يواجه لبنان لحظات مصيرية وسط أجواء مشحونة بالقلق والترقب، حيث بدأ العدّ العكسي لتنفيذ إسرائيل ضربة كبيرة ضد الأراضي اللبنانية، مما يهدد باندلاع صراع واسع النطاق بين بيروت وتل أبيب.
ومخاطر توسّع الحرب بين البلدين لم تكن بهذه الجدية منذ اندلاع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل في 8 أكتوبر من العام 2023، فسقوط صاروخ يوم السبت الماضي في ملعب رياضي في قرية مجدل شمس في الجولان وتسببه بمقتل 12 شخصاً، اعتبرته إسرائيل أمراً لا يمكن تجاوزه دون ردّ كبير.
وفي ظل بلوغ المخاوف ذروة غير مسبوقة، بات من المستحيل تجاهل الوضع المتوتر في لبنان وهذا ما دفع شركات طيران عالمية ومحلية إلى تعليق أو تعديل موعد رحلاتها إلى بيروت، في حين جددت السفارات الأجنبية الطلب من مواطنيها عدم السفر ومغادرة الأراضي اللبنانية.
الناقل الوطني يُبعد طائراته
واستباقاً لاحتمال توسع النزاع بين لبنان واسرائيل وخوفاً من تعرض أسطولها للتدمير جراء ضربات جوية، أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط وهي الناقل الوطني اللبناني، عن إعادة جدولة لرحلاتها عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وذلك بما يضمن عدم ركن أي طائرة تابعة لها لفترات طويلة على أرض المطار، وبالتالي إبقاء الأسطول بعيداً عن مخاطر الحرب المحتملة.
بدورها علّقت شركات مثل الخطوط الجوية السويسرية ولوفتهانزا وإير فرانس رحلاتها إلى بيروت كإجراء احترازي بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع.
وتأتي الأحداث التي يشهدها لبنان على أبواب شهر أغسطس الذي يعتبر شهراً مفصلياً في الموسم السياحي الصيفي، حيث كان متوقعاً أن يشهد هذا الشهر انعقاد فعاليات فنية رفيعة المستوى لفنانين عرب وأجانب، لتأتي الأحداث الأخيرة وتضع مصير هذه الفعاليات في مهب الريح، في ظل إحجام السياح والمغتربين اللبنانيين عن القدوم إلى لبنان، فالرد الإسرائيلي المتوقع سيتبعه من دون شك تصعيد من قبل حزب الله اللبناني، وهذا ما يرفع من احتمالات حدوث تصعيد عسكري واسع النطاق بين الجانبين.
تكرار سيناريو الحصار
وبعيداً عن الوضع السياحي، فإن توسع الحرب بين لبنان وإسرائيل لتصبح دون ضوابط أو سقوف، سيضع اقتصاد لبنان تحت ضغط هائل، فلبنان لا يزال حتى الساعة يلملم جراح الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية، التي أصابته منذ نهاية عام 2019، والتي تسببت بفقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، كما أن بيروت لا تملك في الوقت الراهن أي من مقومات الصمود، التي تتيح لها تحمل التداعيات الكارثية لحرب واسعة النطاق، خصوصاً في حال تكرار سيناريو حرب يوليو/تموز 2006 عندما فرضت إسرائيل حصاراً على الموانئ اللبنانية، وهو ما سينعكس شحاً في المواد الأساسية.
فخلال حرب يوليو 2006، فرضت إسرائيل حصاراً بحرياً وجوياً على لبنان استمر لأكثر من 30 يوماً، وهذا الحصار شمل منع دخول وخروج السفن إلى الموانئ اللبنانية وشلّ حركة المطار الذي تعرض للقصف، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الحركة التجارية في لبنان، وأثر بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني، إذ توقفت واردات وصادرات البلاد، مما تسبب في نقص حاد في المواد الأساسية والوقود.
مخزونات الغذاء والدواء والمحروقات
ويكشف مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان الدكتور محمد أبو حيدر في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه وفي حال تكرار سيناريو حرب تموز 2006 لناحية فرض حصار على الموانئ اللبنانية، فإن لبنان يملك مخزوناً يكفيه لمدة 3 أشهر في كل ما يتعلق بالمواد الغذائية والطحين والقمح، في حين كشف مصدر مسؤول في قطاع الأدوية في لبنان في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن البلاد تمتلك مخزوناً من الأدوية يكفي لفترة جيدة ولكن الخطر يبقى من احتمال مواجهة لبنان لحصار يشل حركة الاستيراد، حيث أن معظم الأدوية الموجودة في السوق اللبنانية هي أدوية مستوردة.
أما ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا فيقول في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن لبنان يملك مخزونات من المحروقات جيدة وكافية للفترة المقبلة، مشيراً إلى أنه طالما الموانئ البحرية تعمل بشكل طبيعي فإن هذه المخزونات ستعزز، ولكن الخوف يبقى من حدوث تدهور في الأوضاع ينتج عنه حصار للموانئ اللبنانية وهو الأمر الذي لا يتمناه أحد كونه سينعكس سلباً على الوضع ككل.
وضع العملة اللبنانية
من جهته، يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس، الدكتور نسيب غبريل في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري نجح منذ عام وحتى اليوم في إعادة الاستقرار لسعر صرف العملة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي عند 89500 ليرة للدولار، وهو تمكن من ذلك رغم الكثير من الصدمات الأمنية والسياسية التي شهدها لبنان خلال الأشهر الماضية، لافتاً إلى وجود مخاوف جدية من عدم تمكن المصرف المركزي من الاستمرار في المحافظة على استقرار الليرة اللبنانية التي قد تكون عرضة لضغوطات في حالة الحرب الشاملة، وهو ما يعني العودة لمسارها الانحداري.
تأثر القطاع المصرفي
وبحسب غبريل، فإن الحركة المصرفية التقليدية في لبنان تعاني من جمود بسبب الأزمة المصرفية التي يعاني منها لبنان منذ 2019، ولكن التوترات الأمنية التي يشهدها لبنان في الأيام الأخيرة سيكون لها أيضاً تأثير سلبي على هذا القطاع، فالشركات في لبنان وبهدف تجنب الاقتصاد النقدي، عمدت في الآونة الأخيرة إلى فتح حسابات جديدة في المصارف وغذتها بالأموال، ولكن هذا المنحى قد يتباطأ أو يتوقف بسبب الأحداث الأخيرة وذلك لعدة أسباب، منها تراجع الإيرادات التي ستحققها الشركات نتيجة تأثر الحركة الاقتصادية سلباً بأجواء الحرب.
واعتبر غبريل أنه من المبكر لأوانه الغوص في حجم الخسائر المالية التي سيتكبدها لبنان، نتيجة ما يحصل على أراضيه، حيث يتوقف هذا الأمر على مدى سوء الأوضاع وحجم توسع الأعمال الحربية.
تأثر السياحة
بدوره يقول مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قطاع السياحة والسفر في لبنان عانى من تراجع نسبته 30 في المئة بسبب الأعمال القتالية الدائرة في الجنوب منذ شهر أكتوبر 2023، وفي حال توسّعت التهديدات كما يحدث حالياً، فالقطاع السياحي سوف يتأثر أكثر، خصوصاً أن شركات الطيران العالمية بدأت بإلغاء وتأجيل رحلاتها إلى العاصمة اللبنانية، في حين أن هناك العديد من المسافرين الذين سيلغون مجيئهم إلى لبنان.
سيناريو الحرب
ويرى مارديني أنه وفي حال انتقل الوضع بين لبنان وإسرائيل إلى مرحلة النزاع الكبير، وليس فقط التهديد بنزاع كما يحصل في الوقت الراهن، فإن هذا التحوّل في الوضع، ستكون له كلفته المرتفعة والتي ستصل إلى مليارات الدولارات، بسبب الدمار الذي سيحصل في البنية التحتية، في حين أن الموظفين لن يعود بامكانهم الذهاب إلى أماكن عملهم، مشيراً إلى أن الضرر سيصيب مختلف القطاعات الاقتصادية في لبنان من سياحة وصناعة وزراعة وخدمات.
ويشرح مارديني أن الفرق بين حرب تموز 2006 والحرب الحالية في حال حصلت، هو أن الشركات في لبنان وبسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد منذ 2019 لا تملك أموالاً في المصارف وهي غير قادرة على دفع الرواتب، وبالتالي فإن الحرب سوف تخلق أزمة اجتماعية اقتصادية كبيرة جداً.
أما رئيس شركة التجارة العامة وليد جبارة، فيقول في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السوق اللبنانية أصبحت في اليومين الأخيرين في حالة جمود وترقب لمجريات الأحداث، ولكن الخوف من تطور الأمور نحو الأسوأ دفع العديد من المستهلكين للتهافت على المتاجر وتخزين المواد الغذائية الأساسية، خصوصاً بعد التحذيرات التي أطلقتها السفارات الأجنبية في لبنان وأهمها السفارة الأميركية، مشيراً إلى أن الوضع في السوق سيتسمر على هذا المنوال لعدة أيام وذلك إلى حين تنفيذ إسرائيل لتهديداتها ومن ثم انتظار رد حزب الله عليها، في حين أن الموسم السياحي الصيفي أو ما تبقى منه كان الضحية الأولى للأحداث التي شهدتها الساحة اللبنانية مؤخراً.