تتصدر قضية السياسات الضريبية اهتمامات الأميركيين، إذ تعد من أهم الملفات التي تؤثر على اتجاهات الناخبين في الانتخابات الرئاسية المنتظر إجراؤها في نوفمبر المقبل.
مع خروج الرئيس جو بايدن رسمياً من سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، يراقب الخبراء السياسة الضريبية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الأوفر حظًا للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي .
ورغم أن هاريس لم تحدد بعد أجندتها الاقتصادية، فإن الناخبين قد يرون موضوعات مماثلة لمقترحات بايدن، التي دعت إلى فرض ضرائب أعلى على الأثرياء والشركات، كما يقول الخبراء بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه.
قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2020، شاركت هاريس عديداً من أولويات بايدن لكنها عبرت عن مقترحات مختلفة قبل انتهاء حملتها في ديسمبر 2019 .
وبشكل عام، يبدو أن هاريس ستكون متوافقة إلى حد كبير مع معظم ما كان بايدن يدفع به، إن لم يكن كل شيء، كما قالت كبير محللي السياسات ومدير النمذجة في مؤسسة الضرائب، غاريت واتسون، والتي أوضحت أنه إذا أصبحت هاريس المرشحة الديمقراطية واستغلت البنية الحالية للحملة فقد يحد ذلك من قدرتها على الذهاب في اتجاه مختلف.
انتهاء صلاحية تخفيضات ترامب الضريبية وتعهد بايدن
مع انتهاء تريليونات الإعفاءات الضريبية بعد العام 2025، فإن خطط السياسة الضريبية والعجز في الميزانية الفيدرالية تشكل قضايا رئيسية يتعين على هاريس معالجتها، كما يقول الخبراء.
أصدر الرئيس السابق دونالد ترامب قانون تخفيضات الضرائب والوظائف (TCJA) في العام 2017، وهو ما أدى إلى خفض شرائح الدخل الفيدرالية مؤقتاً، وزيادة الخصم القياسي، وتعزيز الائتمان الضريبي للأطفال، من بين تغييرات أخرى.
يريد ترامب تمديد أحكام قانون خفض الضرائب والوظائف، بما في ذلك تخفيضات أعمق للضرائب على الشركات، وفي الوقت نفسه، كان بايدن يسعى إلىى تجديد الإعفاءات الضريبية فقط لأولئك الذين يكسبون أقل من 400 ألف دولار.
بحسب المدير المساعد لبرنامج السياسة الاقتصادية في مركز السياسة الحزبية، أندرو لوتز، فإن أحد الأسئلة الهامة هو ما إذا كانت هاريس ستتبنى تعهد بايدن بعدم زيادة الضرائب على أي شخص يقل دخله عن 400 ألف دولار؟
وقال إن هذا "أمر كبير وله عواقب واسعة" فيما يتعلق بمقترحات الضرائب الديمقراطية المستقبلية ومفاوضات قانون خفض الضرائب والوظائف.
التركيز على الإعفاء الضريبي للأطفال
خلال حملة العام 2020، كان أحد المقترحات الرئيسية التي قدمتها هاريس هو قانون LIFT the Middle Class ، والذي كان من شأنه أن يقدم ائتماناً ضريبياً قابلاً للاسترداد بقيمة تصل إلى 3000 دولار للمتقدمين الفرديين و6000 دولار للأزواج المتزوجين الذين يقدمون ملفات مشتركة.
ومع ذلك، ركز بايدن والديمقراطيون على الإعفاء الضريبي للأطفال، مع إقرار توسيعه في مجلس النواب في فبراير.
وقالت هاريس في حدث سياسي في ولاية كارولينا الشمالية الأسبوع الماضي، قبل أن يغادر بايدن سباق الانتخابات: "بينما منحت الإدارة الأخيرة تخفيضات ضريبية للمليارديرات، قدمنا تخفيضات ضريبية للأسر من خلال الائتمان الضريبي للأطفال، مما أدى إلى خفض فقر الأطفال في أمريكا إلى النصف".
وقد رفعت خطة الإنقاذ الأميركية الحد الأقصى للإعفاء الضريبي إلى 3000 دولار أو 3600 دولار لكل طفل، ارتفاعاً من 2000 دولار، وأرسلت مدفوعات شهرية للأسر، ونتيجة لذلك، انخفض معدل فقر الأطفال إلى أدنى مستوى تاريخي عند 5.2 بالمئة في العام 2021، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التوسع، وفقاً لتحليل أجرته جامعة كولومبيا.
وبعد انتهاء الإغاثة من الوباء، تضاعف معدل فقر الأطفال في العام 2022، حيث ارتفع إلى 12.4بالمئة، وفقًا لمكتب الإحصاء الأميركي.
نهج مشابه لإدارة بايدن
في هذا الصدد، توقع خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن تتبع كامالا هاريس (حال حصولها على بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي) نهجاً مشابهاً لنهج إدارة بايدن في السياسات الضريبية، مع وجود بعض التعديلات والتغييرات.
وقال إنه من المعروف أن إدارة الرئيس بايدن ركزت على زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء لتحسين الإيرادات الحكومية؛ بهدف تمويل برامج اجتماعية واقتصادية مختلفة، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال في ظل إدارة بايدن، تم رفع الحد الأعلى لمعدل الضريبة على الشركات من 21 بالمئة إلى 28 بالمئة، وهو ما أثار الكثير من الجدل بين الأوساط الاقتصادية والسياسية.
وفيما يخص هاريس وقضايا الضرائب، توقع:
- أن تتبنى كاملا هاريس سياسة ضريبية تعزز العدالة الاجتماعية والاقتصادية، مع التركيز على تقليص الفجوة بين الفقراء والأثرياء.
- زيادات إضافية في الضرائب على الأفراد ذوي الدخل المرتفع.. ربما يتم رفع معدل الضريبة القصوى على الدخل الفردي من 37 بالمئة إلى 39.6 بالمئة، فمثل هذه الزيادات ستسهم في تمويل البرامج الاجتماعية والبنية التحتية، بالإضافة إلى تحسين نظام الرعاية الصحية والتعليم.
- قد تنظر كامالا هاريس في تقديم حوافز ضريبية لدعم النمو الاقتصادي وتحفيز الابتكار، على سبيل المثال، يمكن أن تقدم إعفاءات ضريبية للشركات التي تستثمر في الطاقة المتجددة أو الأبحاث والتطوير، مما يعزز من النمو المستدام ويوفر فرص عمل جديدة.
وأشار إلى أن هاريس تبنت مواقف تقدمية في مجلس الشيوخ، مما يجعل من المرجح أن تستمر في دفع سياسات ضريبية تهدف إلى إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة، مستطردًا بأنه على سبيل المثال، قد تركز على إغلاق الثغرات الضريبية التي تستفيد منها الشركات الكبرى والأفراد الأثرياء، مثل الفوائد المحملة (carried interest) التي تسمح لمديري صناديق التحوط بدفع معدلات ضرائب أقل على أرباحهم.
رد فعل أسواق المال
وفي السياق، رجح الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن تتبع كاملا هاريس نفس السياسات الضريبية للرئيس الحالي جو بايدن.
وتوقع أن يكون لذلك ردات فعل سلبية لأسواق المال التي تتوقع فوز ترامب وتأمل ذلك بانتخابات نوفمبر المقبل، مشيراً إلى أن سياساته الاقتصادية أثناء فترة توليه الرئاسة وإدارة البيت الأبيض كانت أفضل وإيجابية أكثر للاقتصاد الأميركي عن سياسات بايدن.
واستدل على موقف أسواق المال بأنه عندما انسحب بايدن من المنافسة الانتخابية لم يكن هناك ردة فعل سيئة بالنسبة لها، وبالعكس كانت هناك ردة فعل إيجابية وهو دليل أنها تتوقع وتريد فوز ترامب.
ملامح سياسات هاريس الضريبية والاقتصادية
فيما قال مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السياسات الاقتصادية المتوقعة لكامالا هاريس مازالت غامضة، لكن يمكن تحديد ملامح تلك السياسات من خلال عدد من العوامل.
أهم تلك العوامل أنها نائبة للرئيس الديمقراطي جو بايدن الذي تنحى عن المشاركة بالانتخابات المقبلة، لذا من المتوقع أن تسير في ركبه الاقتصادي من خلال مكافحة التضخم والتيسير الضريبي على الطبقات الفقيرة وحرب الرسوم الجمركية ضد الصين.
وتبعاً لذلك رجح أن تسير بنفس المسارات الاقتصادية التي كان يسير عليها بايدن، وربما تزيد عليه من الناحية الاجتماعية لأنها من طبقة عمالية، وذلك من خلال تقديم تيسيرات لتلك الطبقة بزيادة الإنفاق على البرامج الصحية ودعم الطلاب العاملين.
كما يمكن تحديد شخصية كاملا هاريس الاقتصادية من خلال انتقاداتها الشديدة عبر مسيرتها لسياسات الرئيس السابق دونالد ترامب في الاقتصاد، فكانت عضوا بالكونغرس عن ولاية كاليفورنيا في عام 2019 وكانت دائما ما تنتقد السياسة الحمائية الشديدة التي فرضها ترامب على الولايات المتحدة الأميركية، وقالت آنذاك إن تلك السياسات تضر بالفلاحين والمنتجات الأميركية والمستهلكين الراغبين بشراء منتجات أرخص من الأسواق الخارجية، كما انتقدت انحيازه للأثرياء ورجال الأعمال وتخفيض الضرائب عنهم.
وأكد أن الانتخابات في أميركا ترفع شعار الاقتصاد أولا ثم التوجه للسياسات الأميركية الخارجية (..) وذكر أن الاقتصاد الأميركي على الرغم من أنه بدأ في التحسن لكنه لم يكن في أفضل حالاته، وأن الرئيس بايدن أنجز فيه بشكل كبير مقارنة بالرئيس السابق ترامب الذي أحاطت به جائحة كورونا وأوقفت خطته الاقتصادية قبل الخروج من البيت الأبيض، مستطردًا بأنه يمكن للمرشحة كاملا هاريس في حال نجاحها بالانتخابات أن تستكمل مسيرة بايدن.