة بقطاع الذكاء الاصطناعي عموماً، يقول إن الذكاء الاصطناعي موضوع مثير للجدل؛ فمن ناحية، يرى البعض أنه أداة قوية يمكنها أن تحدث ثورة في عديد من المجالات. ومن ناحية أخرى، يخشى البعض من عواقبه السلبية مثل فقدان الوظائف.
- تتميز أنظمة الذكاء الاصطناعي بقدرتها على التعلم من كميات هائلة من البيانات واتخاذ قرارات معقدة. ومع ذلك، فإنها لا تخلو من أوجه القصور، حيث قد تقدم أحياناً نتائج غير دقيقة أو متحيزة.
- على عكس تقنية ميتافيرس التي لم تثبت جدواها الاقتصادية بعد، يرى الكثيرون أن الذكاء الاصطناعي لديه إمكانات هائلة لتحقيق عوائد مالية كبيرة للشركات التي تستثمر فيه.
ويتوقع الخبراء أن تشهد سوق الذكاء الاصطناعي مزيداً من التنافسية، مما قد يؤدي إلى اندماج بعض الشركات أو إفلاسها. وفي النهاية، ستكون الشركات القادرة على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة هي الأوفر حظًا للنجاح، بحسب جلال.
الأسهم الفقاعية
وبالعودة إلى مذكرة صندوق التحوط "إليوت مانجمنت"، فقد ذكرت الشركة أنها تجنبت إلى حد كبير الأسهم الفقاعية، مثل أسهم شركات التكنولوجيا السبع الكبار.
تظهر عمليات التسجيل التنظيمية أن إليوت كانت تمتلك حصة ضئيلة قيمتها 3.5 مليون دولار في إنفيديا بنهاية مارس، لكن ليس من الواضح إلى متى احتفظت بها.
وكانت صناديق التحوط حذرة أيضًا من الرهان ضد أسهم التكنولوجيا الكبيرة ذات الأسعار المرتفعة، قائلة إن بيعها على المكشوف قد يكون بمثابة "انتحار".
وأضافت شركة إليوت، التي أسسها الملياردير بول سينغر في العام 1977، في خطابها إلى العملاء أن:
- الذكاء الاصطناعي فشل حتى الآن في تحقيق الزيادة الضخمة التي وعد بها في الإنتاجية.
- الذكاء الاصطناعي هو في الواقع مجرد برنامج لم يقدم حتى الآن "قيمة تتناسب مع الضجيج".
ويشار إلى أن الصندوق حقق مكاسب بنحو 4.5 بالمئة في النصف الأول من هذا العام، ولم يخسر أموالاً إلا في عامين تقويميين منذ إطلاقه.
وفيما يتعلق بموعد انفجار فقاعة السوق، قالت إليوت إن هذا قد يحدث إذا أعلنت شركة إنفيديا عن أرقام ضعيفة.
دور محوري للشركة
يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن شركة إنفيديا تلعب دوراً محورياً في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل تقنياتها المتقدمة في معالجة الرسومات والتي تعتبر أساسية لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.
ولذا، السؤال حول ما إذا كانت "إنفيديا" قد تمثل في فقاعة جديدة وما إذا كانت طفرة الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها يحتاج إلى تقييم عدة جوانب، في مقدمتها "الأداء المالي الحالي والمستقبلي المتوقع للشركة".
وفق بانافع، فإن "إنفيديا" تعتبر حالياً من الشركات الرائدة في مجال الرقائق الإلكترونية المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، وحققت نمواً هائلاً. ومع ذلك، فإن التوقعات المستقبلية قد تتغير بناءً على عوامل عديدة، مثل المنافسة المتزايدة وتطور التكنولوجيا، مشيراً إلى أن الشركة شهدت ارتفاعاً كبيراً في قيمتها السوقية خلال السنوات الأخيرة.
تصل القيمة السوقية للشركة إلى نحو 2.96 تريليون دولار. وبحسب بيانات موقع companiesmarketcap، فإن القيمة السوقية للشركة ارتفعت بأكثر من 115 بالمئة منذ بداية العام، وذلك بعد ارتفاع بنحو 235.88 بالمئة في العام الماضي 2023 أيضاً.
يقول بانافع إن هذه الارتفاعات ناتجة عن توقعات السوق المستقبلية للنمو الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنه "إذا كانت الشركة تحقق عوائد وأرباحاً تتناسب مع تقييماتها المالية، فهذا يعني أن هناك أساساً قوياً لدعم هذه التقييمات".
لكن إذا كانت التقييمات تعتمد فقط على التوقعات المستقبلية دون تحقيق أرباح حالية كبيرة، فقد يكون هناك خطر حدوث فقاعة
وفي السياق، يشير إلى العوامل الخارجية المؤثرة على القطاع عموماً، ذلك أن العوامل الخارجية مثل التغيرات في السياسات الحكومية والأوضاع الاقتصادية العالمية علاوة على الأحداث الجيوسياسية تؤثر بشكل كبير على أداء قطاع التكنولوجيا بشكل عام، وشركة إنفيديا بشكل خاص.
طفرة الذكاء الاصطناعي
ويتطرق المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، في السياق نفسه بالحديث عن "طفرة الذكاء الاصطناعي وهل هي مبالغ فيها كما أوردت بعض التحليلات"، مشدداً على أن:
- الذكاء الاصطناعي حقق تقدماً كبيراً في مجالات متعددة مثل التعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية.
- هذه التطورات أدت إلى تطبيقات عملية مهمة في مجالات مثل الرعاية الصحية والتمويل والتجارة الإلكترونية
- على الرغم من التقدم الكبير، هناك تحديات مستمرة مثل قضايا الخصوصية والتحيز في البيانات، والأخلاقيات، والطاقة المستهلكة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة.
- هناك دائمًا خطر المبالغة في توقعات التقنية الجديدة. ويجب توخي الحذر في التفريق بين الضجيج الإعلامي والواقع العملي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
وشهد تاريخ التكنولوجيا بعض الفقاعات التي انفجرت في النهاية، مما يثير القلق من تكرار نفس السيناريو مع الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، هناك أيضاً أدلة قوية تدعم وجهة النظر القائلة بأن طفرة الذكاء الاصطناعي حقيقية وليست مجرد فقاعة، ومن بينها:
- يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بالفعل في عديد من التطبيقات العملية، مثل السيارات ذاتية القيادة، التشخيص الطبي، والتحليل المالي.
- تستثمر الشركات والحكومات مبالغ طائلة في تطوير الذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى إيمانهم بقدراته المستقبلية
- تشهد سوق الذكاء الاصطناعي نمواً متسارعاً، مما يدل على وجود طلب كبير على هذه التكنولوجيا.
استثمارات ضخمة
رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه:
- من الصعب تصنيف الوضع الحالي بالنسبة لإنفيديا وقطاع الذكاء الاصطناعي عموماً على أنه "فقاعة" بالمعنى التقليدي.
- الاستثمارات الضخمة في القطاع تجعله أكثر من مجرد رهان محفوف بالمخاطر.
- لكن على الرغم من الأداء القوي لشركات التكنولوجيا، إلا أن هذه الاستثمارات الضخمة لا تحقق عوائد سريعة للشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي.
- المردود المتوقع على المديين المتوسط والطويل، ولكن هذا لا يمنع من وجود مخاطر.
ويضيف: "الارتفاعات الحالية تختلف عن تلك التي شهدناها في فقاعة الدوت كوم عام 2000. وقد تشهد سوق الذكاء الاصطناعي بعض التصحيحات وتغيرات في توجهات المستثمرين".
وعن "وول ستريت" وما إذا كانت تعبر عن اتجاه مقلق لشركات التكنولوجيا، يستطرد يرق: "لا ننسى أن اتجاهات الفيدرالي الأميركي لتخفيف السياسة النقدية، علاوة على أرقام البطالة قد تؤثر على أسواق الأسهم بشكل عام بما في ذلك قطاع التكنولوجيا"، موضحاً أن التصحيحات التي تجاوزت 10 بالمئة في بعض الأسهم تجعل الفترة الحالية تستحق المتابعة.