في الأسبوع الماضي فقط، بدا الأمر وكأنه أمر مؤكد تقريباً أن دونالد ترامب سيعود إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات في نوفمبر المقبل، لكن يوم الأحد، فجَّرَ جو بايدن الانتخابات الرئاسية الأميركية بالخروج من السباق ودعم نائبة الرئيس كامالا هاريس البالغة من العمر 59 عاماً من أجل نيل بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي.
من المتوقع أن تجلب هاريس زخماً جديداً للسباق وتصبح المرشحة الديمقراطية الرسمية في أغسطس في مؤتمر شيكاغو. وشهدت هاريس بالفعل زيادة هائلة في جمع التبرعات أخيراً، بما في ذلك أكثر من 81 مليون دولار (74.4 مليون يورو) في أول 24 ساعة بعد إعلان بايدن.
لم يكن الناخبون أو المانحون أو الساسة وحدهم من لاحظوا هذه التطورات. بل إن الشركات في الولايات المتحدة وحول العالم بدأت أيضا في تقييم ما قد تعنيه هذه الاضطرابات. ومن بين الأشياء التي لا تفضلها الشركات حالة عدم اليقين. ويزيل قرار بايدن بالتنحي عن منصبه كمرشح بعض حالة عدم اليقين هذه، ولكن ليس كلها.
بالنسبة للبلاد - والاقتصاد - فإن قرار بايدن يضمن رئيساً مختلفاً في العام 2025. لكن الفارق بين بايدن وهاريس يصعب فهمه.
ما الذي ينتظر الاقتصاد الأميركي؟
ونقل تقرير لدويتشه فيله، عن الأستاذ المساعد للسياسة العامة والإدارة في جامعة ولاية بنسلفانيا في هاريسبرج، دان مالينسون، قوله: "تميل هاريس إلى أن تكون أكثر تقدمية من بايدن، رغم أنني لست مقتنعاً بأن ذلك سيحدث تغييراً كبيراً في الاقتصاد.. كلاهما مؤيد للعمالة. وكلاهما يدعم توسيع إجازة الوالدين. وكلاهما يدعم سياسات شبكة الأمان الاجتماعي".
بالنسبة لعديد من قادة الأعمال في الوقت الحالي، فإن الأمر لا يتعلق بما تمثله كامالا هاريس والديمقراطيون - لأنه من غير المرجح أن يختلف كثيراً عما رأيناه على مدى السنوات القليلة الماضية. بالنسبة لهم، فإن الأمر يتعلق أكثر بالسياسات التي قد تتوقف هاريس عن تبنيها إذا فازت.
أحد أهم أهداف ترامب هو تجديد أجندته "أميركا أولاً". بالإضافة إلى خطابه القاسي بشأن الحدود والهجرة، فقد اقترح ترامب زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 10 بالمئة على جميع الواردات الأميركية، بل وقال إنه قد يفرض رسوماً جمركية بنسبة 60 بالمئة على جميع الواردات من الصين.
في حين أبقى بايدن عديداً من التعريفات الجمركية السابقة التي فرضها ترامب كما هي، بل وأضاف المزيد من القيود ، إلا أنها تستهدف صناعات محددة.
ويشير التقرير إلى أن فرض تعريفات جمركية شاملة على جميع الواردات من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض المنافسة وزيادة الأسعار بالنسبة للأميركيين المتضررين بشدة. ومن شأن ارتفاع الأسعار أن يؤدي إلى المزيد من التضخم، الأمر الذي من شأنه أن يبقي أسعار الفائدة مرتفعة.
قلب هذا الاحتمال، والخوف من حرب تجارية عالمية، نماذج الأعمال رأساً على عقب ودفع عديداً من الشركات إلى إعادة التفكير في كيفية إدارة أعمالها إذا فاز ترامب وفرض إرادته. ومن المرجح أن تتنفس هذه الشركات، وخاصة تلك الموجودة في الصين، الصعداء في الوقت الحالي، حيث من المرجح أن يعمل ترشيح هاريس المتوقع على إعادة تنشيط الديمقراطيين.
هاريس والاقتصاد
لم تقل كامالا هاريس الكثير حتى الآن عن الاقتصاد وكيف ستديره. لكن النظر إلى فترة عملها كمدعية عامة في كاليفورنيا، ثم كمحامية عامة، ثم كعضوة في مجلس الشيوخ ، ثم نائبة لرئيس الولايات المتحدة يمكن أن يعطي فكرة واضحة.
- بصفتها مدعية عامة، كانت صارمة في التعامل مع شركات النفط والبنوك.
- وبصفتها نائبة للرئيس، دعمت الخطط الاقتصادية الكبرى التي وضعها بايدن، بما في ذلك بناء الطاقة الخضراء، وخطة الإنقاذ الأميركية وقانون الحد من التضخم.
- كما دعمت قانون CHIPS and Science ، الذي يستثمر مليارات الدولارات لتشجيع تصنيع الرقائق في الداخل.
وزعمت هاريس أنها ضد فرض الرسوم الجمركية الشاملة، لكنها ستبقي عينها على الصين، وهو ما يتماشى مع السياسات الحكومية الحالية.
وبحسب التقرير، فأيا كانت أفكار هاريس، فسوف تحتاج إلى أن تعرض بسرعة رؤيتها للاقتصاد على الناخبين الأميركيين. وما إذا كانت لديها أفكار جديدة أم أنها ستكون نسخة بايدن الثانية من حيث الاقتصاد؟
بحسب الأستاذ المساعد للسياسة العامة والإدارة في جامعة ولاية بنسلفانيا في هاريسبرج، فإن:
- أحد التحديات التي ستواجهها هاريس الآن هو إيجاد مكان خاص بها مع الدفاع في الوقت نفسه عن ما فعلته إدارة بايدن-هاريس. وهذا يشمل الاقتصاد.
- إذا استطاعت إقناع عدد كاف من الناخبين بأنها قادرة على خفض التضخم وخلق فرص العمل دون قلب الاقتصاد العالمي رأسا على عقب، فقد تتاح لها الفرصة لتصبح أول رئيسة للولايات المتحدة.
التباين بين هاريس وترامب
من لندن، يتحدث الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن الفجوة والتباينات الواضحة فيما يخص تقييم أثر السياسات الاقتصادية المحتمل أن يتبعها أي مرشح حال فوزه.
ويشدد على أن:
- الأسواق الدولية ومعها دول العالم تنتظر اتضاح رؤية خطة كامالا هاريس الاقتصادية من أجل الحكم عليها.
- لكن على الجانب الآخر، لو نظرنا إلى استطلاع الرأي الذي أجرته بلومبيرغ ومورنينغ كونسلت في أبريل الماضي، فإن نسبة كبيرة من الناخبين الأميركيين يفضلون إدارة ترامب للملفات الاقتصادية على الرئيس جو بايدن الديمقراطي. وهذا قد ينسحب على إدارة هاريس.
هذا التفضيل يأتي على الرغم من أنه في عهد الرئيس بايدن، شهدت الولايات المتحدة أقوى سوق عمل منذ الستينيات، وشهدت كذلك تعافياً اقتصادياً قوياً من الجائحة يتفوق على تعافي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان على سبيل المثال، بحسب القاسم.
ويضيف: "لكن على الصعيد الدولي، ربما ثمة آمال كبيرة في إدارة هاريس للاقتصاد، باعتبارها امتداد لإدارة بايدن التي تعاملت بموضوعية وندية مع الاقتصادات المنافسة.. بينما على الجانب الآخر، إدارة ترامب تُعتبر اقصائية بما تحمله من سياسات وشعارات أميركا أولا التي تعطي الأولوية للنمو وخلق فرص العمل على حساب الشركاء الدوليين الآخرين".
ويرى الخبير الاقتصادي أن كامالا هاريس –التي صنعت بالفعل التاريخ كأول امرأة وأول شخص من أصول أفريقية يتولى منصب نائب الرئيس وإذا فازت، ستكون ثاني امرأة تترشح لرئاسة الولايات المتحدة بعد هيلاري كلينتون في عام 2016- تواجه حالياً تحدياً كبيراً في تحديد رؤيتها الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث يستمر الاقتصاد في مكافحة التضخم والتحكم بفائدة مرتفعة.
ويعتقد بأن هاريس ستوضح اختلافات حادة مع ترامب في السياسات الاقتصادية، حيث أن سياسة ترامب الحمائية تسببت في أضرار للمزارعين الأميركيين وأيضاً للصين والاتحاد الأوروبي. وبالتالي قد يكون اقتصاد هاريس أكثر تقدمًا من اقتصاد بايدن وترامب على حد سواء، في تقديره.
السياسات الاقتصادية
الخبير الاقتصادي، سيد خضر، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- سياسات كامالا هاريس قد تختلف عن سياسات دونالد ترامب بشكل كبير من خلال الموقف من الاتفاقيات التجارية الدولية.
- ترامب كان متشككا في الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف وكان مؤيداً للسياسات الحمائية، فيما من المتوقع أن تكون هاريس أكثر انفتاحاً على الاتفاقيات التجارية الدولية وتعزيز المشاركة في الاقتصاد العالمي.
ويضيف: فيما يتعلق بالموقف من الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة)، فإن ترامب تبنى سياسة صارمة تجاه الصين، بما في ذلك فرض رسوم جمركية وإثارة نزاع تجاري معها، بينما قد تتبنى هاريس نهجاً أكثر توازناً في العلاقات مع الصين، مع محاولة الحد من التوترات التجارية.
وعلى الصعيد التجاري:
- من المحتمل أن تكون سياسات هاريس أكثر دعما للتجارة الحرة والانفتاح التجاري مقارنة بسياسات ترامب.
- كما من المتوقع أن تكون سياسات هاريس الاقتصادية والتجارية أقرب إلى التوجه التقليدي للحزب الديمقراطي، والذي يؤكد على الانفتاح التجاري والمشاركة في الاقتصاد العالمي.
- ولكن في النهاية ستتوقف النتيجة على السياسات الفعلية التي ستتبناها هاريس إذا أصبحت رئيسة.
ويتحدث خضر عن الانفتاح على التعاون الدولي والاتفاقيات التجارية، بالنظر إلى أن الشركات الكبرى تفضل عادة بيئة تجارية مفتوحة وانضمام الولايات المتحدة للاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، وبالتالي من المتوقع أن تكون هاريس أكثر انفتاحا على هذه الاتفاقيات مقارنة بترامب. موضحاً أن الشركات الكبرى تهتم بالحفاظ على علاقات تجارية مستقرة مع الصين باعتبارها سوقًا كبيرة وقوة اقتصادية مهمة.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية والابتكار، يضيف:
- هاريس تؤكد على أهمية الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا، وهذا ينسجم مع مصالح الشركات الكبرى.
- كما أنها تؤمن بأهمية دور الولايات المتحدة في النظام التجاري العالمي وضرورة المشاركة في الاتفاقيات متعددة الأطراف.
- على عكس ترامب، من المتوقع أن تسعى هاريس لإعادة الانخراط في اتفاقيات مثل إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي، هذا ينسجم مع مصالح الشركات الكبرى التي تستفيد من الوصول إلى أسواق جديدة وسلاسل التوريد العالمية.