يسعى كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لاستمالة قاعدة مؤيدي العملات المشفرة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تضم ملايين الأميركيين، قبل انتخابات نوفمبر المرتقبة.
وفيما نجح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أن يتخذ زمام المبادرة و"يُعيد حساباته" ومواقفه من العملات المشفرة، لم تقف حملة منافسته المحتملة كامالا هاريس صامتة، بل شرعت في اتخاذ خطوات بالاتجاه لنفسه، تتضمن معالجة اختلالات الصورة التي تم ترسيخها بشأن موقف الديمقراطيين من تلك العملات.
وفيما كان ترامب أثناء فترة رئاسته السابقة متشككاً في العملات المشفرة، ودائم الهجوم عليها، فقد تحوّل إلى النقيض تماماً من ذلك، حتى أنه شارك أخيراً بخطاب رئيسي في مؤتمر بتكوين في ناشفيل يوم السبت، وهو المؤتمر الذي أطلق فيه رسائل دعم لا محدودة لسوق الكريبتو.
ترامب -الذي دعا إلى عدم بيع البتكوين ووصف العملة المشفرة بأنها ذاهبة إلى القمر- قال خلال المؤتمر المشار إليه إنه يتعين أن تسيطر الو لايات المتحدة على البتكوين.
ويحظى ترامب بحضور واسع في صفوف حاملي العملات المشفرة، واستطاع أن يحظى بدعمٍ عديد من كبار المستثمرين، ففي هذا الشهر، أعلن المستثمران الاستثماريان مارك أندريسن وبن هورويتز أنهما سيدعمانه في انتخابات نوفمبر، بعد أن دعما في السابق عديداً من المرشحين الديمقراطيين. وتزعم شركتهما، أندريسن هورويتز، أنها أكبر مستثمر في العملات المشفرة في العالم وجمعت نحو 8 مليارات دولار للاستثمار في هذا القطاع.
وعندما أعلنا دعمهما لترامب، هاجم المستثمران المغامران البيت الأبيض بقيادة جو بايدن وهيئة الأوراق المالية والبورصة بقيادة جاري غينسلر. وقال هورويتز في ذلك الوقت: "لقد حاربونا في كل خطوة على الطريق، واستخدموا وسائل شريرة للغاية. إنهم يدمرون الصناعة".
كامالا هاريس تنافس ترامب في سوق الكريبتو
دخلت نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، المرشحة الديمقراطية المحتملة لانتخابات نوفمبر، كامالا هاريس، حلبة المنافسة في مواجهة الرئيس السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، من أجل الفوز بأصوات قاعدة المتعاملين بسوق الكريبتو، والتي قدّرها ترامب في وقت سابق بـ 50 مليون أميركي من حاملي العملات المشفرة.
بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن مستشاري هاريس تواصلوا أخيراً مع شركات العملات المشفرة الكبرى بهدف إعادة ضبط العلاقات بين حزبها الديمقراطي وقطاع داعم مهم لدونالد ترامب.
بحسب الصحيفة، فإن:
- أعضاء فريق نائبة الرئيس اتصلوا بأشخاص مقربين من شركات التشفير بشأن الاجتماع في الأيام الأخيرة.
- هذه الشركات شملت بورصة كوين بيس الرائدة وشركة سيركل للعملات المستقرة ومجموعة مدفوعات بلوكتشين ريبل لابس.
- يأتي عرض هاريس لشركات التشفير في الوقت الذي يتمتع فيه ترامب بمستويات قوية من الدعم من القطاع.
وقال مستشارو حملة هاريس في الأمور التجارية إن:
- قرار إعادة الاتصال بصناعة العملات المشفرة لم يكن له علاقة كبيرة بجذب مساهمات انتخابية جديدة.
- الهدف كان بدلاً من ذلك بناء علاقة بناءة من شأنها في نهاية المطاف وضع إطار تنظيمي ذكي من شأنه أن يساعد في نمو فئة الأصول بأكملها.
- هاريس أرادت تغيير التصور بين عديد من كبار المسؤولين التنفيذيين في أميركا بأن الديمقراطيين مناهضون للأعمال التجارية.
وقال أحد المصادر للصحيفة، إن حملة هاريس تستخدم تغيير القيادة في البطاقة الديمقراطية كفرصة لإعادة ضبط العلاقات مع صناعة التكنولوجيا، التي شعرت بأنها مستهدفة من قبل إدارة بايدن، وخاصة فيما يتعلق بقضايا مكافحة الاحتكار.
وقال أحد الأشخاص المقربين من حملتها الانتخابية إن الرسالة الأساسية التي تريد هاريس توجيهها هي أن الديمقراطيين "مؤيدون للأعمال التجارية، وهم أصحاب أعمال تجارية مسؤولة".
تهدف هاريس إلى استعادة أولئك الموجودين في مجتمع التكنولوجيا، وكثير منهم في ولاية كاليفورنيا، والذين ابتعدوا عن الحزب احتجاجاً على التهديد بفرض ضرائب جديدة أو تنظيم صناعتهم.
وتأمل بعض شركات العملات المشفرة أن تبدي هاريس تعاطفاً أكبر معها. وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في إحدى شركات العملات المشفرة: "إن حقيقة استعدادها للاستماع أمر بالغ الأهمية. فمع بايدن لم يكن من الممكن حتى عقد اجتماع... لقد ترك ذلك الناس مع نظرة سيئة للغاية لإدارة بايدن".
ومن المرجح أن تكون مجموعات التشفير مصدراً مهماً لتمويل المرشحين في الانتخابات: فقد جمع Pac Fairshake المؤيد للعملات المشفرة أكثر من 200 مليون دولار من الداعمين بما في ذلك Coinbase وRipple وAndreessen Horowitz، وفقًا للملفات.
آفاق إيجابية
من جانبه، يقول خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الأسواق المالية تتفاعل عادة بقوة مع تحركات وتوجهات الشخصيات السياسية الكبرى، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتصريحاتهم حول العملات المشفرة.
- ترامب، المعروف بتأثيره الكبير على وسائل الإعلام والجمهور، لديه القدرة على تحريك السوق من خلال تأييده أو نقده لأي قطاع مالي.
- تودد الرئيس الأميركي السابق لمؤيدي العملات المشفرة يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاهتمام والاستثمار في هذه العملات على المدى القصير.
- بعد أن أظهر تأييداً ضمنياً لبيتكوين في إحدى تصريحاته السابقة خلال العام الجاري 2024، ارتفعت قيمة العملة الأكبر بنسبة 5 بالمئة خلال 24 ساعة فقط حينها، مما يعكس مدى تأثير كلماته على الأسواق.
ويضيف: في المقابل، حملة هاريس التي تتواصل مع عدد من شركات التشفير تعكس تحولاً سياسياً نحو تبني التكنولوجيا المالية الحديثة، وإذا تمكنت نائبة الرئيس الأميركي من وضع سياسات تدعم استخدام العملات المشفرة وتنظيمها بشكل إيجابي، فقد يؤدي ذلك إلى استقرار ونمو هذه السوق على المدى المتوسط. على سبيل المثال، عندما أعلنت سنغافورة في 2023 عن تنظيمات داعمة للعملات المشفرة، ارتفع حجم التداول بنسبة 20 بالمئة خلال الأشهر الستة التالية.
ووفق أرشيد، فإن الأثر الحاسم لتلك التحركات يمكن أن يكون كبيراً، فعلى المدى القصير، يمكن لتصريحات الشخصيات السياسية والمواقف التي تتبناها أن تؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار، سواء بارتفاعها أو بانخفاضها، اعتماداً على ما إذا كانت التصريحات إيجابية أم سلبية. هذا الأمر يمكن ملاحظته عند إعلان الصين عن حملات ضد تعدين العملات المشفرة في 2021، حيث أدى ذلك إلى انخفاض أسعار البيتكوين بنسبة 30 بالمئة خلال أيام قليلة.
أما على المدى المتوسط، قد تكون هناك تأثيرات أكثر استدامة إذا ما ارتبطت التوجهات السياسية بإجراءات تنظيمية واضحة ومشجعة. ويتضح هذا من خلال التجربة الأميركية مع العملات المشفرة؛ فقد أدى قرار هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في نهاية 2023 بالسماح بإطلاق صناديق تداول البيتكوين إلى ارتفاع قيمة السوق الإجمالية للعملات المشفرة بنسبة 15 بالمئة خلال شهر واحد.
دعم سياسي
وإلى ذلك، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- شهدنا تزايداً في دعم حملات المرشحين السياسيين للعملات المشفرة، لا سيما رواد التعدين وشركات التشفير.
- المرشحون يرون في هذه العملات مصدراً هائلاً للتمويل، واعدين بتغيير جذري في السياسات المتعلقة بها.
- تدعم بعض الشخصيات البارزة، مثل ترامب، فكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تصبح القوة الرائدة في مجال العملات المشفرة.. كما يرون أن هذه العملات هي مستقبل الاستثمار، وأنها ستتفوق على الذهب قريباً.
- تُظهر الأرقام أن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل كمية كبيرة من البتكوين، وتطمح لزيادة احتياطياتها بشكل كبير. وهذا التوجه يدل على اعتراف متزايد بأهمية هذه الأصول الرقمية.
ويشير إلى أن الحزب الجمهوري يشهد تحولاً في موقفه من العملات المشفرة، ذلك أنه كان في السابق أكثر تشدداً. وهذا التغيير، إلى جانب الدعم القادم من الحزب الديمقراطي، يخلق بيئة أكثر استقراراً وقبولاً للعملات المشفرة.
كما من المتوقع أن يؤدي هذا التطور إلى زيادة في أسعار العملات المشفرة على المديين المتوسط والطويل، خاصة مع تزايد التنظيم الحكومي لهذه السوق، بحسب يرق، الذي يشدد على أن التنظيم، وإن كان قد يفرض بعض القيود، إلا أنه سيعزز الثقة في هذه الأصول ويجذب المزيد من المستثمرين .
اختلاف السوق
لكن الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات، طارق الرفاعي، يتبنى رأياً مخالفاً، إذ لا يتوقع أن يكون لهذه التحركات "السياسية" أي تأثير مادي على العملات المشفرة، قائلاً إن "السوق أوسع من ذلك".
ويفسر الرفاعي ذلك بقوله لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- أسعار العملات المشفرة تتأثر بشكل كبير بالعرض والطلب في السوق.
- ومع ذلك، تلعب العوامل الأساسية لكل عملة دوراً حاسماً في تحديد قيمتها على المدى الطويل.
- العملات المشفرة (الكبرى) مثل البيتكوين والإيثريوم تتمتع بقيمة عالية بسبب استخداماتها المتعددة، مثل المدفوعات والتمويل اللامركزي، وتطبيقاتها في عديد من الصناعات. هذا الأمر يجعلها أكثر استقراراً وأقل عرضة للتذبذبات الحادة مقارنة بالعملات المشفرة الأخرى.
- من جهة أخرى، هناك عديد من العملات المشفرة التي لا تتمتع بنفس القيمة والاستقرار. يعود ذلك إلى عدة أسباب، منها قلة الاستخدامات الحقيقية لهذه العملات علاوة على ضعف الأساسيات، وحتى التلاعب بالأسعار.
- هذا يجعل هذه العملات أكثر عرضة للتذبذبات الشديدة في القيمة.