توقعت عديد من شركات الطيران العالمية أن يشهد موسم الصيف هذا العام زيادة قياسية في الطلب على السفر، مما سيسهم في تحقيق أرباح ضخمة. ومع ذلك، جاءت بعض التقارير الفصلية الصادرة أخيراً "بعيدة عن هذه التوقعات المتفائلة".
على الرغم من تزايد عدد المسافرين إلى وجهات متنوعة حول العالم، إلا أن زيادة عدد المقاعد المتاحة على الطائرات تسببت في ضغوط على شركات الطيران لملء طائراتها. وقد أدى هذا الوضع إلى تقديم عديد من العروض السعرية المخفضة، بهدف جذب المزيد من الركاب.
تعزى هذه الزيادة في الطاقة الاستيعابية إلى التوقعات المفرطة من قبل المسؤولين التنفيذيين في شركات الطيران بشأن الطلب على السفر. وبرغم أن الطلب كان قوياً بحسب المعايير التقليدية، إلا أنه لم يصل إلى المستوى الذي كانت تأمله الشركات.
تواجه شركات الطيران تحديات متعددة في محاولتها للتكيف مع هذا الواقع الجديد، من بينها ضرورة الحفاظ على توازن بين عدد الرحلات وأسعار التذاكر لضمان تحقيق أرباح مرضية في الفصول القادمة.
شركة رايان إير، واحدة من أبرز النماذج في هذا السياق، فقد أعلنت عن أن أرباحها انخفضت بنحو النصف بين أبريل ويونيو، وحذرت من أن أسعار التذاكر هذا الصيف ستكون "أقل بكثير" من العام الماضي.
- أكبر شركة طيران في أوروبا كشفت عن تحقيق أرباح بلغت 360 مليون يورو في الربع الثاني من العام، بانخفاض 46 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي، على الرغم من ارتفاع أعداد الركاب بنسبة 10 بالمئة إلى 55.5 مليون.
- شركة رايان إير ذكرت أن متوسط سعر تذكرة السفر انخفض من 49.07 يورو إلى 41.93 يورو على أساس سنوي، لكن الزيادة في أعداد الركاب ساعدت في الحد من انخفاض إجمالي الإيرادات إلى 1 بالمئة عند 363 مليار يورو.
- قالت الشركة إنها تتوقع طلبا قويا هذا الصيف، مع احتمال ارتفاع أعداد الركاب بنسبة 8 بالمئة بشكل عام في السنة المالية الحالية، لكن "الأسعار تظل أقل مما توقعنا.
- قالت الشركة: "نتوقع الآن أن تكون أسعار الربع الثاني (من يوليو إلى سبتمبر) أقل بشكل ملموس من الصيف الماضي. ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية للنصف الأول تعتمد كلياً على الحجوزات والعائدات في أغسطس وسبتمبر".
تشير عبارة "الحجوزات القريبة" إلى العملاء الذين ينتظرون فترة أطول من المعتاد لحجز الرحلات الجوية الصيفية.
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية، عن محلل الاستثمار في شركة إيه جيه بيل، دان كوتسوورث، قوله:
- أسعار تذاكر الطيران الأرخص رائعة للمسافرين ولكنها سيئة لشركات الطيران التي تحاول إصلاح أوضاعها المالية بعد الوباء. فهي تضع المزيد من الضغوط على شركات الطيران لحجز المقاعد وملء الطائرات لتعظيم إمكانات الإيرادات.
- وفي حين انتعش الطلب على السفر منذ الوباء، فإن المسافرين مترددون في الحجز قبل وقت طويل.
- ربما يرجع ذلك إلى شعورهم بضغوط أسعار الفائدة المرتفعة المستمرة أو لأنهم ينتظرون صفقة جيدة".
أسعار التذاكر
ونقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي لشركة رايان إير، مايكل أوريلي، قوله إن انخفاض أسعار التذاكر المتوسطة بنسبة 15 بالمئة في الربع الأخير ربما يكون بمثابة "إعادة توازن" للسوق بعد زيادات أسعار التذاكر بنسبة مزدوجة الرقم في السنوات الأخيرة.
وأضاف أن شركة رايان إير واجهت مقاومة متكررة من العملاء عندما حاولت رفع الأسعار، وكانت تنوي تسويق تذاكر منخفضة التكلفة بشكل مكثف للحفاظ على الطلب مرتفعا.
وفي السياق، قالت شركة جيت 2 للسفر، التي تتخذ من ليدز مقراً لها، والتي تطير من 12 مطاراً في المملكة المتحدة إلى أكثر من 65 وجهة في أوروبا، إن العملاء واجهوا ارتفاعات "متواضعة" في الأسعار هذا الصيف أثناء تكيفها مع التحول إلى الحجوزات المتأخرة.
وأفادت شركة رايان إير أيضا يوم الاثنين الماضي بأنها تأثرت بقدرة مراقبة الحركة الجوية، التي أصبحت مقيدة بسبب عوامل مختلفة بما في ذلك الإضرابات في الخارج وزيادة الفجوات بين الطائرات لضمان الهبوط الآمن خلال الطقس القاسي.
وقال أوريلي "في الأيام العشرة الأخيرة من شهر يونيو، عانينا من تدهور كبير في قدرة مراقبة الحركة الجوية الأوروبية، مما تسبب في تأخير وإلغاء عديد من الرحلات الجوية، وخاصة في رحلات الموجة الأولى الصباحية"، مضيفًا أن هذا كان أسوأ صيف لتأخيرات مراقبة الحركة الجوية التي شهدها على الإطلاق.
وأضاف أن "هذا يجعل الأمر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى أن تقوم المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي الجديدان بتقديم الإصلاح الذي طال انتظاره لخدمات مراقبة الحركة الجوية غير الفعالة في أوروبا".
تراجع في الأرباح
تشهد شركات الطيران حالياً تراجعاً ملحوظاً في أرباحها، على الرغم من توقعاتها بتحقيق نتائج مالية إيجابية في موسم السفر الصيفي. تأتي هذه الخسائر نتيجة لعدة عوامل، من بينها زيادة الطاقة الاستيعابية للطائرات، مما أدى إلى ضرورة تقديم عروض سعرية مغرية لملء المقاعد، وبالتالي تقليل هامش الربح.
بعد أزمة كورونا التي أثرت بشكل كبير على قطاع الطيران، شهدت الشركات تعافياً تدريجياً في أرباحها مع العودة التدريجية للرحلات الجوية. في السنوات الثلاث الماضية، استفادت شركات الطيران من الارتفاع الاستثنائي في الطلب على السفر، مما أدى إلى تحقيق أرباح ملحوظة. إلا أنه في الوقت الحالي، نلاحظ تراجعًا في هذه الأرباح بسبب التحديات الاقتصادية والضغوط التنافسية.
وهو ما يؤكده الرئيس التنفيذي لمركز كوروم، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، والذي يقول:
- هناك تراجع في أرباح شركات الطيران في الوقت الحالي.
- شهدنا تعافياً في أرباح هذه الشركات بعد أزمة كورونا (مع العودة التدريجية للقطاع)، وبعد تلك الارتفاعات الاستثنائية خلال السنوات الثلاث الماضية، وصلت الأرباح إلى ذروتها. لكن نلاحظ الآن تراجعًا في أرباح شركات الطيران.
- نلاحظ تراجعاً في شركات الطيران "الكبرى" وتأثر في عدد المسافرين والرحلات.
يظهر هذا التراجع بشكل واضح بين شركات الطيران الكبرى التي كانت تعتمد بشكل كبير على الزيادة في عدد المسافرين والرحلات لتحقيق أرباحها. الآن، تعاني هذه الشركات من انخفاض في عدد المسافرين، مما يؤثر على عدد الرحلات الجوية. يضطر عديد من هذه الشركات إلى إعادة تقييم استراتيجياتها التجارية وتكييفها مع الظروف الجديدة في محاولة لاستعادة استقرارها المالي وتحقيق نمو مستدام في المستقبل.
الشركات الأميركية
وفي السياق، قال المدير المالي لشركة ألاسكا، شين تاكيت، في مقابلة: "كان الأمر مجرد أن شركات الطيران كانت تأمل أن يصبح (الطلب) أقوى"، وفق ما نقلته رويترز.
وبالإضافة إلى ضغوط الخصم، أدت عقود العمل الجديدة ومعدلات الإيجار الأعلى وتكاليف الصيانة إلى ارتفاع نفقات التشغيل في الصناعة.
في مايو الماضي، خفضت الخطوط الجوية الأميركية توقعات أرباح الربع الثاني، مستشهدة بضعف القدرة التسعيرية في السوق المحلية، وفي حين تعهدت شركة النقل التي يقع مقرها في تكساس بإعادة التشغيل، يقول المحللون إن عكس المسار سيكون مضيعة للوقت ومكلفا.
ونقل تقرير الوكالة عن المحلل لدى تي دي كاون، توماس فيتزجيرالد، قوله: "إن شبكة الخطوط الجوية الأميركية تجعلها أكثر عرضة للأسواق التي تعاني حاليا من فائض في المعروض وأقل قدرة على تعويض بيئة التكلفة الأعلى".
وتأثرت شركة ساوث ويست للطيران بشدة بسبب تأخير تسليم طائرات بوينج ، كما تتعرض لضغوط من مستثمر ناشط لإقالة رئيسها التنفيذي، وإصلاح مجلس الإدارة، وإعادة تنظيم أعمالها.
خفضت شركة الطيران منخفضة التكلفة توقعاتها لإيرادات الربع الثاني. وقال فيتزجيرالد إن ساوث ويست لديها عدد قليل من الروافع لتعزيز أداء إيراداتها بشكل ملموس، مما يزيد من المخاطر على ميزانيتها العمومية.
عوامل أساسية مؤثرة
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة ACY، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- قطاع الطيران هو من أكثر القطاعات تقلباً من حيث الربحية ومدى الاستقرار؛ نظراً لعوامل متعددة، من بينها مستوى الطلب الكلي والدورة الاقتصادية وتكاليف الطاقة التي بطبيعتها متقلبة، علاوة على التوترات الجيوسياسية والمنافسة الشرسة في هذه الصناعة.
- في أوقات ارتفاع مستوى الطلب قد تفشل الشركات في تحقيق الربح؛ بسبب توفر عرض أكبر من الطلب مما يؤثر على الأسعار بالانخفاض ويجعل هذه الشركات مضطرة لخفض أسعارها.
- هناك عدة بنود من الصعب السيطرة عليها، خاصة تلك التي من جانب تكاليف التشغيل ورواتب العاملين في هذا القطاع، ومشكلات مثل الإضرابات (وهذا ما حدث كثيراً بسبب ضعف الرواتب والأجور) علاوة على التعويضات ومطالب العمال بمستويات أجور أعلى.
- هناك عامل آخر مرتبط بتوافر طائرات جديدة أو تسلم طائرات تم شراؤها في السابق.. دائماً ما نرى مشاكل بسبب تسليم الطائرات الجديدة من قبل مصنعي الطائرات وهذا يسبب اختناقات تؤدي إلى فوات الربح لتلك الشركات التي قامت بهذه الطلبيات.
- ارتفاع أو انخفاض الطلب على قطاع الطيران لا يعتبر موضوع متجانس نهائياً في كل الأوقات أو في كل المناطق الجغرافية، فهو بطبيعته متقلباً، وبالتالي تضطر الشركات لتخفيض أسعارها في بعض الأحيان بهدف جذب الزبائن في وجهات أو مسارات معينة.
ويضيف: صناعة الطيران متقلبة وغير مستقرة من حيث ربحيتها وإرادتها، فهي متغيرة بشكل دائم ولكن إذا أخذنا نظرة على المدى الطويل نجد أنها صناعة مربحة، ولكنها تتعرض لتقلبات كبيرة.